حتى لا نظلم هيئة السياحة والآثار

فهد بن أحمد الصالح

لن أكون مدافعاً عن الهيئة العامة للسياحة والآثار عما يلحق بها من تقصير في صناعتها السياحية ليس لها فيه الذنب الكامل، أو ما يقال عن بطئها في إبراز تراثنا الوطني وموروثنا الشعبي المتنوع حتى وإن كانت تبذل جهداً يفوق المطلوب ويتجاوز التصور، كذلك لن أذود عن حماها التنظيمي الذي لم يمكنها من تعديل اهتمامات المواطنين وثقافتهم بكل ما يخص السياحة المحلية، ولن أجرم أحداً بعدم التفاعل مع ما يؤثر على نجاح طموحنا فيما يخص سياحتنا وله مساس مباشر بها حتى وإن كانت المسؤولية المباشرة تقع إما بالطيران المدني أو منظومة النقل بجميع وسائلها أو بالشؤون البلدية والقروية أو حتى بالشؤون الإسلامية فيما يخص المساجد ذات القيمة الإسلامية القديمة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها، كذلك لن أثني عليها بما ليس فيها وسأكون لسان مواطن منصف لهيئة ليست قديمة الإنشاء ولا مترهلة في هيكلها الإداري ولم تعدم في تشكيل رسالة وطنية مشرفة ورؤية تنموية دقيقة وأهداف كلها لخير الوطن والمواطن لو قدر لها أن تتحقق لأصبحت منارة وطنية تقتدي بها جميع مصالحنا الحكومية، ولا شيء ينقص ذلك إلى مزيدٍ من الضوء الإعلامي المدروس والتوأمة مع الإعلام الذي لا نختلف أنه شريك تنمية وبناء وإشراك أهل الرأي معها في همها الوطني.

ولن نتعرض للبدايات التي قد لا يعلم الأكثر من القراء الكرام أنها بدأت في السنة الأولى أعمالها بسلفة من سلطان الخير رحمة الله عليه وهذا يعطي مؤشراً واضحاً عن الاهتمام في الأصل بالسياحة والقناعة بها، وفي السنة الثانية بميزانية لم تتجاوز الـ 50 مليون ريال ذهب أكثر من 70% منها رواتب لموظفيها والباقي في دراسات واستشارات ثم توالت السنوات تمشي على استحياء والهيئة تكبر ويزداد موظفوها وتستقطب عقولاً وطنية مهتمة بالسياحة والآثار ولكنها وجدت أن مسؤولياتها مبعثرة ما بين وزارة التجارة والتربية وأخذت مسؤولياتها من الوزارتين وبهياكلها الموجودة ولكم أن تتخيلوا هل يمكن أن تنقل المسؤولية وعليها موظفون تحتاجهم تلك الوزارات حتى وإن ذكرت وزارة الخدمة المدنية أن المهام نقلت بالكفاءات التي كانت تشغلها في الأصل بل الحق معها هو من ترغب الوزارة في نقله وحورت الوظائف ليبقى المميز ونقل من قاب قوسين أو أدنى من التقاعد أو موظف محبط يحتاج إعادة تأهيل وبناء شخصية عطاء من نوع آخر.

