هناك من يرى أن المسؤولية وجاهة اجتماعية وتعالٍ وسلطة.. وقد وصل إليها بالتوصية والوساطة، ويريد استغلالها في مصالحه الخاصة، ويستخدم موظفي الدائرة أو المؤسسة التي يعمل بها، ويستخدم كذلك الأدوات والسيارات الخاصة بهذه المؤسسة، سواء كانت حكومية أو خاصة، ولا يتقبل آراء الآخرين، ويراها أقل من مكانته، وتجد أن له أناساً معينين يحكي لهم حكايات كفاحه التي أوصلته إلى هذه المكانة وهذا الكرسي الوثير والمكتب المستدير.. ولا يعلم المسكين أن هذا الكرسي لا يدوم، ولو كان هذا الكرسي يدوم لما يصل هو إليه.
فليتذكر من كان قبله، عصفت بهم الرياح العاتية، فلم تبقِهم، ولن يدوم إلا وجه الله سبحانه وتعالى. إنني أنصح أي مسؤول، ومن هذا المنبر العام، أن يخاف الله الذي لا تخفى عليه خافية في ما أُوكل إليه من عمل، وما علق على رقبته من مسؤولية وأمانة يُسأل عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
واعلم أخي أن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير، وحبب الخير إليهم، أولئك الآمنون من عذاب الله يوم القيامة. وإنك لم ترشح ولم تصل إلى هذا المنصب إلا لخدمة الناس، ولقضاء حوائجهم فيما يخص إدارتك أو مركزك أو محافظتك.
وإن هذه المناصب تكليف أكثر مما هي تشريف، والتشريف لن يناله إلا من أدى الأمانة، وقضى حاجات الناس المرتبطة بمسؤوليته.
وعليه أن يتقبل وجهات نظر الآخرين، والأخذ بأحسنها، وتكون نظرته للمصلحة العامة، وأن يتحلى بالصبر والحكمة؛ حتى ينال شرف المنصب، ويضع مخافة الله نصب عينيه؛ حتى يُقبل عمله في الدنيا والآخرة.. قال الشاعر:
إن المناصب لا تدوم لواحد
فإن كنت في شك فأين الأول
فاصنع من الفعل الجميل فضائل
فإذا عزلت فإنها لا تعزل
ما دعاني لكتابة هذا المقال غطرسة وتعالي بعض المسؤولين على المواطنين، مع أن المواطن هو من يقيّم المسؤول، وهو بوصلة أدائه، والمسؤول وُضع لخدمة المواطن لا التعالي عليه، ولتفاعله مع المواطن بكل شفافية وتفهُّم مشاكله وإعطائه حقه، مع تطبيق الأنظمة والقوانين المعمول بها.. وأخلاق المسؤول العالية تحصين له. هذا ما أردت توضيحه. والله من وراء القصد.