يتجدد في كل عام احتفاؤنا باليوم الوطني لبلادنا التي تمثل قلب العروبة النابض بالخير والعطاء، وهي مناسبة عزيزة على قلب كل مواطن وعربي ومسلم، نجدد فيها عهد الوفاء والولاء لبلد الرسالة الخالدة ووطن العزة والشموخ والمجد.
إن صدق المشاعر تجاه مملكة الخير أكبر من أن تصفه العبارات أو توفيه حقه الكلمات، فهي قبلة الملايين وثقل الأمتين العربية والإسلامية وهي مصدر عصب الحضارة المعاصرة، وصمام أمان المنطقة بأسرها.
وإن قيادة المملكة وشعبها إذ يحتفون بذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة فإنهم يستصحبون أمجاداً سجلت في أسفار الخلود تنمية وأمناً ورغداً عم خيرها الجميع منذ عهد المؤسس الباني جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- وخلال عهد أبنائه الملوك الميامين من بعده وصولاً إلى عهد الخير الذي نعيشه بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد -يحفظهم الله جميعاً-، ويستذكرون كذلك سيرة أبطال ضحوا بأرواحهم في سبيل جمع الشتات ودحر الفرقة وبناء هذه الدولة المترامية الأطرف.
لقد تبوأت بلادنا بفضل الله وكرمه ثم بفضل القيادة الرشيدة مكاناً علياً بين الدول وحققت في سنوات قلائل إنجازات مشهودة ونجاحات نفاخر بها في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها من مجالات التنمية البشرية وهو واقع ينعم الجميع بثماره اليانعة.
وشهدت المملكة في هذا العهد الزاهر قفزات تنموية يجل وصفها، حيث أضحت المملكة ركيزة من ركائز الاقتصاد العالمي بعضويتها في مجموعة العشرين، وأضخم اقتصاد في محيطها، كما أصبحت ملاذاً آمناً جاذباً للاستثمارات العالمية، ودولة ذات قاعدة صناعية ضخمة ورائدة في الكثير من الصناعات ذات العلاقة بالنفط ومشتقاته.
إن هذا التنوع الذي حدث في بنية الاقتصاد في السنوات الأخيرة يعزز الثقة في الاقتصاد السعودي بما يضمن رفاهية الحاضر والغد إن شاء الله تعالى.
ولعل عظمة الإنجاز تتجلى في كون هذه التنمية المذهلة تحدث في ظل مناخ دولي مضطرب ومحيط إقليمي تعصف به الأزمات، وهذا ما يقودنا إلى التطرق للسياسة السعودية الحكيمة التي تجيد قراءة الواقع واستشراف المستقبل التي أسهمت وبشكل فاعل في تجنيب المنطقة ويلات فتن كادت تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ولقد أثبتت المملكة أنها الدولة الأكثر قدرة على تحقيق أمن واستقرار محيطها الإقليمي والدولي مستعينة بما خصها به الله تعالى من ثقل اقتصادي وروحي وجيوسياسي لحل النزاعات وإطفاء نيران الحروب قبل اشتعالها والتخفيف من الآثار المأساوية للأزمات من خلال جهودها في مجال المساعدات الإنسانية والإنمائية لتكون الدولة المانحة الأولى على المستوى العربي.
كما تجدر الإشارة هنا إلى الجوانب المشرقة لسياسة المملكة العربية السعودية الخارجية التي بوأتها مكاناً متميزاً داخل الأسرة الدولية ويتمثل ذلك في علاقتها المتوازنة مع مختلف دول العالم ودعمها للعمل الدولي المشترك الذي يحظي بتقدير المجتمع الدولي ويسجل لهذه البلاد سجلاً ناصعاً من العطاء والإنجاز.
