هذا الجزء الثاني من سلسلة الغذاء الإسلامي، وفي المقالة الماضية كان أول غذاء استفتحنا به هو زيت الزيتون ومنافعه الجبارة، واليوم سنرى ما قاله العلم الحديث عن شيء آخر أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الحبة السوداء.
أولاً يجب أن أوضح شيئاً، وهو أنه لا يلزم أن يُثبِت العلم الحديث منافع أي شيء لنأكله، بل يكفي ذِكره في ديننا ليجعلنا نتناوله بكل ثقة، فزيت الزيتون مثلاً ظل فترة طويلة مُهمَلاً أو مشكوكاً فيه في عين الطب الغربي، وأفضل أحواله أنه لم يُدرَس كثيراً، حينها قد يحتج أحدهم في تلك الأيام فيقول: «وما الدليل على منافع الزيتون؟ لم يثبت الطب أي شيء حتى الآن». وهذا الشخص يتبع منهجاً خاطئاً، ولا يدري أن عدم الدليل ليس دليلاً على العدم، فالزيتون غائب عن الطعام الغربي - خاصة الدول التي اشتهرت بالأبحاث العلمية مثل أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية - ولهذا لم يُدرس كما دُرست الأغذية الشائعة في طعامهم، لكن لما دُرِس وجدوا فيه المنافع التي ذكرتُها في تلك المقالة، واليوم حديثنا عن حبة البركة له نفس التوجه، ذلك أنّ هذه الحبة مجهولة في الدول البارزة علمياً وطبياً لذلك لم تنل نصيبها من البحث والتجربة الموثّقة، لكن كما حدث مع زيت الزيتون فإنّ العلماء لما بدأوا يدرسونها وجدوا المنافع الواسعة، وقبل أن نسرد عجائب هذه الحبة، فالأفضل أن نستهلَّ بحديث رسول الله عنها، فقال: في الحبَّةِ السوداءِ شفاءٌ من كلِّ داءٍ، إلا السامُ. والسامُ: الموتُ.
وجد العلماء أنّ الحبة السوداء تحسّن كثيراً من تعامل الجسم مع مرض السكر، وذلك بجرعة 2 غرام أضيفت إلى العلاج لدى بعض المرضى وكانت أنفع جرعة. نفس الجرعة في دراسة أخرى بيّنت أنّ الحبة السوداء فعّالة في علاج عسر الهضم. بل حتى صرع الأطفال تساعد فيه الحبة السوداء، حيث ظهر في دراسة دامت شهراً على بعض الأطفال المصابين بالصرع أنّ حبة البركة ساعدت في مكافحة هذا المرض. ولا يلزم تناول الكثير من هذه الحبة، فكمية أقل من 1 غرام نجحت في خفض ضغط الدم لمن لديهم ارتفاع قليل في الضغط لما تناولوها لمدة شهرين على الأقل. ولا تقتصر فوائدها على الإنسان بل حتى الحيوان يستفيد منها، فقد وجد الباحثون أنّ أحد مكوّنات الحبة السوداء - وهي مادة اسمها ثايموكوينون - كانت أعظم أثراً من دواء فلوتيكاسون في مقاومة الربو عند الدواب، وجربوا على البشر وأيضاً وجدوا أثراً فعالاً لبخار الماء المغلي المخلوط بالحبة السوداء في تخفيف الربو.
الحبة السوداء أيضاً خففت ألم الحلق الفيروسي وأزالت الحاجة للمسكنات. جرب العلماء الحبة السوداء على ضحايا الأسلحة الكيميائية فتحسن حال المصابين، فغلوا الماء بالحبة السوداء وجعلوا المصابين يتنشقونه فخفّ أزيز الرئة وقَوِيَ التنفس وقَلَّت الحاجة للدواء. بل الحبة السوداء تقتل البكتيريا في مرض MRSA والذي استعصى علاجه على الطب وعجزت عنه حتى المضادات الحيوية. هذه الحبة تعالج كل شيء ممكن، حتى أشياء يتوقع المرء أن لا علاقة لها بها، فمثلاً مدمنو المخدرات المهدئة (مثل الهيروين والمورفين) شَفَتهم الحبة من آثار الانقطاع عن المخدر، بل حتى السرطان صار ضحية لهذه الحبة الجبارة! فالأبحاث أثبتت أنّ الحبة السوداء تقهر أورام القولون بإذن الله بشكل مقارب لدواء السرطان فلوروراسيل وبشكلٍ خالٍ من الأعراض الجانبية.
منافع هذه الحبيبة الصغيرة عظيمة ولا نستطيع حصرها، ولا نحتاج أي دراسة علمية لنتأكد من منافعها، فقد أوصانا بها رسول الله عليه الصلاة والسلام ويكفينا هذا.