العهد «الذهبي» الذي يعيشه القضاء حالياً تحت مظلة «ملك العدالة» خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله أسعدت كل مواطن عانى الأمرَّيْن من «الروتين» السابق للدوائر الشرعية بالمملكة. فقد كان القضاء قبل المشروع العالمي مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء يعيش بدائية الإجراءات وغطرسة التعامل, وازدواجية الصكوك, وضعف الرقابة على الأعمال القضائية, وألف يوم من الانتظار لأجل موعد المحاكمة التي تغيب عنها قاضي الجلسة فأصبحت الألف ألفين.
رؤية «ملك العدالة» في مشروعه لتطوير القضاء كانت اللحظة المفصلية التي محت كل سلبيات الزمن السابق. فأنتُشل المتعامل مع الدوائر الشرعية إلى العصر الذهبي الحالي.
وقد احتاج هذا المشروع لرجل استشعر أهمية هذا المرفق العدلي, ليقود دفته متحدياً المستحيل ومجابهاً البراكين, فانبرى لهذه المهمة المستحيلة وزير العدل الدكتور محمد العيسى الذي دفع بهرمون «الأدرينالين» في أوردة مشروع تطوير القضاء لاستحالة هذه المهمة ولكونها احتاجت لطريقة مستحيلة لخلق «المعجزة» فكان التطوير والتطور في أحد أهم سلطات الدولة.
خلال الأربع أو الخمس سنوات الماضية وحتى الآن: من «الجاحد» الذي ينكر التطوير القضائي الكبير بالمملكة؟ حيث قوة التنفيذ من خلال قضاء التنفيذ الذي أعاد هيبة الأحكام القضائية كون تنفيذ الأحكام هو غايتها, وحيث مواعيد الجلسات التي أصبحت « كالفورميلا» فلا يكاد يمر أسبوع أو أسبوعان إلا ويحين موعد الجلسة، وفي أحيان كثيرة (ومن تجربة شخصية) يحكم القاضي منذ الجلسة الأولى, وحيث ترتيب مهام الصلح في المحاكم بعمل مؤسسي محكوم بنظام سمي «بقواعد العمل في مكاتب المصالحة» التي خففت ما نسبته40% من القضايا المحالة للمحاكم، وحيث تفعيل المحاكم المتخصصة والتي ستخفف أيضاً من الأعباء القضائية على المحاكم العامة من خلال نقل العديد من اختصاصاتها وإسنادها إلى محاكم مستقلة, وحيث تدريب القضاة وتأهيل العاملين في المحاكم وكتابات العدل فأصبحت الخدمات سلسة مع بشاشة الموظفين وحسن استقبالهم, ومن كان يظن في يوم من الأيام أن المعاملة في كتابات العدل لم تعد تستغرق سوى الخمسة دقائق بعد أن كانت ثقافة الروتين تحول دون إنجاز المعاملات في الأوقات المناسبة, ومن كان يتوهم ويحلم باستعادة الأراضي المنهوبة وإعادتها للدولة بمساحات فلكية محيرة بما توازي في أقيامها نصف موازنة الدولة لعام كامل, وكذلك إنشاء المؤشرات العقارية المنبثقة من الجانب التقني لمشروع تطوير القضاء والتي كشفت كل خبايا الصفقات العقارية من تلاعب في الأسعار من قبل السماسرة, كما كشفت هذه التقنية المذهلة مجريات أعمال المحاكم والتحكم في الرقابة القضائية عن بُعد، وعملت مقاييس دقيقة للعاملين في مرفق العدالة, وأيضاً تصحيح الصورة الذهنية للقضاء السعودي من خلال الحوارات التاريخية التي قام بها وزير العدل في أكبر الملتقيات الحقوقية والقانونية في أوروبا وأمريكا, والعديد العديد من المشاريع و الأنظمة واللوائح التي أُعدت بجهود ذاتية والتي من الظلم حصرها في مقال.
إن مفهوم العدالة الناجزة وقوة التنفيذ والسلاسة في الإجراءات وحماية المال العام من المفسدين وإنشاء المؤشرات العقارية وإنشاء المحاكم المتخصصة, والتدريب, وتفعيل الدور الرقابي على الأعمال القضائية, وتصحيح الصورة الذهنية المتأصلة لدى الغرب عن قضاء المملكة, نجومٌ تلألأت في مجرة القضاء بالمملكة, فقد تعايش المواطن مع هذا التطوير القضائي الجبَّار الذي كان يوماً من الأيام ثامن المستحيلات.