وَالِدِي العزِيز.. أَيُّهَا المَلِكُ المُوَحِّدُ (طَيَّبَ اللهُ ثَرَاك):
لمْ يَتَسَنَّ لِمَلَكَاتِي البسيطة أنْ تُقَدِّر عِظَمَ ما قَدْ يجُوبُهَا مِمَّا هو فوْقَ طاقتِها واحتمالِها عنْدَما بدأتُ بسرْدِ رسالِتي هذه إليك، إِلَيْكَ أَنْتَ وَمَنْ أنت؟؟!!.. سؤالٌ لم ولنْ يتَّسِع لإجابته أُفُقُ إدراكي النَّامي..
والدي العزيز..
لَكَمْ يَدُبُّ في داخِلي الفخرَ والزُّهو عندما أُخاطِبُك بوالدي، علْماً بأنَّني لستُ الوحيد صاحب ذلك الزهو. فالملايين يقاسموني إيَّاه.. فهل تسمح لي أنْ أختار لفظ الوالد في كلِّ عبارةٍ أبثها إليك؟؟!
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
مِنْ هُنَا.. منْ مسقط رأْسي الأغرّ (وادي الدواسر) منْ أنوارِه التي لا تعرفُ كيفَ تنام! مِنْ سمائِهِ.. مِنْ بيْن جبَالِهِ وسُهولِهِ ووهَاِده.. تنامُ الذكريات، وتنامُ صفحاتُ تاريخٍ أزليّ! يُرتِّلهُ شيْخٌ وقورٌ على مَسَامع أحفادِه وحفيدَاتِه.. عَنْ يومٍ جئت فيه بطلٌ وفارسٌ لـ(المملكة العربية السعودية)، تمتطي صهوةَ خيلِك (منيفة)! حاملاً إلى (المملكة العربية السعودية)، قبساً من نورك، وقصيدةً من خيرِك الوفير! وحكايةً مُذْ يومها ابتدَأتْ.. تَحْكِي تفاصيلَهَا الأيامُ.. يُردِّدها الصغار.. ويتلوها شيخ لأحفاده وحفيداته.. من بين أهازيجِ سماءٍ ماطرة: هنيئاً ببطلِكَ وفَارِسِك النبيل، يوم وطنه الـ 84!
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
في كلِّ عامٍ يأتي (الأوَّلُ) من الميزانِ ينْشُرُ ضياءَه، ويُرْسِلُ ضياءَهُ لكي يُحْمَل كالفوانيسِ المعلقة التي تَظَلُّ تُضِيء وطَنَكَ الكبير (المملكةُ العربيةُ السعودية)، وأملاً جديداً يحيي هِمَمَ شعْبِك، ويوقد جَذْوَةَ طموحِهِم المُتجدِّد؛ لكي يظلوا حاملينَ ألويةَ الولاء والعهد لكلِّ شِبْرٍ في وطنكَ وَلَكَ يا والدي (عبدالعزيز).
فما أعظمَ تلك الابتسامة التي تبين على مُحَيَّا شيْخٍ سعوديٍّ هَرِم! قد عَاشَ ما قبل توحيد الوطن، وها هو الآن يعيشُ نتاج توحيده. ابتسامةٌ تُوحِي بالشُّكْرِ والعرفان لله تعالى ثم لك ولمعاونِيك؛ لقاءَ ما تَحَقَّقَ مِنْ إنجازاتٍ لا حَصْرَ لها على أرضِك (أرض الطيِّبين). وضَحَكَاتِ الأطفالِ التي تُوحِي بفرْحةِ اليومِ الوطني الـ 84 (يومِ السعوديين)، ويومِ كلِّ منْ لامَسَتْ يداهُ ثَرَى هذا الوطن، لتجمعَ تلك الابتسامات والضحكات لتشهد مظاهِرَ الاحتفالِ باليوم الوطنيِّ في كلِّ أرجاءِ وطنِكَ الفريد من جبالِ السَّروات مروراً بوادي جَازَان ووادي تثليث ووادي بِيشة ووادي الحمض ووادي ينبع ووادي فَاطِمَة، ووصُولاً إلى هضبةِ نجد ومرتَفَعَاتِهَا شرْقاً حتى انتهائِهَا بكثبان الدَّهْناء وصحْرَاء الصمَّان، وامتدادِ سهولِ نَجْدٍ إلى منطقةِ حائل حتى اتصالِهَا بصحراءِ النُّفود مروراً بجبالِ طويق والعارض وَجَبَلِ أجا وسلمى وصَحْرَاء الرُّبْعِ الخالي، الكُلُّ يحتفل والكل يُظْهِرُ ما يملِكُ مِنْ مشاعرَ جيَّاشةٍ ولاء لوطنك ووطنهم الكبير (المملكة العربية السعودية).
