يوماً بعد يوم تضيق الحلقة على رقبة تنظيم «داعش» الإرهابي، وبات موضوع القضاء عليه مسألة وقت ليس أكثر، وأصبح التنظيم الذي عاث في الأرض فسادا طيلة الأشهر الماضية، قاب قوسين أو أدنى من نهايته الحتمية، فتلك الجماعة الإرهابيَّة عمرها قصير، وجهدها ضعيف مهما امتلكت من سلاح أو تلقت من تمويلات، هكذا تخبرنا دروس التاريخ، وهكذا تؤكد المؤشرات والدلائل على الأرض، فالتاريخ الإسلامي شهد حركات عنف وإرهاب كثيرة، بعضها وصل للحكم في بعض الولايات الإسلاميَّة، لكن سرعان ما زالت، ونفر منها المسلمون، وتفرَّق جمع هذه التنظيمات وتوارت في غياهب النسيان، ولم يتبق منها سوى تاريخ أسود وصمت به، وصارت مثلاً في التطرف والإرهاب... وهكذا سيكون مصير داعش، وقد بدأ العد التنازلي لنهاية تلك الجماعة المارقة، ولعل يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2014، كان يوماً فارقا، حيث بدأت العمليات العسكرية الأولى ضد التنظيم، حين قامت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبدعم من السعوديَّة والإمارات والبحرين وقطر والأردن بأول هجمات جويَّة في سورية والعراق، واستمر القصف للأيام التالية، وقامت المقاتلات السعوديَّة والإماراتية بتنفيذ 80 في المائة من القصف، وفي قادم الأيام سوف ينتفض العالم كلّّه وفي القلب منه الدول الإسلاميَّة المدافعة عن سماحة الإسلام، للقضاء على تلك الجماعات المعادية للإسلام وللإنسانيَّة جمعاء.
بيد أن «داعش» ليست سيفا وقنبلة ومدفعا، وصوراً هنا وهناك عن قطع الرقاب، والإفساد في الأرض وقتل النفوس التي حرم الله إلا بالحق، ولكن «داعش» أفكار مغلوطة، تَمَّ انتزاعها من سياقها الديني والتاريخي، ونشرها بين الشباب المغرر به، وتَمَّ تصوير هذه الأفكار على أنَّها من الدين، والدين منها براء، وهو الأمر الذي يحتم على علماء المسلمين في المملكة العربيَّة السعوديَّة وعلماء الأزهر في مصر، وكل علماء الإسلام المعروفين بمنهجهم الوسطى المعتدل القائم على القرآن وصحيح السنَّة النّبوية، أن يخوضوا حربا، لا هوادة فيها لمحاربة تلك الأفكار الدخيلة على الدين، وإعادة المغرر بهم إلى جادة الصواب، فالقضاء على الإرهاب، لن يكون بالسلاح وحده، ولكن بالسلاح والعلم، والفكر الصحيح، وتجفيف منابع الإرهاب، ماديّاً وفكريا، وسياسيا، فالحرب على الإرهاب مُتعدِّدة الأركان، ويجب المضي في كلِّ الطرق على حد سواء، حتَّى يأتي يوم أظنه قريباً - بإذن الله - يفرح المؤمنون يومئذ بنصر الله على تلك الجماعات المارقة.
