هذا عنوان كلمة نشرت في جريدة الجزيرة بتاريخ 14 رجب 1435هـ منسوبة للدكتور محمد بن أحمد الرشيد - رحمه الله - وقد أشار فيها إلى دراسة قام بها المهندس أحمد ملحم الأردني تحت عنوان (المدارس الأجنبية بين الإثراء والاستلاب) وصفها الرشيد بأنها دراسة موضوعية، وكانت غاية الدراسة الكشف عن مدى الإثراء الذي تحققه هذه المدارس والكشف عن مواطن الخلل في هذا النوع من التعليم ومعارضته للغايات الوطنية الكبرى، ويضيف الدكتور الرشيد أنه جاء في مقدمة الدراسة استشهاد بما ورد في مقال للدكتور محمد رضا الأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت يقول فيه «التعليم الأجنبي يعتبر حصان طروادة الذي يمثل أكبر اختراق لعقل الأمة لأنه يُكوِّن كوادر موالية للحضارة الغربية والخطر أن يتم تعليمهم بهذا المنهج ليسهل لهم الصعود إلى مواقع المسؤولية بحكم أن معظمهم هم أبناء المسؤولين وكبار القوم وهم يتخرجون وولاؤهم للحضارة الغربية منفصلين ومشدودين إلى أمريكا فرنسا ألمانيا وهكذا، أما الدول المستقرة فتمنع التعليم الأجنبي لأنه بدعة كاليابان مثلاً يقول أما اللغة ونقل العلوم فيمكن تعليمها والتعرف عليها عن طريق الترجمة وليس إنشاء مؤسسات متكاملة رهيبة في أهدافها التغريبية وغزوها لعقول الأمة. ويضيف الرشيد بأن هذا (أكده كثير من العلماء التربويين فهذا الأديب الكبير طه حسين يقول: «إن الشبان الذين يتخرجون من هذه المعاهد الأجنبية مهما كان حبهم لمصر وإيثارهم لها فإنهم يفكرون على نحو يخالف النحو الذي يفكر عليه الذين يتخرجون من المعاهد المصرية» ويضيف الرشيد قائلاً: إن حرص بعض أولياء الأمور على تعليم أولادهم لغة حية أخرى إلى جانب لغتهم العربية فهو حرص مشكور، أما أن يصل الأمر ببعض أولياء الأمور من أبناء هذا الوطن إلى أن يحرصوا على وضع أولادهم في مدارس لا تعلم بالعربية إلا الدين واللغة العربية فعلامة لا تبشر بخير وتنطوي على محاذير قد لا يدركون آثارها السلبية إلا بعد فوات الأوان» الخ ما ورد في المقال المذكور.
وفي السياق نفسه يقول الدكتور إبراهيم الريس أستاذ مناهج التربية «إن خطورة هذه المناهج الأجنبية التي تدرس في البلدان العربية أنها تحمل لنا وسائل وأدوات ومعاني مسمومة ومضامين ذات أبعاد ايدلوجية وسياسية تخالف تقاليدنا ومعلوماتنا وتكرس في أذهان التلاميذ ضرورة فصل الدين عن الدولة وتتجه بفكر الأجيال إلى نهج الدولة العلمانية» إلى آخر ما أورده في بحثه.
وفي السياق نفسه يورد الباحثون في أدبيات التربية والتعليم مقالاً للدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان الخبير في التعليم والمناهج عن المدارس الأجنبية جاء فيه «المدارس الأجنبية تلك السيوف الخفية التي انبهر بها بعض الآباء وظنوا أن لها تفوقاً بل ونادى البعض بالتوسع فيها والترخيص لها بأن تفتح أبوابها لكل راغب وتلك نظرة قاصرة ورؤية المغلوب للغالب والضعيف للقوي ووصف المدارس الأجنبية بأنها تفرق ولا تجمع وتشتت ولا توحد، وقال: إن مناهج المدارس الأجنبية ذات ارتباط بأصولها فهي تطرح ثقافات المجتمعات التي تمثلها، والتعليم في تلك المدارس وإن كان الجانب المادي أقوى وأثرى إلا أن الجانب الروحي أفقر وأجدب، والتعليم فيها يتجاهل الدين الإسلامي ويتجاهل اللغة العربية فضلاً عن التاريخ الإسلامي ويضيف بأن هذه المدارس تخرج أجيالاً متنافرة فاقدي الهوية متعددي الاتجاهات مختلفي التوجهات منهم من انتماؤه للثقافة الأمريكية وآخر للفرنسية وثالث للألمانية.. إلخ ما أشار إليه من أن منتج المدارس الأجنبية يكون منه الهدم والبلاء والتنافر والتناحر والازدراء والسخرية بين كل فريق وآخر ويتشتت الاجتماع وتنفر القلوب وتتمزق الوحدة التي أرسيت قواعدها.. إلخ ما ورد في المقال انظر جريدة الجزيرة بتاريخ 15/ 11/ 1420هـ.
