لو أَنّكَ الآنَ لم تَدْنَفْ ولم تَجِدِ
ولم تُغَالِبْ لهيبَ الشَّوْقِ صَوْبَ غَدِ
وعشتَ أيامَكَ الأولى بلا وَلَهٍ
ولا اكْتئابٍ ولا همٍّ ولا كَبَدِ..
وَغِبْتَ مُتكِئاً على أَرَائِكِها..
في مَشْهَدٍ هَام في منظومةِ البَرَدِ
لو أنّكَ الآن لم تُسْرِفْ بمائجةٍ
من الخَيَالِ الذي ما ظَلّ في الخَلَدِ..
وانْثَالَ حُلْمُك مجدولاً بسَانِحةٍ
مَا أَجْفَلَتْ فيكَ بين الرُّوح والجَسَدِ
لو أنّ شَمْسَكَ إِذْ لَجّتْ بمطلعِها
ضاقتْ بإيقاظِكَ المدفون في الرَّمَدِ
لو أنّ ليلَكَ إِذْ يَسْجُو بَعَسْجَلِكِ
ما اسْوَدّ مِنْكَ بنارِ السُّهْد والكَمَدِ
لو أَنّكَ الآن لم تقرأ بِفَادحةٍ
من الرّثاءِ كتابَ الكونِ والأَبَدِ
لكنتَ سيدَ هذا الشّكّ مُخْتَرِقاً
هذا اليقينَ الذي أَشْقَاكَ بالجَلَدِ
وصِرْتَ محتملاً مِنْ غَيْرِ ضَائقةٍ
تَعْدُو إذا أَوْغَلَ المَفْتُونُ بالرَّشَدِ
فهل يَسُوؤُكَ أَنّ الكونَ مُحْتَمَلٌ؟
وهل يَضُرُّكَ لو ضَحّيْتَ بالعُقَدِ؟
دَوّنْتَ في ثَبَج الأعصابِ أزمَتَها..
ورحتَ تُوقِظَ ما يُفْنيكَ بالنكَدِ
ما أَتْلَفَ الرّوحَ إذْ نَاحَتْ على زمنٍ
سوى انْسَراب الرّؤى في مَهْمَهِ الصَّدَدِ
ولا تَوَعّد بالتسطيح في شَغَف
إلى التجلّى سوى ما قرّ في السَّنَدِ
هذا كتابُك إذْ أَوْفَتْ مطالِعُهُ
فاقْرَأْهُ أو رُدّه لسائر الزَّبَد
ما هَلّلتْ زُمرُ الإلهام مُذْ نَزلتْ
أو كَبَّرَتْ لمَزِيدِ العُقْم والصَّلْدِ
لكنّها أَشْرَعَتْ ما جَلَّ من حِكمٍ..
وما تَجَلّى على سَجّارةِ الرَّصِدِ
مَنْ ذا الّذي يُسْتَفِيقُ اليوم في بَلَدٍ
فَلاَ يُسَمّي عَلَى مَنْ نام في بَلَدِ..
فما تبقى من المعقول مُنْطَلَقٌ
وما تَبَقّى لبيتِ الوعي منْ عَمَد
أنظُرْ إلى هذه الأطلال هل شَفَعَتْ؟
وهل تَفَكّرَ في الأطلالَ منْ أَحَدِ؟