سقوط صنعاء ليس مفاجأة.. هذا ما يجب أن ندركه بدايةً.. كل المؤشرات قادت إلى ذلك، وكل العوامل أيضاً.. ابتداءً من اعتراف الرئيس هادي منصور بتدخل إيراني مُثبت في الشأن اليمني، وقبوله في نفس الوقت التفاوض مع جماعة ما يسمى أنصار الله التي تحظى بالدعم الإيراني، وتمثله في اليمن، وكأنه اعتراف وانصياع من الرئيس لهذا التدخل الإيراني في ظل ضعف وخوار مؤسسات الدولة والجيش، وكذلك الوجود التخريبي للرئيس السابق علي عبدالله صالح على الساحة، وقبل كل ذلك وابتداءً من النهاية: البنود الضعيفة لاتفاق «السلم والشراكة الوطنية» التي توصلت إليه الأمم المتحدة ومبعوثها جمال بن عمر بين الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله الحوثية..
بداية، يجب أن ندرك أن اليمن طبيعةً هي بلاد واسعة، ويحكمها الجانب القبلي الذي لن يمكن أي فئة جديدة على الساحة أو أقلية دينية من أن تحكم بفاعلية في حال وصلت إلى الحكم.. أو لن يسمح بوصولهم للحكم إن كان ذلك ديمقراطياً أو حتى بقوة السلاح.. فجماعة أنصار الله «الحوثي» جماعة مسلحة، تمثل أقلية شيعية في البلاد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون البديل في حال سقطت الحكومة الحالية؛ لأن المجتمع اليمني لن يقبل بذلك بكل وضوح للجوانب الدينية الطائفية أولاً، ثم الاختلاف السياسي والطبيعة العسكرية والسياسية لجماعة أنصار الله.. يجب أن يعي الحوثيون ذلك حتى وإن سيطروا على العاصمة ومباني مؤسسات الحكومة.
داعش والنصرة منظمتان إرهابيتان في سوريا والعراق، تهددان الإنسانية أولاً ثم حدود دول الإقليم.. لذلك أقر مجلس الأمن بدخولهم تحت الفصل السابع الذي يقضي بجواز ضربهم عسكرياً في الدول التي يوجدون فيها.. الآن الحوثي بطريقة أخرى يهدد بإسقاط النظام الحاكم، ويحتل العاصمة، ويخرق اتفاق الأمم المتحدة.. كل تطور مسلح يستهدف الإنسانية والنظام ودول الجوار يعني اندراجهم تحت الفصل السابع لمجلس الأمن الذي يجيز ضربهم، مثل داعش والنصرة، وهذا ربما «يحسر» مسار تحركاتهم وتصعيدهم.
الموقف غير الواضح للرئيس هادي منصور يفسر حالة الارتباك في دائرة الرئاسة اليمنية.. بل إن الرئيس يدرك فعلاً كمية المواجهة والمعارضة ضده، سواء من الحوثيين وعلي عبدالله صالح أو أتباع علي محسن الأحمر وبعض القبائل الأخرى والحراك الشعبي الذي يرى أنه فشل في الإصلاح والتنمية بعد المبادرة الخليجية التي أوصلته للحكم. علاوة على حجم الاختراق في الجيش اليمني من بعض القادة الذين يتبعون علي محسن الأحمر زعيم حزب «التجمع اليمني للإصلاح» الذراع السياسية لجماعة الإخوان في اليمن، أو بعض القيادات في وزارة الداخلية والجيش اليمني الذين يدينون بالولاء للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ويسيرون في محيط يخططه لهم، وهي نفسها القيادات التي تخاذلت في المواجهة العسكرية ضد الحوثي عندما سيطر على العاصمة في نفس الليلة التي وقع فيها اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» بين الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله. ومن هنا يظهر لنا استنتاج عميق بأن الرئيس السابق لم يكن يسعى من الأساس للعودة للحكم بقدر ما يسعى إلى إفشال المبادرة الخليجية ومسيرة حكومة هادي منصور.. مع كامل علمه بعدم قدرته على العودة للحكم بالاعتماد على الحوثيين الذين لن يقبلوا ذلك أولاً، إضافة إلى عدم تقبل الحراك الشعبي لهذه الفرضية أبداً.. سقوط صنعاء بيد الحوثيين لا يعني سقوط كامل اليمن.. إذا اعتبرنا أنها تنظيم إرهابي، يمثل أقلية طائفية في البلاد، تسيطر بقوة السلاح على العاصمة وأجهزة الدولة، لكن لا يمكن الاعتراف بها دولياً ولا التعامل معها سياسياً ما لم يكن هناك حكومة حقيقية في البلاد.. وبالتالي فإنها تخرب وتخرب فقط.. لكنها لن تسيطر على اليمن؛ لأننا هنا نعود مجدداً لنقطة جوهرية: الحوثيون جماعة تمثل أقلية شيعية في بلد سني، يغلب عليه الطابع القبلي المتشدد دينياً واجتماعياً وكذلك سياسياً؛ وبالتالي يمكن اعتبار الحوثي أداة أو وسيلة لأهداف معينة لصالح إيران.
ربما هناك من يرغب بإسقاط اليمن بقوة السلاح ووصول الحوثي للحكم والسيطرة عن طريقه على البلاد ونشر الفرقة والنزاع الطائفي فيها وتقسيمها لأقاليم يكون للحوثي الجزء الشمالي، إضافة لحقائب سيادية في الحكومة اليمنية، أو ربما هناك من يريد إسقاط الحكومة بالحوثي، وعند تدخل المجتمع الدولي والهيئات الدولية يأخذ جديته في التحرك لرسم خطة وجوده على الصعيد السياسي، وربما هناك من يستخدم الحوثي لإفشال المبادرة الخليجية ليس إلا، وإظهار أن عملية الإصلاح التي قادها الرئيس هادي منصور لم تكن متكاملة، وأن القوات المسلحة كانت ضعيفة في حماية مؤسسات الدولة ومواجهة الحوثي.
ويبقى الغموض المحير للمستقبل عند الكثير.. هل يمكن أن يكون للحوثي وجود سياسي «سيادي» مستقبلاً في ظل استمرار حمله للسلاح؟