التأكيد على أن «داعش» ستنهار لا محالة، ليس ضربا من الخيال ولا رجما بالغيب، ولكن نتيجة مبنية على وقائع تاريخية، ودلائل سياسيَّة واستراتيجية، ومن هنا علينا أن نعرج، أولاً على كيفية ظهور «داعش» وتناميها بهذا الشكل السرطاني المتسارع، فتنظيم الدَّوْلة الإسلاميَّة في العراق والشام والمعروفة اختصاراً بـ «داعش» ظهر في توقيت حرج، وكانت الأرض خصبة دوليّاً وإقليميّاً لنموه، فداعش، انبثقت من تنظيم القاعدة (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) والمعروفة أكثر باسم تنظيم القاعدة في العراق وهي التي شكلها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004م، الذي كان قد شارك في قوات المقاومة ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون في أعقاب غزو العراق عام 2003 خلال 2003 - 2011 حرب العراق وذلك جنباً إلى جنب مع غيرها من الجماعات المسلحة قد تشكّل مجلس شورى المجاهدين التي مهدت أكثر لدولة «العراق الإسلاميَّة»، وقيل إنها تتمتع بحضور قوي في المحافظات العراقية من الأنبار، ونينوى، وفي محافظة كركوك، وأكثر وجودا في صلاح الدين، وأجزاء من بابل، ديالى وبغداد، وبعقوبة، وكان سببا رئيسا في تمددها، هو وجود اتجاهات طائفية لحكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مما دفع «داعش» لاستغلال ذلك وتحريض شباب القبائل السنية، لمواجهة التمييز الاقتصادي والسياسي ضد السنة العراقيين العرب، وهو ما جعلها تنتشر مثل النار في الهشيم ودفع الجيش العراقي إلى الهرولة أمام التنظيم الإرهابي وترك آلياته العسكرية في سابقة خطيرة، مما أغرى تلك الجماعة، بتوسعة هدفها ليشمل إلى جانب المناطق السنية في العراق السيطرة على المناطق ذات الأغلبية السنية في سورية، وبعد أن فرضت نفوذها أعلن تنظيم «داعش « قيام الخلافة المزعومة يوم 29 يونيو عام 2014، وأصبح أبو بكر البغدادي، يلقب بالخليفة، واستهل الخليفة المزعوم عهده بالتوسع في العمليات الإرهابيَّة النوعية مثل (عملية البنك المركزي، ووزارة العدل، واقتحام سجني أبو غريب والحوت).
ما حدث في العراق وسورية، يعيدنا لأحداث مماثلة في التاريخ، تكاد تكون متطابقة في بعض جوانبها، فداعش القرن الحادي والعشرين، لا تختلف عن «الخوارج» الذين ظهروا في القرن الأول الهجري، فهي فرقة كانت تتَّصف حسب المؤرخين بأنها أشد الفرق دفاعاً عن مذهبها وتعصبا لآرائها، وكانوا منساقين في غيهم، لا يسمعون نصيحة ولا يرون في قول صدقا، إلا قول قادتهم، حتَّى أن الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، كان قد وضع منهجاً قويما في التعامل مع هذه الطائفة، تمثِّل هذا المنهج في قوله للخوارج: «.. إلا أن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتَّى تقاتلونا «رواه البيهقي وابن أبي شيبة، وهذه المعاملة في حال التزموا جماعة المسلمين ولم تمتد أيديهم إليها بالبغي والعدوان، أما إذا امتدت أيديهم إلى حرمات المسلمين فيجب دفعهم وكف أذاهم عن المسلمين، وهذا ما فعله أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - حين قتل الخوارج عبد الله بن خباب بن الأرت وبقروا بطن جاريته، فطالبهم - رضي الله عنه - بقتلة خباب فأبوا، وقالوا كلنا قتلة وكلنا مستحل لدمائكم ودمائهم، فسل عليهم - رضي الله عنه - سيف الحق حتَّى أبادهم في وقعة النهروان، وعلى الرغم من شراسة وقوة الخوارج إلا أن منهجهم المتطرف جعلهم ينقسمون إلى فرق وجماعات صغيرة ودخلوا حروبا ضد كافة المسلمين، لكنهم في النهاية انتهوا وغربت شمسهم، وإن كانت أفكارهم المتطرفة تحاول في بعض الأحيان العودة للحياة مرة أخرى، لكن بأثواب مغايرة.
هكذا أيضاً كانت طائفة الحشاشين، وهي طائفة إسماعيلية نزارية، انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس هجري لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجري الموافق 11 و13 ميلادي، وكانت معاقلهم الأساسيَّة في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران، وقد تأسست تلك الفرقة على يد الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة الموت في فارس مركزاً لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته، واتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام.
ممّا أكسبها عداءً شديداً مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين إضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب، فقد كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها «انتحاريون» لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم، حيث كان هؤلاء الانتحاريون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد، لكن لأن الفكر الإرهابي القائم على الدم والبعد عن صحيح الدين ليس له استمرار مهما طالت قوته، فقد تهاوت حركة «حشاشين «على يد الظاهر بيبرس سنة 1273، والتاريخ زاخر بالعظات والعبر لما حدث لمثل هذه الحركات الدموية، وكاشف لكذب ادعاءاتها كما حدث من ثورة الزنج وحركة المختار الثقفي وغيرها من الحركات التي شطت عن وحدة المسلمين وادعت لنفسها ولأفكارها الحق المطلق، فكان مصيرها الهلاك والزوال.... وهكذا سيكون مصير «داعش».