وعن المدارس الأجنبية يقول عامر الهوشان «مدارس المسلمين عبر التاريخ لا تفتح لأهداف دنيئة كما يفعل الأجنبي اليوم» ويضيف قائلاً «بعد أن شعر المستعمر أن الشعوب الإسلامية والعربية بدأت تنفر من أساليب الاستعمار المباشرة الماكرة سلك سبيلا مدمرة خفية وألبس التعليم الأجنبي ثوب العالمية والتقدم، وانخدع من انخدع تحت تأثير الانبهار وولع المغلوب بما يفعله الغالب» إلى أن قال: «أفرغ الأجنبي من كنانته سهماً موجهاً للتعليم بخاصة فشرع في فتح المدارس الأجنبية بكثرة في الأمة الإسلامية والعربية وركز على التعليم العلماني بعد أن جرب مدارس الإرساليات لغرض التبشير - فلم ينجح - وقد أدت المدارس الأجنبية على مر التاريخ أدواراً مهمة في خدمة الاستعمار وتثبيته» إلخ ما ذكره الباحث. يقول الدكتور محمد سلامة أستاذ التاريخ «إن المدارس الأجنبية في البلاد العربية والإسلامية تدعو إلى دين غير دين الإسلام، وتهدر الاستقلال وتدعو للفساد وتجعل البلد الواحد شيعاً وأحزاباً كل طائفة تصطبغ بصبغة خاصة، وهنا تتضارب الميول وتتنازع الآمال ويكون أبناء البلد بعضهم لبعض أعداء وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى» إلخ ما أشار إليه الباحث.
ويقول الدكتور يونس الحملاوي إن التعليم للأطفال باللغات الأجنبية يؤدي إلى حدوث التشويش اللغوي وخطورته تتمثل في الازدواجية اللغوية لدى الطفل، وقد أكدت الدراسات اللغوية وجوب أن يتعلم الطفل بلغته فقط إلى أن يتقنها اتقانا تاماً ثم بعد ذلك يتعلم اللغات الأجنبية لئلا يقع في مشكلة الازدواج اللغوي.
ويقول الباحثون: إن المدارس الأجنبية سلاح فتاك ويستدلون بواقع حال الأمة الإسلامية والعربية المؤلم في تصدعه وتشرذمه وتفرقه ويستشهدون بقول «روبرت ساتلون» مدير قسم السياسة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط «المدارس الأمريكية في البلاد العربية والإسلامية ليست مجرد صروح تعليمية رفيعة المستوى بل هي سلاحنا السري في معركة أمريكا الايديولوجية».
إذا كان الحال كما وصف في منظور خبراء التعليم والمناهج والمفكرين فماذا قال العلماء عن المدارس الأجنبية؟
من يتتبع أدبيات التعليم الأجنبي في البلاد العربية والإسلامية يجد أن العلماء قالوا كلمتهم في المدارس الأجنبية تارة من خلال مؤسسات علمية جماعية معتمدة وتارة من خلال منظور فردي لعلماء أجلاء والكل لا يقول رأيه من فراغ.
لقد جاء في صحيفة الإسلام أنه في يوم الاثنين 3 ربيع الأول 1352هـ اجتمعت هيئة كبار العلماء بالجامع الأزهر تحت رعاية فضيلة شيخ الأزهر وتدارسوا ما استفاضت به الأخبار من قيام المبشرين بتنصير أبناء المسلمين وفتياتهم في مختلف الجهات بما يتخذونه من وسائل الحيل والخديعة والإغراء تارة وضروب العنف والإرهاب تارة أخرى، وقد أصدروا بياناً موجهاً إلى الأمة الإسلامية جاء فيه: «أيها المسلمون لقد استفاضت الأخبار بما يعمله هؤلاء الذين يسمون أنفسهم «المبشرين» وعمت البلاد من أولها إلى آخرها ووصل إلى علمكم أنهم يتخذون الوسائل الفظيعة إلى تنصير أطفال المسلمين وضعفاء العقول منهم وبين النداء واقع الحال في مجالات متعددة.
وفيما يختص بالمدارس جاء في البيان ما نصه: «وأما في المدارس فإنهم يُعلِّمون أولاد المسلمين أموراً هي ضد الدين الإسلامي وضد محمد صلى الله عليه وسلم وضد القرآن الكريم يبثون ذلك في الدروس كالسم في الدسم ويصورون للأطفال محمداً صلى الله عليه وسلم تصويراً مخيفاً مزعجاً ويفترون على الدين والقرآن المجيد ما شاؤوا أن يفتروا، ويرغمون هؤلاء الأطفال على تأدية صلواتهم معتمدين في ذلك كله على أن الأطفال ضعفاء الإدراك يسهل تشكيكهم وتحويلهم عن دينهم» إلى أن قالوا: «أيها المسلمون إن مما فرضه الله على العلماء أن يذكروكم بما يوجبه الإسلام عليكم نحو هذه الأعمال الضارة بدينكم وأولادكم وإخوانكم وأمتكم» إلخ ما أورده البيان.