هذا إضافة إلى إنشاء المراكز العالمية مثل مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز لخدمة اللغة العربية، ومركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وهي المبادرة الإنسانية والتاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وقبلها تبنيه نشر ثقافة الحوار على المستوى المحلي ولاحقًا بين المذاهب الإسلامية، وهو توجه سعودي متميز نحو الحوار مع الذات والآخر المسلم وغير المسلم إقليمياً وعالميًا.
وكذلك دعم المملكة للأمن العربي والدولي بمفهومه الشامل من خلال رعايتها لبيت الخبرة الأمنية العربية (جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية) غراس وبناء أمير الأمن العربي الراحل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- التي تستضيفها المملكة وتدعمها بصور الدعم كافة حتى أضحت موئل خبراء الأمن من أصقاع العالم أجمع وأسهم في ذلك ما تهيأ لها من دعم لا محدود من حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ومتابعة وإشراف دائمين من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب ورئيس المجلس الأعلى للجامعة.
وعند الحديث عن الإنجازات التنموية التي تحققت فلا بد من الوقوف طويلاً عند الاستثمار في المجال الأهم وهو مجال التنمية البشرية الذي أولاه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- جل اهتمامه وعنايته، حيث تمثل ذلك ببرنامجه التعليمي للابتعاث الخارجي الذي فاق عددا من استفاد منه من أبناء المملكة الـ(150) ألف مبتعث ومبتعثة وهو برنامج عظيم في نتائجه وثماره المرتقبة وما سيحدثه من طفرة نوعية إيجابية في المجتمع السعودي -بمشيئة الله تعالى- كما يتجلى هذا الاهتمام في زيادة عدد الجامعات حتى وصل إلى (27) جامعة حكومية متكاملة وفق أحدث المواصفات العالمية، ودعمها بالكفاءات العلمية والإمكانيات المادية لتؤدي رسالتها على أكمل وجه. ولا بد من التخصيص لنشير إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التي تشكل نقطة انطلاق لريادة المملكة في العلوم الحديثة على المستوى العربي والإقليمي.
إن المملكة وهي تحتفي باليوم الوطني هذا العام فإنها تعايش تطويراً نوعياً متسارعاً لمرفق القضاء تدريباً وتأهيلاً وأنظمة وكان آخرها قبل فترة وجيزة، حيث تم تدشين المحاكم المتخصصة، إضافة إلى الاهتمام بحقوق الإنسان وإنشاء هيئة دائمة لها، وتعميق ونشر ثقافة الحوار داخليّاً وخارجيّاً من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومكافحة الفساد الذي توج بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
كما أننا حين نحتفل بيومنا الوطني هذا العام فإننا نعاصر واقعاً جديداً للمرأة السعودية والاهتمام بقضاياها ودعمها وتحقيق طموحاتها في خدمة مجتمعها، ولعل أبرز مظاهر هذا الدعم جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن التي تعد الجامعة النسائية الأضخم في العالم بما توافر لها من إمكانيات مادية وعلمية هائلة، وكذلك عضوية المرأة في مجلس الشورى وتعيينها في الكثير من المراكز القيادية.
إضافة إلى ما حققته المملكة من ريادة في الكثير من المجالات على الصعيد الدولي ومن أبرزها المجال الطبي، حيث أصبحت المملكة دولة رائدة في مجالات عدة منها طب الحشود، وفصل التوائم السيامية.
إن هذه اللمحات المضيئة مما حققته بلادنا الغالية -على سبيل المثال لا الحصر- لهي نعم جليلة وآلاء جسيمة تستحق الشكر وتستوجب الحمد آناء الليل وأطراف النهار.
نسأل المولى جلت قدرته أن يحفظ وطناً ليس كمثله وطن، متفرداً في مكانته، سخياً في عطائه، وأن يديم علينا نعمه في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-، وأن يمتعنا بطول بقائه ملكاً عادلاً حبيباً إلى القلوب.
وسلمت يا بلادي وسلمت كل الأيادي التي تتفانى في خدمتك ليبقى اسمك عالياً، وتبقى رايتك خفاقة على مدى الأزمان.