نعود من التاريخ القديم للتاريخ الحديث، فالجماعة الإسلاميَّة بمصر التي اشتهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم في مصر، وبدأت تاريخها الدموي باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، ثمَّ أحداث أسيوط الدامية، ظلَّت تلك الجماعة تناصب الدَّوْلة المصريَّة العداء، وترفع السلاح في وجوه المصريين، وتقتل وتعيث في الأرض فسادا، لكن لأن المصير المحتوم لمثل هذه الجماعات، هو الاندثار، فقد اندثرت الجماعة الإسلاميَّة، بفضل قوة القبضة الأمنيَّة، ثمَّ تراجع قيادات هذه الجماعة عن أفكارها الإرهابيَّة وإصدار كتب مراجعات فقهية وفكرية، أدانت فيها تاريخها الماضي وتبرأت منه، صحيح أن بعض قادة الجماعة عادوا للعنف بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، لكن الجماعة نفسها أضحت مُجرَّد لافتة، بلا جمهور أو اتباع.
فيما يَرَى الدكتور ناجح إبراهيم منظر الجماعة الإسلاميَّة ومؤلف كتب المراجعات، أن داعش مثل كل الحركات الدموية إلى زوال، ويشير إلى أن المتأمّل في سياسة «داعش» يجدها تتفنن في صنع الأعداء وحشد الخصوم وتطفيش الأصدقاء.. ففي كلِّ يوم تصنع عدواً دون مبرر.. وفي كلِّ أسبوع تحوَّل حليفاً إلى عدو.. فهي تكفّر كل الشيعة وتستحل دماءهم جميعاً دون استثناء، وهي تريد مواجهة شيعة العراق وتريد حرب إيران وتود لو أنها أزالت حزب الله من الوجود، وهي تحارب في الوقت نفسه نظام بشار، ناهيك عن كل الميليشيات الأخرى.. وكل هذه قوى لا يُستهان بها، وهي في الوقت نفسه تريد غزو كردستان العراق وتسعى لتوسيع نفوذها فيها مع علمها بدعم أمريكا وإسرائيل لها.. وهي كذلك تتوعّد مصر حكومةً وشعباً بالويل والثبور وعظائم الأمور، ناسية أن مصر هي أقوى دولة مستقرة الآن في المنطقة.. وهي كذلك في حالة تلاسن وصراع أيديولوجي مع «القاعدة» الأم التي يقودها د. أيمن الظواهري.. إذ إنها تزايد عليه وتبالغ أكثر منه في التكفير، حتَّى بلغت حد «السوبر تكفير».. إذ إنها تكفّر كل من تكفرهم «القاعدة» وتزيد عليها بأنها تكفّر كل الأحزاب ذات المرجعية الإسلاميَّة، مثل حزب النهضة في تونس، والحرية والعدالة والنور والبناء والتنمية في مصر.. إذ إنها تكفر كل من يَرَى الديمقراطية والحزبية سبيلاً للعمل السياسي.. وهي تطلب من زعيم «القاعدة» «الظواهري»، أن يتوب عن دعمه للإخوان وقد ذبحت من قبل رسولاً من جبهة النصرة جاء للصلح بينهما.. أي أن علاقتهما حتَّى بفروع «القاعدة» في المنطقة علاقة سيئة مع أنهَّم حلفاء في الأصل.. ولكن «داعش» حاصلة على الأستاذية دون منافس في صنع الأعداء وتطفيش الحلفاء.