إننا لم نتحدث يوماً عن النقلة النوعية في الخدمات الفندقية سواء بالوحدات المفروشة أو الفنادق والشاليهات وكيف كانت وأصبحت وكيف الالتزام بالأسعار والبحث عن الجودة بل والخط الساخن المربوط بمراكز الخدمات وبجميع مناطق المملكة وسرعة التفاعل مع الشكوى، ولم نحص عدد الوحدات والفنادق التي أوقعت عليها الغرامات التي تصل إلى حد الإغلاق، ولم نجد من يتحدث عن تنظيم المعارض وأسلوبها بعد أن كانت تجارة يتلاعب بها في السوق العديد من الأفراد والشركات وتباع التراخيص لإقامة المعارض بالسوق السوداء وبمبالغ خيالية وتقام في خيام أو في أماكن لا تتوفر فيها شروط الأمن والسلامة، ولم نجد من يتحدث عن جهود الهيئة في خطتها التي تستهدف إعادة تأهيل وترميم الأماكن السياحية والقديمة وجهودها في منع البلديات من إزالتها مثلما فعلت بالعديد من الآثار حينما قضت عليها من أجل التوسع أو بحجة الضرر من سقوطها على المارة أو لأنها أصبحت تعكس وجهاً لا يتلاءم مع المدنية والنهضة العمرانية، ولم يتحدث أحد عن النقلة الإيجابية القادمة لاستراحات الطرق التي لولا تسليط الضوء عليها من الهيئة لبقي الحال على ما هو عليه حتى بعد سنوات بالرغم من أنه لا يخص الهيئة في موضوع استراحات الطرق إلا السكن الفندقي إذا كان موجوداً والباقي بين البلدية والدفاع المدني والشؤون الإسلامية التي تبرأت من المساجد لأنها حسب إفادتها ليست ضمن الإطار العمراني، ولم نجد من يتحدث عن برنامج بارع الذي تبنته الهيئة لتشجيع الحرفيين والعمل على عدم اندثار تلك الحرف وجعلت منها عملاً مؤسسياً يدر دخلاً على صاحبه يكفيه هم البطالة وانتقلت بالجاد من الحرفيين إلى الاكتفاء والتصدير ورغد العيش تبعاً لذلك ومنحت القروض الكافية لضمان عدم اندثار الحرف وسيجهز أكثر من 17 موقعاً لبيع التراث والحرف كي لا تندثر، ولم نجد من ينصف الهيئة في طرح برامج الإرشاد السياحي وتنظيم الرحلات الذي صنعت معه الهيئة ثقافة جديدة عند المواطنين المهتمين والراغبين في الإنتاج والعطاء بتنظيم رحلات سياحية لجميع مناطق المملكة بعد أن كان ذلك مقتصراً على السياحة الدينية للمدينتين المقدستين، ولم نجد من يذكر جهود الهيئة مع الأسر المنتجة والبرامج التي طرحت لهم وشركاء النجاح لهم جهوداً مقدرة في ذلك، ولم نجد من يثني على جهود الهيئة في تشجيع إقامة المتاحف الخاصة وتنوعها حسب المناطق والثقافات، ولم نجد من يتحدث عن مشرع الملك عبدالله للمحافظة على التراث وبرامجه السبعة الذي بذلت الهيئة فيه جهوداً غير عادية حتى صدر مؤخراً، هذا غير العديد من البرامج والإنجازات التي يطول ذكرها وتحتاج إلى سلسلة مقالات أتعشم في أن أجد متسعاً لتسليط الضوء عليها عبر صحيفتنا الرائدة الجزيرة التي تشعر بحسها الوطني في مخرجاتها وفتح المجال بأكثر من صحفة للإيجابية مع الوطن والمواطن.

ختاماً،,, إن جلد الذات الدائم والإشادة بما عند الغير وعدم ذكر الإيجابية في العطاء الوطني يجعل العجلة تسير ببطء ويصاب القادة والمنفذين بالإحباط لأن زامر الحي أصبح لا يطرب وتتعثر الكثير من الخطوات تبعاً لذلك لأننا أصبحنا نحكم بالشيء قبل أن نراه وهذا هو واقعنا السياحي بل إننا نحكم بفشله حتى لو كانت الجودة في أعلى مقاييسها ثم إن عدم قناعتنا به رغم حاجتنا إليه يجعلنا لا نحافظ عليه ولا نبقيه لغيرنا مثلما نود أن يبقيه غيرنا لنا, وهذا لا يعفي الهيئة مطلقاً من قصور غير مقصود في التعريف بعطاءاتها على نحو مختلف والاستدامة في ذلك مع تغيير القالب الإعلامي حتى لا يمله المواطن، كذلك ضرورة أن يشعر المواطنون والإعلاميون بدورهم في خلق المنظومة السياحية وإشراكهم في اقتراح برامج أو فعاليات سيكونون المسوق لها والمشيد بها، مع تكريم الفاعل منهم، مع ضرورة بناء جسور من العلاقة أكثر وضوحاً مع شركاء النجاح وعلى مختلف المستويات فلهم حق على الهيئة حتى وإن كان ما يقدمونه يأتي في الباب الأول خدمة للوطن والمواطن ولكن هذا من باب الشكر لهم واستنهاضاً لهمم غيرهم، وأخيراً فإن العمل على جمع شتات المؤثرات على سياحتنا المحلية يحتاج لقرار سيادي مثلما صدر مؤخراً قرار مجلس الوزراء الكريم بدعم الهيئة مادياً وإدارياً لتحقيق أهدافها بعدما أمنت الدولة أيدها الله بأهمية السياحة كناتج محلي مساند لدخلها ومستقطب بوظائف لمواطنيها ويعكس للعالم أجمع موروث هذا البلد الكريم وأحقيتها في التفرد على الكثير من الدول سياحياً.