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
ليسَ هناك أعظم من أنْ تشهدَ اللحظاتِ التي ترتقي فيها السيُوفُ لتناطحَ السٌّحُب، على أنْغامِ الفنونِ السٌّعوديَّةِ التقليدية - العرضة والمجرور والمزمار والينبعاوي والخطوة والدَّحَّة والليوة والسامري وغيرها -، يومها حتى الشوارع جامدة الحِرَاك تتحرَّك لكي تحتفل.. ولِمَ لا؟! فمن يستطيعُ أنْ يُقاومَ الرغبة في المشاركةِ للتعبيرِ عَمِّا يختلجُ النفوسَ مِنْ أحاسيسَ صادقة، الشوارِعُ تتزيَّنُ بألوانِ عَلَمِ وطَنِكَ (المملكةُ العربيةُ السعودية): الأبيض والأخضر بكلِّ شموخٍ واعتزاز. فَمَا أَرْوَع أنْ تطوفَ في شوارِعِ مُدُنِ وَطَنِك ومحافَظَاتِهِ وقُرَاهُ وهِجَرَهُ وتشْهَقَ بناظريْكَ للأعلى! لترى أنَّهُ في لحظةٍ ما قد تُصَافِحُ تلك الأعلامُ السماءَ بسلامٍ ليدورَ حديثُ الولاء والانتماء لوطَنِكَ بينهما، وَكَيْفَ يَكُون؟..
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
مئةٌ وستةَ عشرَ عاماً.. منذ عامِ (1319هـ)، وحتّى اليوم: مَسِيرةُ بُطُولتِكَ، ومسارات بنَائِكَ، وَاتجاهات تَنْمَيتك، وَخُرُوجُك بإنسانِ هذا الوطن مِنَ الخوفِ والقوْقَعة إلى الشَّجاعةِ والانطلاق، وإلى العَمَلِ والإنتاج.
مئةٌ وستةَ عشرَ عاماً.. افْتَتَحْتَهَا -طيَّب اللهُ ثراك- بفتوحاتِكَ التي جَنْدَلْتَ فيها بسيْفِكَ الصَّارم: الفُرْقَةَ والتَّمزُّق، واستطعْتَ أنْ تركِّزَ العَلَمَ الأوّل (للوِحْدة) العربية فوق ثَرَى الجزيرةِ العربية، وَقَضَيْتَ على الدَّسَائس، وَوَاجَهْتَ مصاعبَ لا يتصدّى لها سوى الفارس الواثق مِنْ نفسِهِ، والمؤمن برسالتِهِ ودورِهِ التَّاريخي.
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
لقدْ كَانَ قَرارُكَ التاريخيُّ بتوحيدِ هذا الوطن نتاجُ حسِّكَ التاريخي الدقيق، وقراءتِك النّافذة للواقعِ السياسيِّ والإقليمي، في منطقةٍ كانت -وقتئذ- تمورُ بالعَواصفِ والمِحَنِ والأطماعِ السياسية مِنْ قُوَى دوليةٍ عديدة، فجاءَ قرارُك ذاك معبِّراً عن شفافيتِكَ التاريخيةِ لصناعةِ مجتمعٍ مُوحِّدٍ متنوعٍ في عاداتِهِ وثقافاتِهِ ودرجاتِ تطوره. مما أضْفَى لقرارِكَ الفريد جذْوَةَ حيويّةٍ امتدّتْ شعلَتُهَا منذ ذلك الحين وحتى الآن في العهدِ الذي نعيشهُ في ظلِّ قيادة ابنك المبجّلِ خادمِ الحرمين الشريفين الملكِ عبداللِه بن عبدالعزيز آل سعود -أيّده الله-.
