(ما أطيبكِ من بلد، وأحبكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرك) فلم أجد ما أبتدئ به مقالتي أفضل من قول سيِّد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - حين ترك مكة مرغماً، فحب الوطن عشقٌ أبدي متغلغلٌ في كياننا ولا خيار لنا فيه.
فماذا نقول في الوطن، وماذا نكتب عنه....كلمةٌ أثقل من أن تحملها سطورٌ وتصفها كلمات، إنَّه مسقط رأسنا ترعرعنا بين جنباته. رحم الله ابن الرومي حين قال:
وَحبب أوْطانَ الرِجالِ إلَيْهِمُ
مآرِبُ قَضّاها الشَباب هُنالِكا
إذا ذَكَروا أَوْطانَهُمْ ذَكَّرْتُهمُ
عُهودَ الصِبا فيها فَحَنّوا لِذالكا
وحتى يتحقق حبُّ الوطن فينا لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً، ثم المليك ثانياً، والوطن ثالثا، فلا يكفي أن نحبه فمن أحب وطنه حماهُ وأخلص له، وذلك يكون بتحصيل العلم والتعمقِ في الثقافة نحصِّن بهما عقولنا من كل فكرٍ غريبٍ يجنح بها عن الفكر القويم، فإذا صرنا رجالاً أولي علمٍ واطلاعٍ وكانت لنا مواهب ساميةً نتحصن بها من آفة الفراغ الذي هو أصل كلِّ علَّةٍ، ونغلق كل المنافذ دون الأفكار الغريبة التي تعبر الحدود وتضلل العقول. وبالتزامنا النِّظام، والحرص على الانضباط، والتمسُّك بالجماعة؛ نحصِّن وطننا من انفراط عِقْد الأمن واضطراب الأوضاع. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن خرج مِن الطَّاعة، وفارق الجماعة، ثُمَّ مات، مات ميتةً جاهليَّة، ومن قُتل تحت راية عمية، يغضب لعَصبةٍ، ويقاتل لعَصَبةٍ، فليس من أُمتِي، ومن خرج من أمتي على أمتي، يضرب برها وفاجِرَها، لا يتَحاشَى مِن مؤمنها، ولا يَفِي بذي عهْدِها، فليس منِّي)). بالعلم والعمل والانضباط ننهض بوطننا إلى المكانة التي يستحق خلف قيادةٍ حكيمةٍ رشيدةٍ، فلنحمد الله أنَّنا نعيش في وطن حُكَّامه حكماء...دستوره القرآن وسنة نبينا، وما أجمع عليه كبار العلماء. فالأمن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمةِ الإيمان والإسلام، والعاقل من اعتبر بغيره فحين نتأمل حالَ شعوبٍ ليست ببعيدةٍ عنا، يعيشون في بلاد اختلَّ فيها النظام والأمن، فهم ينامون على أزيز الطائرات وأصوات المدافع، ويضع الواحد منهم يده على قلبه ينتظر الموت في أيِّ لحظةٍ، لوجدنا أنَّنا في نعمٍ كثيرةٍ لا تُعد ولا تُحصى وأهمها نعمة الأمن في وطنٍ يصون كرامتنا ويحفظ حقوقنا... (من أصبح منكم آمناً في سربه عنده قوت يومه ومعافى في جسده فكأنَّما حيزت له الدنيا» صدق رسولنا الكريم. فنحن بخير ما أخلصنا في حبِّ وطننا، ودَيدنُنا (يدٌ تبني ويدٌ تحمي). ونحن بخير ما لزمنا غرزَ قيادتنا الرشيدة.