إن تكريم الأدباء والمتميزين في خدمة أوطانهم على ما قدموه من جهود يُعد واجبا اجتماعيا لدى الشعوب المتقدمة كافة، وتكريم الأديب بعد وفاته هو من الوفاء له، كما أنه تعريف به للأجيال القادمة وتقديرا لما قدمه من جهود لوطنه ولأبناء أمته، وتحفيزا لمن هم على سيرته من الأجيال المعاصرة (فلكل مجتهد نصيب).
من هذا المنطلق فقد تكرمت بعض أمانات المناطق بإطلاق أسماء بعض الشوارع بأسماء من ساهموا في نهضة تلك المناطق ثقافيا وأدبيا ومن أفنوا أعمارهم في سبيل ترسيخ تاريخ وتوثيق علم وتثقيف جيل وبناء مستقبل زاهر من الأدب والثقافة نذكر منهم -على سبيل المثال- العلامة حمد الجاسر والعلامة عبدالله بن خميس، وسعد ابن جنيدل... وغيرهم، كأقل هدية تُقدم لهم لتكريمهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا وتخليد أسمائهم في قلوبنا وفي تاريخنا ولما لهم من بصمات وطنية ملموسة على أرض وطننا، لكي يعلم كل من قرأ اسم ذلك الشارع ماذا قدم ذلك المواطن الوفي للوطن، ولكي نبني جيلا يسير على نهجهم، ولعلنا في بداية هذا العام افتقدنا أحد أهم رموز الأدب والثقافة في منطقة الجوف خاصة والمملكة عامة، فقد فجعنا برحيل المؤرخ الأديب سلمان الأفنس الشراري الذي لم ينل حظه من التكريم لا من قِبل وسائل الإعلام المقروء والمسموع ولا من قِبل الجهات المهتمة بالأدب والثقافة ولعل من المفترض أن يبادر نادي الجوف الأدبي بتكريم الراحل بما أنه أحد مؤسسيه، ففي هذا حذو الأندية الأدبية الأخرى في تكريم رموزها وإقامة المسابقات الثقافية والجوائز التي تحمل أسماءهم، والأديب الراحل سلمان الأفنس قد أفنى عمره في سبيل الرقي بثقافة أبناء المنطقة والوطن عامة ولا تزال بصمته واضحة فيها من خلال بعض مؤلفاته ومنها (مواضع الصيد في شمال المملكة العربية السعودية) الذي يعتبر موسوعة مُصغرة لأهم أماكن الصيد في شمال غرب المملكة و(الدحة رقصة الحرب والسلم) الذي يُعد من أندر الكتب التي تحدثت عن تلك الرقصة الشعبية، التي تعتبر من أهم الرقصات الشعبية في المنطقة الشمالية، و(السمح) ذلك الكتاب العلمي الفريد من نوعه لتلك النبتة التي تعتبر من أهم مصادر الغذاء في البادية الشمالية بعد التمر واللبن، كما أنه ألّف كتاب (الملك عبدالعزيز فارس الهوية العربية) الذي تحدث فيه عن مؤسس هذا الصرح الشامخ وهذا الوطن المعطاء المملكة العربية السعودية، كما أنه ألّف أيضا الكتاب الأكثر شعبية، الذي صُنف على أنه من أندر الموسوعات التي تحدث بها عن الإبل بشكل مُوسع وأشاد به الكثير، كما أطلق عليه المؤرخ حمد الجاسر (موسوعة الإبل) ألا وهو كتاب (الإبل).
كيف لا وهو من تغنى بالوطن شعرا في آخر أيامه وكتب في اليوم الوطني (83) هذه الأبيات:
رفرفي يا راية العز وارتفعي
جددي عهد الولاء حسب عادتنا
جددي لأهل الوفاء طاعة وسمعي
والعدأ للي يعادون سادتنا
ادحري كيد المعادين والرجعي
وأعلنيها دام هذي إرادتنا
في لسان الشعب بالفرد والجمعي
الزوابع ما تغير بدايتنا
حاضرينٍ يوم رمز الوطن يدعي
لادعانا خادم البيت وش نتنا
وان طلبنا خادم البيتين نستمعي
للمطالب لو ثمنها شهادتنا
بالوفاء من كل الأقطار نجتمعي
للبلاد اللي من الخير زادتنا
يا بلادي للعُلا واصلي واسعي
وارفعي للمجد راسك ورايتنا
وابشري بالأمن والخير مجتمعي
دام عبدالله وسلمان قادتنا
من قبل ملح البواريد والصمعي
مستمر ولا نغير سياستنا
كلنا لقيادة الحق نتبّعي
دام من صقر الجزيرة قيادتنا)
ثمة شيء يبعث الحيرة في نفسي ويحز بخاطري وأسئلة كثيرة تدور بفكري عن سبب تجاهل ذلك المؤرخ ونسيانه بعد رحيله، وكم أتمنى أن يُخصص النادي الأدبي بالجوف جائزة ثقافية بمسمى (جائزة سلمان الأفنس للإبداع) كما أتمنى من أمانة الجوف ممثلة في أمينها الكريم في المساهمة في إطلاق اسم الراحل على أحد شوارع منطقة الجوف ولا أرى ذلك بالأمر المستحيل في ظل ما نرى من وقفاته الطيبة في تشجيع الثقافة والمثقفين في المنطقة وقد سبق وأن اقترحت هذا الأمر في مقال لي سابق هنا في جريدة الجزيرة وها أنا الآن أعيد الاقتراح، وكلي أمل أن يلاقي هذا الاقتراح صدى لدى أصحاب القرار.
فاصلة:
يقول الأديب يوسف العتيق في أحد موضوعاته في جريدة «الجزيرة» في صفحته الراقية «وراق الجزيرة)» يقول:
(ألا يحق لنا أن نُكرّم سلمان الأفنس بدلا من أن نتجاهله لأنه باختصار شديد يكتب عن الوطن ويكرّس حب الوطن والوطنية من خلال كتاباته عن مدينته ومعشوقته «طبرجل» وكل الوطن غال على أبى إبراهيم). أستودعكم الله على أمل اللقاء بكم، مع أجمل تحية وتقدير.