كل أمة من الأمم.. وكل دولة من دول العالم على وجه البسيطة لها تاريخها ولها أيامها المجيدة.. ولها مواقفها.. وعاداتها.. ولها أيضاً يوم خاص من أيام العام تفتخر به.. وتفاخر الآخرين.. وكل دولة لها يوم معلوم من أيام السنة تحتفل به.. ويعتبر من أسعد أيامها لأنه يعبر عن حدث معين.. أو واقعة تاريخية مجيدة.. تحقق لها من خلالها الانتصار أو الوحدة أو الغلبة على العدو أو نحو ذلك.. ولهذا نجد دول العالم تختلف من دولة إلى أخرى في احتفائها بيومها الوطني.
وعلى أي حال فالمملكة العربية السعودية.. هذا الكيان الكبير الذي وحد شمله.. وأسس أركانه.. وقوى بنيانه.. الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.. طيب الله ثراه.. هذا الكيان كان قبل توحيد عبدالعزيز له.. كان عبارة عن إمارات ومشيخات.. وقبائل متناحرة.. تتقاتل فيما بينها على المرعى والمأكل والمشرب.. وكان القوي منها يفتك بالضعيف لم يكن هناك أي استقرار أو أمن.
وكانت الجزيرة العربية - قبل التوحيد ولم الشمل- كانت عبارة عن قبائل تعيش عيشة بسيطة على الرعي وعلى الاقتتال والتناحر.. فلم تعرف الاستقرار أوالأمن.. وكل قبيلة تغير على الأخرى.. وكانت الحرب سجالاً بين القبائل.. ولم يكن هناك من رادع يردعهم على هذه التصرفات.. لأن الأمور متروكة لتتحكم فيها شريعة الغاب.. والقوي يفترس الضعيف.. وكان عنصرا الأمن والاستقرار مفقودين تماماً.. والناس يعيشون في رعب وخوف..
لكن بعد أن قيض الله لهذه البلاد الملك عبدالعزيز ونصره ووفقه في القضاء على أسباب الفرقة والتناحر.. وعلى الاقتتال فيما بين القبائل.. شرع في إقامة القرى والهجر.. وعمل على توحيد وتقوية البلاد..
وذلك بضم كافة المناطق شرقها وغربها وشمالها وجنوبها.. ومن ثم أطلق عليها اسم المملكة العربية السعودية.. وبهذا توحدت أجزاء البلاد وانصهرت جميعها في هذا الكيان الكبير الذي أوجده عبدالعزيز ورجاله المخلصون من أبناء هذه البلاد العزيزة.. هؤلاء الرجال الذين أسهموا بجهودهم ودمائهم من أجل توحيد الأمة.. وبناء الدولة الجديدة التي بوجودها أصبح في جزيرة العرب أول وحدة حقيقية فاعلة في أنحاء العالم العربي في العصر الحديث.
وبهذا التوحيد.. أمكن قيام الدولة.. وشرع - مؤسسها وباني أركانها الملك عبدالعزيز - شرع في تشكيل الهياكل الأساسية لقيام الدولة.. كالتعليم والصحة والحج وأجهزة الشرطة.. والإمارات في مناطق البلاد..
وكذا تأسيس وفتح المحاكم الشرعية في العديد من المدن لتقيم العدل بين الناس.. ولتحكم في قضاياهم وأمورهم بحكم الله وشرعه..
لقد كان قيام هذا الكيان الكبير مبعث فخر واعتزاز لعبدالعزيز القائد الباني الذي تعهده برعايته وحنكته وحكمته.. وسارت الأمور بفضل من الله ثم بفضل سهر عبدالعزيز ورجاله المخلصين من أجل حماية هذا الكيان.. وتطوير أجهزته الإدارية لتقوم بمهامها الموكلة إليها بالشكل المطلوب.
وبعد أن انتقل الملك عبدالعزيز.. طيب الله ثراه.. إلى الرفيق الأعلى واصل المسيرة وحفظها أبناؤه البررة.. سعود وفيصل وخالد ثم فهد يرحمهم الله.. ويعظم لهم الأجر والمثوبة على ما قدموا لهذا الوطن وأبنائه من عطاء وإنجازات كبيرة يشهد بها التاريخ ويعترف بها.. ويشيد بها المنصفون من العالم.
وأخيراً انتقلت مهمة المحافظة على هذا العطاء وتعهده بالرعاية.. ومواصلة المزيد من العطاء.. انتقلت هذه المهمة الجسيمة لخادم الحرمين الشريفين-الملك عبدالله بن عبدالعزيز- فقام بتعلية البناء وتقويته.. وأضاف إليه الكثير من الإنجازات والعطاء.. وتم فتح عشرات الجامعات والكليات ذات الاختصاصات المختلفة في العديد من المحافظات والمدن.
وفي عهده استكملت الكثير من المشاريع الجبارة المتعلقة بعمارة الحرمين الشريفين.. وفي عهده تمت أعظم توسعة للحرمين الشريفين في التاريخ، وكذا إقامة العديد من المشاريع في المشاعر المقدسة.. في عرفات ومنى ومزدلفة.
لقد كان العطاء كبيراً ومتجدداً.. وكل عام نحتفل فيه بالعديد من الإنجازات التي يعود صالحها للوطن والمواطنين..
وعلى كل حال فإن الأول من الميزان من كل عام.. يعتبر من أيامنا الخالدة التي نفخر ونفاخر بها -إنه يومنا الوطني- يوم يعتبر من أيامنا المضيئة.. كيف لا؟ وقد تحقق فيه توحيد المملكة.. في وحدة اندماجية لا مثيل لها.. أوجدت من التشتت والضعف قوة كبيرة.. وكياناً متماسكاً قويا يرهب الأعداء.. ويفتخر به الأصدقاء.. إنها بحق ذكرى تستحق الوقوف.. وهذا اليوم يذكرنا بتاريخ وأمجاد.. وتضحيات الملك المؤسس الباني -عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود- ورجاله المخلصين الذين ساهموا معه في توحيد هذا الكيان العظيم..
إن من حقنا أن نفتخر بيومنا الوطني.. ونفاخر به الآخرين.. من حق موحد البلاد علينا أن نتذكره وندعو له بالرحمة والمغفرة جزاء ما قدم من أعمال يعود نفعها لصالح هذا الوطن وأبنائه..
إن يومنا الوطني.. جدير بالاهتمام والتأمل.. وجدير بالإشادة والذكرى وشرح أهميته.. وما تم به من إنجاز عظيم لأجيالنا لتكون على بينة من ذلك. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.. وحفظ الله هذا الوطن وقيادته وأبناءه من كل سوء.
وكل يوم وطني والجميع بخير.