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
لقد استطعْتَ بما مَنَحَكَ اللهُ أنْ تصنعَ التاريخَ والمجد، بَلْ شاركْتَ في صناعةِ الحَدَثِ التَّاريخي وإعادةِ صياغَتِهِ لا لتكتبَ نَفْسَكَ واسمَكَ على سطورِهِ فقط، إنَّما أيضاً لتكتبَ اسم شَعْبٍ ومجتمعٍ هُوَ شَعْبُكَ وَمُجْتَمَعُكَ السعوديُّ النبيل. وَلَمْ تكتَفِ -أَلْبَسَ اللُه عليك شآبيبَ الرَّحمةِ والمغفرة- بذلك فقط، بَلْ أَرْسيْتَ تقالِيدَكَ في سياسةِ وإدارةِ الحُكْمِ فيها مِنَ العراقةِ والأصالةِ سُرْعَانَ ما أَصْبَحَتْ مثالاً لإعجابِ الآخرين مِنَ السَّاسَةِ والمجتمعات، وَكَذَلِكَ أَرْسَيتَ بِنَاءَ دولةٍ ذات مواصفات حديثة تستجيبُ بسرعةٍ مذهلةٍ لتحدِّيَاتِ العصر ومتطلَّبَاتِه.
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
لقد تَوَاصَلَ مشوارُ دَوْلَتِكَ في البِنَاءِ دون انقطاعٍ أَوْ توقُف، وتجَاوَزَتْ دولَتُكَ كلَّ أزماتِهَا وكُلَّ تحدِّياتِها، وكَأَن لمْ يكن هناك أزمات، وكأَنْ لم يَكُنْ هناك تحدِّيات.
لقد كانَ أبناؤُك -ابْنَاً بعد ابن- أقوياءَ بعقولِهم.. بحكْمتِهم.. بنضوجِ تَجْرُبَتهم.. بمواهِبِهِم الفذّة في الإدارةِ والحُكْم.. متمسِّكِين بَهَدْيِ الدِّينِ قَوْلاً وعملاً.. وإيثارِ نفعِ الإسلام وخَيْرِ الرَّعية قبل كل شيء.. ناظرين إلى المسؤوليةِ بعينِ التكليفِ لا التشريف.. هادِئين.. متّزنين.. ميّالين للتروّي والتفكير، مقلِّبين ومنقِّبين لكل أمرٍ يجري حولهم. فأحاطوا بأحوالِ الدنيا، وطبيعةِ المتغيّرات، وبواعِثِ الصِّراعات، وحقيقةِ المآربِ والأهداف، وكَشْف ما تُضْمره النفوسُ الخبيثة. بَيْدَ أنّهم وهم المؤمنين الصادقين، والحريصين على استمرارِ دورانِ عجلَةِ تطويرِ وطَنِهِم، وتضامنِ أُمّتِهِم العربية، ومصْلحةِ المسلمين، والوفاقِ الدولي، والسَّلْمِ العالمي، حارَبُوا الأطماع، وَتَأَلَّمُوا منْ الظلمِ والطُّغيان، وَوَقَفُوا مناصرِينَ للعدْل، وَمُعِينين للمحتاج.
وَلَمْ نتمكَّنْ -فيما بعد- رّغْمَ إعزازِنَا وتقديرِنَا وحُبِّنا كله لهم أنْ ننتزعهم مِنْ أحضانِ مسؤوليَّاتهم الجِسَام، وَلَمْ تتمكن مسؤولياتُهم كلُّهَا من أَنْ تمنعهم من ممارسة أبوَّتِهم الحانية، فكانوا لغيرِنَا نِعْمَ الآباء موجّهين ومؤدِّبين، وكانوا لنا نعم الآباء راعين وَمُرْشِدين، وظلَّ كلُّ واحد منهم -واحداً تلو الآخر- يمارس دَوْرَ الأبِ الحاني مَعَ كُلِّ مسؤوليّةٍ يتولَّاها.. أَمِيناً وراعياً. فَهُمْ في كُلِّ المواقفِ آباء.. أمراء كانوا أم ملوك؛ لأنَّهم يؤمنون مِنْ أعماقِهِم الممتلئة خيْراً.. أنَّ الأبوّةَ عطاء.. وأَنّ الأبوّة رعاية.. وأنّها حبٌ لا يعرف الكُرْه.. وعشقٌ ليس لهُ حدود. ومعَ كلِّ هذا -فَهُمْ- بحمدِ الله للوطن أبرُّ الأبناء.. وللأمانةِ أعظمُ الأوفياء.