ويضيف إبراهيم أن الغريب أن «داعش» لم تكتفِ بذلك الحمق كلّّه، فإذا بها ترسل رسالة إلى «أردوغان» بعد فوزه برئاسة تركيا: «أيها العلماني سنحتل بلادك ونخرجك منها».. ناسية أن «تركيا أردوغان» هي البوابة الرئيسة التي تدفق من خلالها عشرات الآلاف من الشباب الذين تكوَّنت منهم «داعش» و»جبهة النصرة» وأن تركيا لو أغلقت حدودها خلال السنوات الماضية ما كانت هناك لا «داعش» ولا «جبهة النصرة».. ولكن «داعش» لا تعرف صديقاً ولا حبيباً ولا حليفاً.. فالكل لديها كفار يستحقُّون الموت والقتل، والمصيبة أنها تُهدِّد بأشياء أكبر من قدراتها بكثير، ثم تنتقل «داعش» إلى عداوة أكبر، فإذا بها تذبح صحفيين أمريكيين وتفخر بذلك أيما فخر، وتصور وقائع الذبح وتبثها في العالم كلّّه ويقول إبراهيم: أتعجب لنزق «داعش» وإسراعها في إغاظة أمريكا وجرها للحرب معها، وكأنها لم تقرأ شيئاً من التاريخ الحديث.. فنسيت دروس «هيروشيما ونجازاكي» وكذلك كيف ردت على أحداث 11 سبتمبر باحتلال أفغانستان وقتل وجرح قرابة ثلث مليون أفغاني تركتهم «القاعدة» يواجهون مصيرهم، وفرت هي وقادتها إلى باكستان، حتَّى اكتشفت أماكنهم المخابرات الباكستانية والطائرات الأمريكية.. المهم أن الشعب الأفغاني المسكين هو الذي دفع ثمن حماقة «القاعدة» في «11 سبتمبر» وأعتقد أن العراقيين البسطاء في مناطق السنة التي تقيم بها «داعش» هم الذين سيدفعون ثمن حماقاتها بعد أن يهرب معظم زعمائها هنا وهناك، وتستكمل «داعش» - حسب إبراهيم - مسيرتها فتُخير مسيحيي الموصل التي تسيطر عليها بين الإسلام أو الجِزْية أو القتل، فيهرب معظم المسيحيين الكاثوليك في الوديان والجبال وتحتل «داعش» ديرهم الأساسي فتتلقاهم فرنسا الكاثوليكية وهي تتمزق غيظاً من «داعش» وتتوعدها، حتَّى إذا جاء هتاف أمريكا بالتحالف ضدها فإذا هي في مقدمته وتستكمل «داعش» هوايتها فتُهدِّد «بوتين» بالقتل.. ثمَّ تُهدِّد داعشية بريطانية «كاميرون» رئيس وزراء بريطانيا بالذبح.. وهكذا تتوالى رسائل «داعش» النارية إلى كل مكان.
ويتساءل إبراهيم هل هناك دولة أو جماعة لديها ذرة من عقل في العالم تفعل ذلك؟ وأي خليفة ذلك الذي لا تستطيع دولته صنع جنزير دبابة أو كاوتش طائرة مقاتلة أو إصلاح رادار تعطل، يُهدِّد ويتوعد العالم كلّّه بأسلوب كلّّه كبر وصلف وإسفاف وابتذال، وأكَّد ناجح إبراهيم أن «داعش» تفكر بنفس طريقة الأب الروحي لها «القاعدة» التي حاربت أمريكا في 11 سبتمبر وبريطانيا في تفجيرات مترو لندن وإسبانيا في تفجيرات مترو مدريد ومصر في تفجير السفارة المصريَّة في باكستان والسعوديَّة بعشرات التفجيرات والأردن بتفجيرات عمان وروسيا في الشيشان وداغستان والمغرب بتفجيرات الرياض والدار البيضاء واستراليا وإندونيسيا بتفجيرات بالى وفرنسا بتفجير المدمرة «كول».. أي أنها حاربت الدنيا كلّّها.. وهي أعجز وأضعف وأقل شأنا من حرب هؤلاء جميعاً.. ولذلك لم تنجح «القاعدة» في إقامة دولة.. ولن تنجح «داعش»، ولا أي تنظيم تكفيري في بناء دولة، لكنه قادر فقط على هدم الدول.
