زوجيات

نصائح الطنطاوي للأزواج

تحدث الشيخ الأديب الطنطاوي عن حياته الزوجية ناصحا وقائلا:

لم أسمع زوجاً يقول إنه مستريح سعيد، وإن كان في حقيقته سعيداً مُستريحاً؛ لأن الإنسان خلق كفوراً، لا يدرك حقائق النعم إلا بعد زوالها؛ ولأنه رُكِّب من الطمع، فلا يزال كلما أوتي نعمة يطمع في أكثر منها، فلا يقنع بها ولا يعرف لذَّتها.. لذلك يشكي الأزواج أبداً نساءهم، ولا يشكر أحدهم المرأة إلا إذا ماتت وانقطع حبله منها وأمله فيها؛ هنالك يذكر حسناتها، ويعرف فضائلها..

أما أنا فإني أقول من الآن - تحدُّثاً بنعم الله وإقراراً بفضله -: إني سعيد في زواجي وإني مستريح.. وقد أعانني على هذه السعادة أمور يقدر عليها كل راغب في الزواج طالب للسعادة فيه:

أوَّلُها : أني لم أخطب إلى قوم لا أعرفهم ، ولم أتزوج من ناس لا صلة بيني وبينهم ... وإنما تزوجت من أقرباء عرفتهم وعرفوني ، واطّلعت على حياتهم في بيتهم واطلعوا على حياتي في بيتي.

والثاني : أني اخترتها من طبقة مثل طبقتنا؛ فأبوها كان مع أبي في محكمة النقض ،وهو قاض وأنا قاض ، وأسلوب معيشته قريب من أسلوب معيشتنا ،وهذا هو الركن الوثيق في صرح السعادة الزوجية.

والثالث : أني لم أبتغِ الجمال وأجعله هو الشرط اللازم... لعلمي أن الجمال ظل زائل .. لا يذهب جمال الجميلة، ولكن يذهب شعوورك به، وانتباهك إليه، لذلك نرى من الأزواج من يترك امرأته الحسناء ويلحق من لَسْنَ على حظٍّ من الجمال.

والرابع : إن صلتي بأهل المرأة لم يجاوز إلى الآن، بعد مرور ثُمُن قرن من الزمان الصلة الرسمية، الود والاحترام المتبادل، وزيارة الغِبّ (يعني يُباعد بين الزيارة والزيارة، وليس كل يوم أو يومين)، ولم أجد من أهلها ما يجد الأزواج من الأحماء من التدخل في شؤونهم، وفرض الرأي عليهم.. ولقد كنا نرضى ونسخط كما يرضى كل زوجين ويسخطان، فما تدَخَّل أحد منهم يوماً في رضانا ولا سخطنا.

ولقد نظرت إلى اليوم في أكثر من عشرين ألف قضية خلاف زوجي، وصارت لي خبرة أستطيع أن أؤكد القول معها: بأنه لو تُرك الزوجان المختلفان، ولم يدخل بينهما أحد من الأهل ولا من أولاد الحلال، لانتهت بالمصالحة ثلاثة أرباع قضايا الزواج.

والخامس : أننا لم نجعل بداية أيامنا عسلاً كما يصنع أكثر الأزواج، ثم يكون باقي العمر حنظلاً مراً؛ وسماً زُعَافاً، بل أَرَيتُها من أول يوم أسوأ ما عندي، حتى إذا قبلت مضطرة به، وصبرتْ محتسبة عليه، عُدْتُ أُريها من حُسْن خُلُقي، فصرنا كلما زادت حياتنا الزوجية يوماً زادت سعادتنا قيراطاً.

والسادس : أني تركت ما لقيصر لقيصر، فلم أدخل في شؤونها من ترتيب الدار وتربية الأولاد، وتَرَكَتْ هي لي ما هو لي من الإشراف والتوجيه.

وكثيراً ما يكون سبب الخلاف لبس المرأة عمامة الزوج وأخذها مكانه، أو لبسه هو صدار المرأة ومشاركتها الرأي في طريقة كنس الدار، وأسلوب تقطيع الباذنجان، ونمط تفصيل الثوب.

والسابع : أني لا أكتمها أمراً ولا تكتمني، ولا أكذب عليها ولا تكذبني، أخبرها بحقيقة وضعي المالي، وآخذها إلى كل مكان أذهب إليه أو أخبرها به، وتخبرني بكل مكان تذهب هي إليه، وتعوَّد أولادنا الصدق والصراحة، واستنكار الكذب ...

تُحِب أهلي ، ولا تفتأ تنقل إليَّ كل خير عنهم، إن قصَّرتُ في بِرِّ أحد منهم دفعتني ، وإن نسيتُ ذكَّرتني، حتى أني لأشتهي يوماً أن يكون بينها وبين أختي خلاف كالذي يكون في بيوت الناس أتسلى به، فلا أجد إلا الوُدَّ والحب والإخلاص من الثنتين والوفاء من الجانبين.. إنها النموذج الكامل للمرأة الشرقية ، التي لا تعرف في دنياها إلا زوجها وبيتها ،والتي يزهد بعض الشباب فيها...