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
يأتي اليومُ الوطني الـ84 وأنا أتذكّر ما قرأتُهُ في كُتُبِ التاريخ مِنْ خطاباتٍ ملكيّةٍ لك، خلَّدَهَا الزمَنُ وسطَّرَها التاريخُ في أنْصعِ صفحاتِهِ، قرأتُهَا بعمقٍ وتمعُّنٍ وإدراك وتلوتُهَا على أبنَائِي الثلاثة (عبدالله وسارا ونوران)، التي جاءت في أحدِ إصداراتِ دارةِ الملكِ عبدالعزيز «هذه هي عقيدتنا»، تميّزت بحكْمتِكَ وحزْمك وسياستِكَ الدبلوماسية بقوةٍ وحَسْمٍ لاتعرفُ التَّرددَ أو التخاذُل، وبشخصيَّتك التي تتسِمُ بسماتٍ كانتْ وراء تلك المواقف العظيمة في مسيرتكَ المباركة كالحِنْكَة والحَصَافَة، والنَّزْعَة العربيةِ الإسلامية، والمحبَّةِ الصادقة لشعبِكَ وَوَطَنِك، واستشْرَاف المستقبل. فَهَا أَنْتَ تقول وفعلت بقدرةِ اللهِ تعالى -طيّب الله ثراك-: « أنا وأسرتي وشعبي، جندٌ من جنود الله، نسعى+ لخيرِ المسلمين «وَتَقُولُ أيْضَاً: «إنَّني أفخر بكل مَنْ يخدم الإسلام ويخدم المسلمين، وأعتزُّ بهم، بل أخدمهم، وأساعدهم، وأؤيدهم. وإنني أمقت كلَّ منْ يحاول الدسّ على الدين، وعلى المسلمين، ولو كان مِنْ أسمى الناس مقاماً وأعلاهم مكانة». وقُلْتَ: «يعلم الله أنَّ كلَّ جارحةٍ من جوارح الشعب تؤلمني. وكل شعرة منه يمسها أذى تؤذيني.. وكذلك الشعب، فإنه يتألّم إذا أصابني أي شيء. ولكن المصلحة العامة تضطرني أنْ أقضي على من لا يصغي للنصح والإرشاد، وأن أتجرّع ألم ذلك حفظاً لسلامة المجموع «. وقُلْتَ أيضاً وفعلْتَ بقدرةِ اللهِ تعالى: «سأجعلُ منكم شعباً عظيماً، وستستمتعون برفاهية هي أكبر بكثير من تلك التي عرفها أجدادكم». وقُلْتَ بالواقع : «إنّ المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وماهم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة، ونحن لا نبغي التجديد الذي يفقدُ دينَنا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله عز وجل، ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجدد وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، لما أصابهم ما أصابهم من محن وآثام ولما أضاعوا عزهم وفخارهم». وقُلْتَ -أمطر الله عليك شآبيب الرحمة والمغفرة- بنشوةِ المنْطِقِ والعقل: «لقد كنت لا شيء وأصبحت اليوم، وسيطرت على بلاد شاسعة يحدها شمالاً العراق وبر الشام وجنوبا اليمن وغربا البحر الأحمر وشرقاً الخليج، لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من العتاد سوىقوة الأيمان وقوة التوحيد، ومن التجدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله فنصرني الله نصراً عزيزاً «.
