تتزامن مناسبة وطنية كبيرة وهو اليوم الوطني الـ84 مع موسم إسلامي عظيم وهو الحج. ومن المناسب ذكر بعض مآثر من كان له فضل بعد الله في لم شتات هذه البلاد وتوحيد كلمتها وإعلاء شأنها مؤسس هذا الكيان الشامخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، -يرحمه الله- ويجزيه عنّا وعن جميع المسلمين خير الجزاء، في فيما يتصل بخدمة الحجيج، وذلك من باب الشكر الذي حثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام عليه في قوله «من لا يشكر الناس لا يشكر الله».
إنّ من النعم العديدة التي منّ الله بها على هذه البلاد أنّها مهبط الوحي ومنبع الرسالة المحمدية وبلد الحرمين الشريفين، ومن النعم أيضاً أنّ الله هيأ لهذه البلاد وسخرلها ولاة أمر حريصون كل الحرص على خدمة الإسلام والمسلمين وتقديم أفضل الرعاية والخدمات وأرقاها لضيوف الرحمن يبذلون في ذلك وافر الجهد وعظيم السخاء بلا منّ ولا رياء طلباً في ذلك مرضاة الله، وهذه الرعاية والعناية تقليد متوراث أرسى دعائمه مؤسس هذا الكيان الشامخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله وجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.
وإن كان من الصعب الحديث عن مظاهر الرعاية والخدمات للحجاج التي كان يوليها الملك عبدالعزيز عناية خاصة لكن أشير إلى أحد مظاهرها وهو استضافة الملك عبدالعزيز لعدد كبير من الحجاج والذي أصبح ديدن أبنائه البررة من بعده. فبالرغم من أنّ الموارد الاقتصادية في عهد الملك عبدالعزيز كانت محدودة جداً، فإنتاج النفط بدأ في عام 1939م لكن موارده لم تتعد بضع ملايين من الدولارات كل عام، ولم ترتفع إلى ما يقارب الخمسين مليون دولار إلا في عام 1950م أي قبل وفاته رحمه الله بثلاثة أعوام، إلا أنّ ذلك لم يمنع الملك عبدالعزيز من تقديم العون والمساعدة للراغبين في تأدية الحج خاصة الفقراء والمعوقين وتأمين المواصلات لهم وتوفير المأوى والمأكل والمشرب وسبل الراحة وكل ما يحتاجه الحاج.
إنّ مساعدة الملك عبدالعزيز للناس والمحتاجين منهم على وجه الخصوص لم تقتصر على تقديم ما يعنيهم في معيشتهم ودنياهم بل امتد ذلك إلى مساعدتهم على إتمام أمور دينهم، ومن ذلك تمكينهم من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو نسك الحج فبحكم النشأة الدينية للملك عبدالعزيز، رحمه الله، حرص على تقديم الرعاية والعون للمحتاجين من فقراء ومعوقين طمعاً في الأجر والمثوبة من الله خاصة أنّ الحج يُمثل في ذلك الوقت مشقة كبيرة وصعوبة بالغة لدى الناس لضيق الحيلة الاقتصادية وعدم توفر وسائل المواصلات للأفراد وإذا توفرت للبعض فهي بدائية.
وفي هذا السياق يُذكر أنّ الملك عبدالعزيز مع بداية الستينيات الهجرية كان يبعث برسائله إلى المشايخ وأمراء البلدان وأمراء القبائل قبل الحج بحوالي شهرين وفيها أمر بحصر الناس المحتاجين والفقراء الذين لا يقدرون على الحج إمّا لعدم قدرتهم على تحمل نفقات الحج أو لوجود إعاقة لديهم ويحتاجون إلى عناية ورعاية خاصة ورفع ذلك إلى الملك عبدالعزيز حيث يتم ارسال سيارات لنقلهم من أماكن إقامتهم إلى مكة والمشاعر المقدسة واستضافتهم حتى إتمام نسك الحج ثم إعادتهم إلى أماكن اقامتهم.
وكان يُخصص ما يقارب أربعة أو خمسة أفراد يقومون ويشرفون على الرحلة. ويذكر للكاتب أحد الخويا في إمارة شقراء وكان أحد القائمين على إحدى الرحلات التي أمر بها الملك عبدالعزيز، رحمه الله، والمتجهة من شقراء إلى مكة المكرمة أنّه في إحدى السنوات وبالتحديد في عام 1372هـ كان معه أربعة أشخاص آخرين يقومون ويسهرون على خدمة المسافرين الحجاج وراحتهم وكان عدد الأفراد المسافرين في تلك الرحلة أربعون فرداً وكان منهم مكفوفين.