وفي السياق ذاته أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة بياناً بخصوص فتح المدارس الأجنبية جاء فيه: «فتح المدارس والكليات الأجنبية في بلاد المسلمين وسيلة من وسائل الغزو المنظم ضد المسلمين من قبل أعدائهم وبناء على ما تقدم فإنه لا يجوز للمسلمين فتح المدارس والكليات الأجنبية لأنها من وسائل الهدم والتدمير للعقيدة الإسلامية والأخلاق السوية».
ويقول الشيخ حسن مشاط المدرس في المسجد الحرام رحمه الله «إن في الحفاظ على الدين والأخلاق الخير والسعادة» إلى أن قال «أيها الأولياء استيقظوا من نوم الغفلة إن من يدخل أولاده في مدارس المبشرين فهو آثم في حق الله وحق نبيه وأمته وأولاده وعاص لله أشد العصيان».
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله «يجب الحذر ويجب التحذير من دخول المدارس الأجنبية فقد علم عداؤها لدين الإسلام، ومنها ما هو معاد لجميع الأديان ولم تؤسس إلا لصد الناس عن دينهم وعن توحيد الله» إلى آخر ما ذكره في بيانه عن المدارس الأجنبية» ويقول الشيخ محمد خضر حسين شيخ الأزهر في وقته «لقد ساعد في تفشي زيغ العقيدة وسائل ثلاث إحداها المدارس الأجنبية التي يفتحها الأجانب في أوطاننا باسم العلم ويغفل المسلمون عن سريرتها فتأخذهم بمظاهرها حتى يسلموا أطفالهم وهم على الفطرة إلى من يصبغ هذه الفطرة بسواد وينزع روح الأدب الذي يجعلهم أولياء لعشيرتهم نصحاء لأمتهم» إلى آخر ما أورده الشيخ في هذا الخصوص انظر ص157 من كتاب الإصلاح للشيخ خضر حسين رحمه الله.
وإذا افترض أن واقع المدارس الأجنبية في الوطن العربي والإسلامي كما وصف وأنها على ضوء ما ذكر سلبية للغاية بالنسبة للإسلام عقيدة وشريعة وسلبية أيضاً بشدة بالنسبة للغة العربية وسلبية إزاء التاريخ الإسلامي وسلبية إزاء الأخلاق والآداب الإسلامية والتراث والعادات والشيم الحميدة والنبيلة وسلبية حيال اجتماع الكلمة ووحدة الصف وأنها طيلة عقود من الزمن كانت مفتوحة في أقطار عربية حينما كانت تلك الأقطار تحت الإدارة الأجنبية واستمرت بعد الاستقلال، وكانت كذلك في أقطار إسلامية أخرى ولم تقدم تقنية متقدمة ولا صناعة قائمة على الاقتصاد المعرفي، وأن وجودها لم يخدم مصلحة جوهرية نافعة في ديار العرب والمسلمين، وكانت ولا تزال العلوم الإنسانية التي تزخر بها مناهجها مشدودة إلى المجتمعات التي هي منسوبة إليها وبتركيز على لغة تلك المجتمعات فوق العادة. وقد اتضح للباحثين أن منتجها في الوطن العربي والإسلامي تتنامى لديهم الفرقة والتحزب وينعدم الولاء للأمة والوطن، وأن الهدم أقرب إليهم من البناء وأن الانتماء لديهم تتقاسمه الأمم وشعوب خارج الحدود وهي المجتمعات التي درس الطلاب مناهجهم وعلومهم في المدارس الأجنبية فمنهم المعجب بالثقافة الأمريكية ومنهم المعجب بالثقافة الفرنسية ومنهم المعجب بالثقافة الألمانية، وهكذا ولقد انتقد الباحثون حرص بعض الآباء الذين وضعوا أولادهم في مدارس أجنبية بأسماء مختلفة عالمية ودبلوما وغيرها وهي لا تدرس باللغة العربية إلا مادة الدين ومادة اللغة العربية وقالوا: إن هذا المسلك لا يبشر بخير وينطوي على محاذير وقد لا يدركون آثارها السلبية إلا بعد فوات الأوان. وبما أن التعليم والتربية في صميم حاضر الأمة العربية ومستقبلها فمن الحكمة وبُعد النظر أن يدرس واقع المدارس الأجنبية بعمق وشفافية وبرؤية واضحة تقي الأمة هاوية الأخطاء الكبرى وسوء المنقلب.