وقُلْتَ أيضاً بصوتِ الحكمة وإشْعَاع العلم ووعي القادم: «اعلموا أن العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر.. وأن العلم كما يكون عوناً لصاحبه، يكون عوناً عليه وفمن عمل به كان عوناً له، ومن لم يعمل به كان عوناً عليه، وليس من يعلم من لا يعلم، قليل من العلم يبارك فيه، خير من كثير لا يبارك فيه، والبركة في العمل». وهي خِطَابَاتٌ -بحق وحقيقة- عكَسَتْ رؤيةً واضحةً في الأُسُسِ التي قامَ عليك وطنُكَ ووطنُنَا الذي قامَ عليها منْ أجلِ الحفاظ على وحدتهِ المجتمعيّةِ والجُغْرافيةِ والسياسيّةِ في إطَارِ مُحيطِها العربيِّ والإسلامِيِّ والدولي. بحمْدِ الله ومنّته وفضْلِه.
أيُّهَا الملكُ الموحِّدُ: والدي (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
لقد بَاتَ العُقَلاءُ.. عاقلاً بَعْدَ عاقل.. في وطنِكَ الكبيرِ (المملكةِ العربيةِ السعودية) وحتى الكثير مِنْ مجانِينِهَا، يدركون عبثَ الأيدي الخارجيةِ بعناصرِهَا الشرِّيَرةِ وفتَنِهَا الشيطانية ودورَهَا في اللَّعِبِ بمقدَّراتِ الوطنِ منْ خلْفِ الأستارِ والأفكارِ، التي تَسْعى إلى تقويضِ الأمنِ وزعزعةِ الاستقرار خدمةً لمصالِحِها وأهدافِهِا التي تتَقاطعُ مع المصالحِ العُلْيا للوطَنِ والمواطن، أو رغبتِهِا في أَنْ لا يجدَ الوطنُ طريقَهُ إلى البِناءِ والتقدُّمِ والتطورِ والتنمية والازدهارِ التي يتطلّعُ إليها أبْنَاءُ الوطنِ قاطبةً.. ولهذا وذاك فهم يستشعرون (أفراداً) و(مجتمعاً) توجيه ابنِك المبجّل.. ولدِك المصلح.. نَجْلِك الإنسانيّ.. قرَّةِ عينك حبيبنا عبدِالله.. بأنْ يتَّجَهَ أبناءُ وطنِهِ دورَهم المناط بهم في خدمةِ دينِهم ووطنِهم وبناءِ بلادِهم أَرْضَاً وإِنْساناً. حين قالَ -حفظه الله ورعاه- في مناسبةِ افتتاحِ أعمالِ السنة الثانية مِنَ الدورةِ الخامسةِ لمجلس الشورى في 23-3-1431هـ: «إنَّ وحدةَ هذا الوطن وقوَّتَهُ تَفْرِض علينا مسؤوليةً جماعيةً في الذوْدِ عنه، في زمَنٍ كَثُرَت فيه أطماعُ الأعداءِ والحاقدِين والعابثين، وهذا يَسْتِدعي منَّا جميعاً يقظةً لا غَفْلَة معَهَا، لذلك فدورُنَا يُضَاعِفُ علينا المسؤولية المشتركة بين الجميعِ كل في موقعه، فـ(الوطنُ للجميع)، ومعيار كل مِنَّا على قدرِ عطائِهِ وإِخْلِاصه لوطنٍ قامَتْ أُسُسُهُ على دَعَائِمِ الدِّينِ والذّوْدِ عن حياضِهِ بالنفس والنفيس، ولا نخشى في ذلِكَ لومةَ لائم، فهذا هو المحك لمعادِنِ أبناءِ الوطن وكلهم معدنٌ نفيسٌ -بإذن الله- وهو عَهْدُنَا بهم..».
أيُّهَا المَلِكُ الموحِّدُ (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
واليوم.. ونحنُ أبناءُ وطنِكَ الحافظين لك المعروف، نحتفلُ بالذكرى العطرة الـ 84 لتوحيدكَ هذا الوطن الشامخ، نُعَاهِدُكَ بأنَّ وطنك ووطننا الذي وَحَّدْتَهُ سيظلُّ في أعماقِنَا وَهَجاً يضيء أَعْمَقَ مشاعِرِنا، وسيظلُّ سنبلةً تُورِقُ في مساحةِ قلوبنا، وسيظلُّ نجمةَ صُبْحٍ تَرْكُض في سماواتِنَا، وسَيَظَلُّ ابتهالَ صِدْقٍ ينطلقُ من حُنْجرَةِ المآذنِ تَهْتُفُ لربِّ العزَّةِ والجَلَالِ بالشُّكْرِ والطَاعَة.