فإذا كان هذا العدد في بلدة واحدة فقط وفي سنة واحدة فما بالك في البلدات والقرى الأخرى في مناطق المملكة المختلفة وعلى مدى سنوات عديدة.. وهذا يؤكد حرص الملك عبدالعزيز على مساعدة الناس على أداء نسك الحج لعظمه في الإسلام، ويعكس النزعة الدينية في شخصية الملك عبدالعزيز، وحبه للخير وما ينفع الناس.
وكان هؤلاء الحجاج يحضون بعناية خاصة وبحسن استقبال وبكرم الضيافة من الملك عبدالعزيز، رحمه الله، لأنّ الملك عبدالعزيز يرى أنّ ضيوف الرحمن هم ضيوف عند الملك عبدالعزيز، بل إنّه نتيجةً للخدمات المتميزة والتسهيلات الكبيرة التي كان هؤلاء الحجاج يجدونها والتي لم يألفوها أو يسمعوا عنها من قبل تولد لدى بعض عامة الناس نتيجة للجهل شك في أنّ هذه من الرفاهية التي قد تؤثر على حجهم وأنّ حجهم قد يكون ناقص، وأصبح بعض عامة الناس يرددون عبارة «ماحج إلا حجة الملك عبدالعزيز».
إنّ تقديم الملك عبدالعزيز، رحمه الله، العون والمساعدة للناس في تمكينهم من إتمام أمور دينهم لم يقتصر على المواطنين فقط ولكن شملت عموم المسلمين من غير المواطنين تجسيداً لمبدأ الأخوة والتكافل الإسلامي. ومن ذلك ما تُشير إليه الوثائق الإنجليزية والفرنسية، فتذكر أنّ بعض الهنود المسلمين الذين لا يستطيعون الحج يقدمون إلى البحرين ثم يكاتبون الملك عبدالعزيز لمساعدتهم في أداء مناسك الحج وكان الملك عبدالعزيز يأمر بنقلهم واستضافتهم حتى يُكملوا مناسكهم. ومن ذلك أيضاً أنّ الملك عبدالعزيز هبّ لنجدة الحجاج المغاربة الذين احترقت سفينتهم قرب الساحل السعودي وأمر باستضافتهم ونقلهم إلى مكة والمشاعر المقدسة وتكفل بنفقة ترحيلهم إلى بلادهم بعد إتمامهم مناسكهم.
وفي هذا الصدد يُشير سكرتير جمعية إعانة المنكوبين في البلاد السورية -كما ذكر ذلك المؤرخ الزركلي- أنّه سافر مع وفد في موسم حج عام 1926م (1346هـ) لجمع التبرعات من الحجاج في مكة وقد زار الوفد الملك عبدالعزيز وأخبروه بما يعانيه الشعب السوري من نكبات وقد تعاطف مع قضيتتهم، وأشار عليهم بأن يحصروا التبرعات في الملك عبدالعزيز والمقيمين في مكة المكرمة من السوريين وغيرهم من المحسنين دون الحجاج، لأنّ غالبية الحجاج في أمس الحاجة إلى العون. كما أخبرهم بأنّه رهين رغبتهم وهو مستعد بالمبلغ الذي يقترحونه. ويستطرد سكرتير الوفد فيقول كنا نعرف الظروف التي يمر بها الملك عبدالعزيز فهو لم يضم الحجاز إلا منذ سنتين فقط كما أنّ النفقات التي يتكبدها في موسم الحج غير قليلة حيث كان وفود المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة والصحفيون الذين وفدوا لحضور المؤتمر كلهم ضيوف على جلالته بالإضافة إلى أنّ هناك كثيراً من الحجاج على ضيافة الملك عبدالعزيز.
رحم الله المؤسس الملك عبدالعزيز رحمةً واسعة وجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء. وقد استمر هذا النهج في الاهتمام بالحج والحجيج في عهد أبنائه من بعده، وأولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عناية خاصة لحجاج بيت الله ولعل ما نشاهده من توسعة كبيرة للحرم المكي والمدني لم يشهدها التاريخ من قبل وتوفير المنشآت والإصلاحات الكبيرة في المشاعر المقدسة وبمعايير عالمية خير برهان على ذلك، بالإضافة إلى استضافة خادم الحرمين الشريفين لأعداد كبيرة من الحجاج ومن مختلف دول العالم لتمكينهم من إكمال الركن الخامس من أركان الإسلام، فجزاه الله وافر الأجر والمثوبة على ما يبذله في خدمة الحرمين الشريفين وخدمة حجاج بيت الله.