أما من الناحية الفكرية، فداعش ربَّما تستغل حماس بعض الشباب لفترة وجيزة، لكنها لا تَضمَّن بقاءهم رهن أفكارها، فالجماعة الإرهابيَّة لا نصيب لقيادتها وزعمائها من العلم الديني، حيث يَرَى الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصريَّة سابقا، أن ما لا يعرفه الكثيرون ومِن ضمنهم خوارج العصر والسلفية والمتطرفون في القاعدة وداعش وغيرهم ممن هم على شاكلتهم وإن اختلفت أسماؤهم، أن العالِم الحقيقي تتكون في عقليته - مِن خلال وقتٍ طويلٍ وجهدٍ عظيمٍ في المدارسة والقراءة في إطار منهجٍ صارمٍ وجوٍّ علمي متناغمٍ - مجموعةٌ مِن القواعد المنهجية، التي تهدف في مجملها إلى تحقيق غايات محددة تتمثل فى: تفسير النصوص تفسيراً صحيحاً، إدراك الواقع إدراكا صحيحاً، معرفة المآلات معرفةً دقيقة، تحصيل المقاصد الشرعية تحصيلا تامّاً، تحقيق المصالح المرعية تحقيقاً سليماً، الالتزام بالثوابت، المحافظة على الإيمان بالغيب، وتكون هذه القواعد أساساً للدين يُفَسِّر العالِمُ، النصوصَ مِن خلاله، وإنَّ أي فهمٍ يخرج عن هذا الأساس أو يَكِرُّ عليه بالبطلان أو يتناقض معه فهو فهمٌ مرفوضٌ، يُحتم على الباحث أن يعيد بحثه حتَّى لا يكون ممن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه أو ممن اتخذ إلهه هواه، ويضيف جمعة: بناء على ما سبق يَفهم العالمُ الحقيقي أنَّه عندما أمرنا بالقتال، أمرنا أن ندافع عن أنفسنا، وشرط ذلك أن يكون في سبيل الله، وأن يكون القتالُ تجاه مَن يقاتلوننا، ثمَّ مِن غير عدوان، وهو ما يسمى بجهاد الدَّفْع؛ قال تعالى: {وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ان اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، فهذا مثالٌ حي لتطبيق هذا الأساس الذي سنفهم مِن خلاله ما صح من النصوص وليس العكس، وأما الدواعش والخوارج والقاعدة فيفهمون أن النصوص هي الأساس والأصل، فَصَيَّرُوا الأصلَ فرعاً والفرعَ أصلا، وهذا خللٌ سبَّبَ كل هذه الفتنة، هذا هو الفرق بين عقليةٍ علميَّة تأسست على أساس علمي رصينٍ وبيَّن العقلية المتطرفة التي ظهرت كالنبات الشيطاني على حين غفلةٍ لتعتدي وتسفكَ الدماءَ وتجاهدَ تحت رايةٍ عَمِيَّةٍ عمياء، فإنَّها إنما تتبنى رأى أعداء الإسلام في الإسلام، وتمثل تمثيليةً سخيفةً تُظهِرُ بها المسلمينَ بما لا يأمرهم به دينهم.
أما عسكريا، فداعش مهزومة لا محالة، فالتنظيم الإرهابي لن يصمد طويلاً أمام الطائرات الأمريكية والسعوديَّة والإماراتية ومن ورائهم بقية دول التحالف، وسوف يهرب قادة هذا التنظيم إلى الجبال أو إلى خارج العراق وسورية، وسوف تضيق عليهم الدائرة، وتلاحقهم أجهزة المخابرات في العالم، ولن تقوم لهم قائمة مرة أخرى، حيث يَرَى اللواء محمود خلف، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، أن تعاون أجهزة المخابرات المختلفة ضد الإرهاب هو حجر الزاوية في أي حرب، وليس الحرب الميدانية هي الحرب الحقيقية، وإن كانت أهم الأجزاء في الحرب. وشدد خلف، على أن هناك حرباً أخرى ضد التنظيمات المسلحة بتتبع رأس المال الذي يمدها بالسلاح والأموال ووسائل المعيشة، إضافة إلى أن الجنسيات المشاركة في تنظيم داعش يجب تعقب أسرها، ومعرفة أسباب انحرافها عن الفكر السليم، مطالباً بضرورة التكاتف لمتابعة كل التنظيمات الإرهابيَّة في المنطقة ومحاربتها والقضاء عليها، وعدّ أن ذلك سوف يحدث وبسرعة ربَّما لا يتوقعها البعض.
في النهاية نكرر أن «داعش ليست سيفا وقنبلة ومدفعا»، داعش فكرة متطرفة انتزعها البعض من سياقها وقذف بها المسلمين، في عقر ديارهم، مما يحتم علينا مواجهة هذه الجماعات بكلِّ السبل وعلى كل الأصعدة، حتى نضمن أن النهاية الحتمية، نهاية أبدية لمثل هذه التنظيمات.