وسنظلُّ نُحِبُ وطَنَكَ ووطننا الذي وَحَّدْتَه.. أَرْضَاً وتَاريخاً وَحَضَارة.. وسنظلُّ نحب وطنك ووطننا الذي وحدتَّه.. رايةً خضراءَ تُعَانِقُ سيفَ الحقِّ والعدلِ والمُسَاواة.. وسنظلُّ نحبُّ وطنَكَ ووطننا الذي وَحَّدْتَهُ.. شامِخَاً كشُمُوخِ صَحَارِيه وجِبَالِهِ وسهولِهِ ونخيلِهِ وإِنْسَانه.. وَسَنَظَلُّ نُحِبُّ وطنَكَ ووطننا الذي وَحَدَّتَهُ.. وهو يَأْخُذُ مَقْعَدَهُ تحتَ الشَّمس. ولا تستغرب - طيَّب الله ثراك - كلَّ هذا الحب.. وكُلَّ هذا الحبور.. وكل هذا الفرح ؛ فاليوم الوطني بأيامهِ المتكرِّرةِ والتي ستكرّرُ بإذن الله تعالى.. إشراقةٌ نُطِلُّ منْ خِلالِهَا على ملحمَةٍ صنَعَتْهَا السَّواعدُ المؤمنةُ والقلوبُ النَّقيةُ والجِبَاهُ المرفوعةُ كسيوفِ الأربعين بَطَلاً.. بقيادَتِكَ.. وَتَحْتَ إِمْرَتِكَ.. أيُّهَا القائِدُ البطل الفذ.
أيُّهَا المَلِكُ الموحِّدُ (غَفَرَ اللهُ لَكَ):
يا أيُّهَا الباسلُ المغوارُ يا أَبَتِي ويا مليكي ويا فَخْرِي بمنْتسِبي
ما حِيلَتِي وحُرُوفُ القَافِ عَاجِزةً أمَامَ صورتِكَ العُظْمَى وَمَا أَدَبِي؟!
يا مسعرَ الحربِ لا سَعْيَاً إلى مدد مِنَ الحياةِ ولا سعياً إلى نَشَبِ
أَمْسَتْ تُنَاديك نَجْدٌ وهي واثقةٌ أنَّ الرجاءَ بإذنِ الله لَمْ يَخِبِ
أتيْتَ والخيلُ شوقٌ والدروبُ هُدَى والماءُ يَخْمُدُ ما يَعْلُو مِنَ اللَّهب
والبيدُ حيَّتْكَ ورْدَاً عاطِرَاً وغَدَتْ تَسْتشرُفُ الأملَ المرسومَ في القضب
وَخُضْتَها في سبيلِ الله معركةً فالنصرُ للهِ لا للثَّأْرِ والغَضَبِ
نامَ امرؤٌ كانَ يقضي ليلَهُ فَزِعَاً وقوتُهُ بين إِمْحَالٍ ومُنْتَهَبِ
كَمْ رافعٌ يَدَهُ يدعو وفي دَمِهِ حُبٌّ تأصّلَ للبَانِي وللعقبِ
وفي ختامِ رسالتِي هذه، أسألُ اللهَ الكريم أَنْ يفضّ على روحِكَ العطرةِ نسيمَ جنّاته، ويسكنَكَ أعلى درجاتِها في الفردوسِ الأعلى، وأَنْ يجمعنا بك، وأنْ يحفَظَ اللهُ خادِمَ الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ووليّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ووليَّ وليّ العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وأنْ يُسدَّدّ اللهُ جهودَ خُطَى وزيرِ الداخلية وأن يعَينَهُ ويوفَّقَ رجالَ أمنِنَا الباذلين لأرواحهم دفاعاً عن أمنِنِا وحمايةً لمقدّرَاتِنَا ومكتسبَاتِنَا الوطنية، اللهم آمين.