ليس هناك أي تناقض بين ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي وتقديرات وزارة الاقتصاد والتخطيط حول نسبة تملك المساكن في المملكة. فإن كنت تشترط أن يكون المسكن لائقاً حتى يحتسب ضمن نسبة ملكية المنازل فإن نسبة تملك المساكن لا تتعدى 36 %، وإن كنت تعتبر من يملك بيتاً شعبياً متهالكاً أو بيتاً من الصفيح مواطناً يملك منزلاً فسترتفع نسبة تملك المساكن إلى 60 %.
وبالتالي ليس هناك أدنى شك في أن نسبة التملك الحقيقية للمساكن في المملكة لا تتجاوز 36 %، وأن معايير وزارة الإسكان التي تستبعد من الاستحقاق كل من يصدر فاتورة كهرباء باسمة مجحفة، وأن ما لا يقل عن 40 % ممن اعتبروا مالكي مساكن لا يقلون استحقاقاً عن غيرهم، ولا مبرر لاستبعادهم.
أيضاً، فإن هذه الحقيقة تُظهر أن مشكلة الإسكان في المملكة أشد مما قد نتصور، وبحاجة إلى حلول عاجلة فعالة، ومن غير المقبول أن يمضي على تأكيد الدولة اهتمامها بهذه المشكلة من خلال إنشاء هيئة الإسكان وبعدها وزارة الإسكان ما يزيد على خمس سنوات دون أن يكون لهذا الجهاز أي دور يُذكر في حل هذه المشكلة.
خطورة المشكلة الإسكانية وتفاقمها تعني حاجتنا إلى تشخيص دقيق لأسبابها، بما يسهل علينا مهمة حلها. والحقيقة أن هذه المعضلة تعود في الأساس إلى أخطاء في سياساتنا الاقتصادية، أوصلتنا إلى هذا الوضع، أهمها الآتية:
1- منح الأراضي تسبب في محاصرة المدن الرئيسة بملكيات خاصة واسعة، قيدت النمو الطبيعي لهذه المدن، وحد من توافر الأراضي؛ ما تسبب في ارتفاع أسعارها بصورة مبالغ فيها. والارتفاع المستمر في أسعارها رفع من جدوى اكتنازها، وجعله يحقق عوائد تفوق بمراحل أي استثمارات أخرى قد يفكر بها مالكوها؛ ما جعل الاحتفاظ بها وعدم بيعها أفضل خيار متاح أمامهم.
2- معدلات نمو الإنفاق الحكومي على مدى 13 عاماً تسبب في ارتفاع معدلات الهدر، ارتفاع تكاليف المشروعات، ارتفاع معدلات التضخم، وفي نمو هائل في مستويات السيولة المحلية، تفوق كثيراً حاجة النشاط الاقتصادي؛ فتدفقت إلى سوق العقارات خاصة بعد انهيار سوق الأسهم في عام 2006؛ ما تسبب في تضخم أسعارها بصورة مبالغ فيها؛ فأصبحت أسعار الأراضي والمنازل خارج نطاق قدرة معظم المواطنين على امتلاكها؛ فتفاقمت مشكلة الإسكان بشدة.
3- أننا لا نتوقف عن الحديث عن تحقيق التنمية المتوازنة، لكننا نقوم فعلياً بكل ما في وسعنا لتشجيع نمو المدن الكبيرة ودفع المواطنين إلى الانتقال إليها في ظل تنفيذ سياسات تكدس الأنشطة الاقتصادية وفرص العمل فيها؛ ما فاقم من معدلات نمو سكانها، وزاد من مشكلة الإسكان التي تواجهها.
وبالتالي، فحل مشكلتنا الإسكانية يتطلب التعامل الجاد مع هذه الإشكالات من خلال سياسات محددة، تُفعَّل بشكل عاجل، يأتي على رأسها الآتي:
1- يجب أن يصبح اكتناز الأراضي مكلفاً من خلال فرض رسوم سنوية على كل أرض غير مستغَلة ضمن النطاق العمراني للمدن دون اعتبار لمساحة هذه الأرض؛ ما يضمن حدوث تراجع كبير وسريع في أسعارها، يمكّن قطاعاً واسعاً من المواطنين من حل مشكلتهم الإسكانية بأنفسهم دون الحاجة لمساعدة الدولة.
2- الحد من الإنفاق الحكومي من خلال سياسات ترشيد تُحدُّ من الهدر والإنفاق غير الضروري، بما في ذلك الإنفاق على المشاريع التي يمكن تأخيرها.
3- أن نصبح أكثر مسؤولية وجدية في تطبيق استراتيجية ملزمة، تضمن تحقيق تنمية متوازنة، تحسن من فرص العيش في المدن المتوسطة والصغيرة، بما في ذلك نقل كل ما يمكن نقله من أجهزة حكومية وحتى خاصة من المدن الكبرى إلى المدن المتوسطة والصغيرة، بهدف تحقيق هجرة معاكسة من المدن الرئيسة؛ تتحسن معها قدرتها على التعامل مع مشكلاتها الكثيرة المتفاقمة.
4- مراجعة وضع وزارة الإسكان بهدف تشخيص وتصحيح مَواطن الخلل في أدائها، وتسهيل العقبات التي تسببت في مرور خمس سنوات على إنشائها دون أن تترك لمسة تذكر على هذه المشكلة المتفاقمة. فمن الواضح أن هناك خللاً يجب تشخيصه وتصحيحه.