المعروف هو ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه, وهو اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس, والمنكر ضد المعروف, وهوكل ما قبحه الشرع وحّرمه وكرهه, ومنزلته في الإسلام عظيمة, يقول تعالى:
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران.
ويقول سبحانه:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (110) سورة آل عمران. قال الإمام النووي: (اعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة, ولم يبق منه في هذه الأزمان إلارسوم قليلة جداً وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح, وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه...)
أيها القراء والمتأمل في كلام الإمام النووي ثم في واقعنا يجد أن الأمر بالمعروف في كثير من الاقطار الإسلامية اندرست معالمه فحلت النقم واندفعت النعم, فالعراق وسوريا مثلاً نزل بهما ما نزل بسبب ترك هذه الشعيرة العظيمة والله سبحانه حكم عدل لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فإنه سبحانه لم يظلم العراقيين ولا الشاميين ولا اليمنيين ولا الليبيين ولا غيرهم:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (44) سورة يونس
ولذلك حل بهم ما كان سببه مخالفة أمر الله وعدم تحكيم كتابه، والوقوع في سب الله ورسوله، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يكفي أن يكون الواحد منا صالحاً في نفسه، بل لابد أن يكون مصلحاً لغيره: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (117) سورة هود. ولانشك أن في الشام والعراق مثلاً صالحين في أنفسهم يصلون ويصومون ويذكرون الله كثيراً,ولكن ليس فيهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, بل ذهب أهل العلم إلى أنه يجب على من يفعل المنكر أن ينهى عن منكر لقوله تعالى: (كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه...الآية)* المائدة (79).
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إلا أنه قد يكون واجباً عينياً,كأن يطلع على منكر لم يطلع عليه غيره, يقول الامام النووي : (....ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته الا هو، وكمن يرى زوجته أو ولدهُ أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف....)أ.هـ, وبعض الناس اليوم يقول لا فائدة منه، لأن الناس لا يستجيبون, يقول النووي: (ولايسقط عن المكلف لكونه لا يفيد في ظنه, بل يجب عليه الأمر والنهي لا القبول، كما قال تعالى:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (54) سورة النور أ. هـ والنصيحة تكون بالمقابلة والمواجهة لا بالغيبة والسب في المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف والإعلام فهذه فضيحة لانصيحة. يقول ميمون بن مهران لصاحب له:قل لي في وجهي ما أكره, فإن الرجل لاينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره)، ولابد لمن تلبس بهذه الوظيفة أن تكون فيه خصال ثلاث, يقول سفيان الثوري رحمه الله: لا يأمر بالمعروف ولاينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث (رفيق بما يأمر, رفيق بما ينهى, عدل بما يأمر,عدل بما ينهى, عالم بما يأمر, عالم بما ينهى) وبعض المتحمسين لارفقٌ ولاعلم ولاعدل !!, ولهذا يترتب على إنكارهم منكر أعظم وأكبر وللأسف الشديد, ومن منة الله علينا في هذه البلاد وجود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيجب أن نقف معهم وأن نشد ظهورهم، يقول سفيان الثوري: (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن, وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق)، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النصيحة لولاة الأمور، ولاتكون إلا بمقابلتهم وجهاً لوجه, أو المكاتبة أوالاتصال، فإن الغيبة لا تثبت معروفاً ولاتزيل منكراً, قال سفيان الثوري: دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى, فقال: ارفع إلينا حاجتك, فقلت له : إتق الله قد ملأت الأرض ظلماً وجوراً، قال:فطأطأ رأسه ثم رفعه, وقال: ارفع إلينا حاجتك, فقلت: إنما أُنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار, وأبناؤهم يموتون جوعاً فاتق الله, وأوصل إليهم حقوقهم, قال: فطأطأ رأسه ثم رفعه، وقال: ارفع إلينا حاجتك, فقلت: حج عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال : بضعة عشر درهما وأرى ههنا أمولاً لا تطيقهاالجبال)، وسفيان دخل على الوالي ونصحه وبين له وهو منهج حميد ومسلك نافع في نصيحة كل إنسان حاكماً كان أومحوما, فالمنكرات في البلاد الإسلامية لا تعد ولاتحصى، ومن المنكرات العظيمة تكفير المسلمين والخروج على ولاتهم، والتحاكم لغير شرع الله، وسب الدين والاستهزاء بالله وآياته ورسوله, ومنها إقرار الشرك، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والربا والزنا, وأكل أموال الناس بالباطل, وإشاعة الفاحشة, وعدم إعطاء الناس حقوقهم, وتعطيل مصالحهم والمكوس والرشاوي....الخ
ومن مساوئ ترك هذه الشعيرة:
1 - العذاب العام كما تقدم، قالت زينب ـ رضي الله عنها ـ لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم،إذا كثر الخبث) * متفق عليه
2 - البأس الشديد بين المسلمين كما هو الآن في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي الحديث (....ولم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه
3/ - استحقاق اللعنة من الله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (78) سورة المائدة.
فيجب علينا إنكار المنكر حسب القدرة والطاقة، وأن نفرق بين المنكرات فهي متفاوته، ويجب أن يكون قدر الإنكار على قدر المنكر مع مراعاة المصالح ودرء المفاسد، يقول الله جل في علاه:
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (41) سورة الحج.. والله أعلم.. وإلى اللقاء.