برحيل الشاعر الكبير ناصر بن محمد بن صقر السياري -رحمه الله-، فقدت الساحة الشعبية، ممثلة بالشعر الجزل، والأخلاق الفاضلة، والسلوك القويم وعزة النفس، والرجولة الحقة، أحد أبرز رموزها على الإطلاق، فقد كان أنموذجاً مشرفاً للشاعر الحقيقي، وقبل ذلك المواطن المخلص المحب لمليكه ووطنه، وتوثيق ذلك في قصائده الوطنية الجزلة، منها ما هو محفوظ في صدور رواة الشعر الشعبي الراقي، بالإضافة إلى المنشور والمذاع في منابر الشعر الإعلامية على تنوعها؛ المقروء منها والمسموع والمرئي.
وهو من أسرة شعر غنية عن التعريف، فوالده الشاعر الكبير محمد بن صقر السياري -رحمه الله- وهو من وجهاء الرجال في مواقفهم ونهجهم ومحبة الناس لهم، من بني خالد من أهل ضرماء، ومن خاصة الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وقد وصفه الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- في مقدمة ديوانه بقوله (يخص الله سبحانه وتعالى بعض خلقه بصفات ومميزات، يندر أن تتكرر في كثير من مخلوقاته، ويكون هؤلاء من الأعلام الذين يحظى بهم المجتمع، ومن الابدال الذين هم مشاعل نور ومعالم فضل وهدى.. لقد كنت ممن عرف المرحوم محمد بن ناصر السياري حق المعرفة، وصحبته حتى أنزلته في قبره وسويت التراب عليه، لقد أخذ من خصال الفضائل بأطراف كثيرة، ومن علوم المجتمع وتجاربه بحظ وافر، ومن العادات والتقاليد والمثل نصيبا كبيرا، ومن الشعر الشعبي بالمثل الأعلى، ومن الحكمة والدراية والتجربة بما هو القدر السوي والحظ القوي).
وعليه فإن الشاعر ناصر السياري -رحمه الله- كان امتداداً لوالده في كل صفاته وطباعه -رحمه الله-، وقد لازم والده ملازمة لصيقة لأكثر من ثلاثين عاماً كما ذكر ذلك في «لقائه في قناة الساحة عبر برنامج رحلة في وجدان شاعر»، تشرّب من خلالها استناداً إلى مبدأ -التأثر والتأثير- كل ما يرفع الرأس عالياً ويبقيه في قلوب المنصفين الذين يشهدون له بحسن الخُلق والسيرة الحسنة -والناس شهود الله في أرضه-، بعد أن رحل من هذه الدنيا الفانية إلى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، أما شاعريته الفذة فإن أسطر التأبين المقتضبة هذه، لا تفيه حقه فيها، وسيكون لها موضوع خاص بها لاحقاً، حيث إن له نهجه الخاص، ناهيك عن أنه نشأ في مجالس تضم كبار الشعراء مثل الأمير الشاعر محمد بن أحمد السديري، والشاعر زبن بن عمير البراق، ووالده محمد بن ناصر السياري، والشيخ عبدالله بن خميس، والشاعر ناصر الفايز، والشاعر سويلم العلي السهلي وغيرهم -رحمهم الله-.
ومن قصائده الشهيرة -رحمه الله- قوله:
حنّا الدعوم اسلالة الشيخ سيّار
ابو جبر له سمعةٍ بالجزيرة
ما نستمع لأشوار عمسين الاشوار
نمشي برأي الله ونتبع مسيره
صديقنا يامن من افعال الأشرار
وعدوّنا عليه نسبق نذيره
حضراتنا يفرح بها الضيف والجار
وأيماننا بالفعل ماهي قصيره
وكان ممن يغارون على الشعر وينافحون من أجله من ذلك قوله:
إما حصل وزنٍ وصوره ومعنى
ترى قصيدك ينقدونه هل الذوق
يااللي تخالف بالهذر مجتمعنا
تسلب وتسرق وانت بالقيل مسبوق
تقول حنَّا بالقوافي بدعنا
وبضاعتك ما تربحك ليجت السوق
ومنها قوله:
وين المحرر ياقف اليوم معنا
ميزان عدلٍ فاهمٍ كل منطوق
إما على كل الحقايق طلعنا
ضاع الهدف ما بين عاتق ومعتوق
إلى أن قال:
لو الشعر هيّن جلبنا وبعنامير الشعر كايد له أحكام وحقوق
أسأل الله جلّت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته والعزاء لكل الشعراء في رحيله ولأبنائه وأسرته وأشقائه: الشاعر عبدالله السياري، والأستاذ إبراهيم السياري، والشاعر فهد السياري.