كل الشعوب بل الكائنات تحن وتفخر بمواطنها وأوطانها وتذود عن ثراها وسماها، نراه بالبصر حدوداً وعمراناً، ونراه بالبصيرة أمناً واستقراراً تصان به الأنفس والأموال والأعراض.
الوطن نراه في عقولنا مواطئ أقدام الآباء والأجداد ومنبت الأبناء والأحفاد.
الوطن أمانة في أعناق الشعوب التي صنعت ماضيه وتعيش حاضره وتبني لمستقبله.
حدود وطننا ليس الشمال والجنوب والشرق والغرب فقط، بل السماء ومجالها والأرض وأعماقها كنوزها وماؤها ورفات الآباء في أحشائها.
وطننا أشرقت منه شمس أمة مسلمة مسالمة، أضاء شعاعها كل بقاع المعمورة.
وطننا مصدر ((الله أكبر)) ينطق بها البشر والشجر والطير الطائر وجبال المزن في السماء.
وطننا عقيدة نحميها وتاريخ نعتز به وشعب نفتخر بالانتماء إليه.
وطننا مغبوط في مقدساته ومحسود في ثرواته. تشخص أبصار المسلمين لشعاع نوره وتشخص أبصار الحاسدين لثرواته.
وطن حوى الشرق والغرب في عباءته يطوف العالم حوله عابداً أو حاسداً.
في يومنا الوطني نعيش ملحمة وطن اعتصم بحبل الله فاتحد وتوحد بعد فرقة وشتات، فأطعمه الله من كل الثمرات وجعل أمنه واستقراره مطلب العالم وضمان بقائه وبقاء حضارته.
في يومنا الوطني نشعر ببسمة طفل آمن في طابور مدرسة يردد النشيد الوطني.
كما نشعر بقطرة عرق على جبين حماة الوطن وصناع مجده.
في يومنا الوطني ندرك بعقولنا أن حدود الوطن تبدأ من قلوبنا وضمائرنا وآمالنا.
ومن الفطرة أن الفرد قاصر عن تحصيل حاجته فمطالب الحياة وسائر القيم الكبرى والمثل العليا التي تشكل كرامة الأمة لا غني لها عن تضافر القوى البشرية وتعاون عقولها وائتلاف قلوبها فنحن جميعاً شركاء في المسئولية فكلٌ على قدر وسعه وفي حدود متناوله مطالب بنصيب قل أو كثر في بناء مجتمعه وكرامته وأمنه. وإن نظرة واحدة نلقيها على العالم من حولنا تكفي لأن ندرك التوجه العالمي نحو التعاون كوسيلة للتنمية والاستقرار والتعايش وتبادل المنافع، ذلك لأن التعاون يحفظ الكرامة. فجميع المستفيدين في مستوى واحد لا يد عليا ويد سفلى.
قال تعالي {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
فكل إنسان بمسئوليته الخاصة والعامة مطالب بتلبية نداء التعاون وملئ جميع الفراغ المحجوز له بين صفوف الجماعة في جيله وعصره. والسعيد من أسهمت أعماله في التنمية المستدامة للأجيال من بعده.