أكد الباحثون في موضوع «كيف يتمثل الفرد العربي للعالم؟» أن الصورة المشوهة للفرد العربي ابتدأتها هوليوود فتم تنفيذ المخطط الصهيوني لتأطير العربي في صورة الفرد الشبق للجنس والمفتقد إلى الحساسية الحضارية, والمستلذ بالعنف والدموية. ولذلك لا يستحق التعاطف معه مهما عبر عن معاناته.
فعلا للإعلام دوركبير في رسم صورة تقرب أو تبعد أفراد مجتمع ما من تعاطف الآخرين.
تابعت في إحدى القنوات الفضائية مؤخرا مقابلة مع شاب سعودي موهوب اسمه عبد الرحمن عايل أخرج فيلما قصيرا لا يتجاوز الربع الساعة يوضح فيه حقيقة ما يواجه المضللين بفتاوى الجهاد بعد أن يصلوا لعضوية تنظيم داعش خارج الوطن ويكتشفوا حقيقته. وكجهادي سابق اعتمد على ما رآه بعينه. كان حظيظاً أن أتيحت له فرصة الهروب من التنظيم والنجاة من فخ الإرهاب المنظم, وأن يبدأ في تصحيح الصورة وتوعية الشباب الآخرين كي لا يقعوا في فك الإرهاب. ورأيت فلمه لاحقا وأعجبت بالفكرة.. وفقه الله
داعش تصلح لكل من يحمل ميولا ذاتية للعنف والدموية والتلذذ بتعذيب الآخرين، وليس كل من اجتذبتهم الفتاوى المحرفة للدين يحملون هذه الصفات. وليس كل من انجذب لداعش فرد عربي بل تطوع فيها مواطنون من الغرب والشرق. ولكن أغلب من جاءها متطوعا جاء يحمل ميراثه الخاص من الشعور بالاضطهاد الفردي أو الفئوي والقهر والرغبة في عكس التجربة وتمثيل دور الآخر «القوي».
أيضا تناقلت شبكات التواصل تسجيلا لحدث حقيقي: رجال عراقيون يلقون القبض على أحد «محاربي» داعش؛ شاب سعودي صغير يبدو في العقد الثاني من عمره. يسأله العراقيون لماذا جئت إلى العراق؟ فيجيب بأنه خرج مجاهدا إلى سوريا فقط ولكنه طلب منه التوجه إلى العراق. وبعد أن يعطوه ماء ليشرب يتهكم عليه أحد العراقيين بكل مرارة: نحن لن نقتلك! ليس ما يفعله المسلمون الحقيقيون؛ ليسوا مثلكم ولا يفعلون فعلكم: يعذبون ويقتلون الأسرى ويعتدون على النساء. ويستطرد المتهكم: تركت مكة والمدينة وجئت هنا؟ جئتم لتعلمونا الدين وترتكبون كل ما ينهى عنه الإسلام؟؟ نحن مسلمون والمسلم لا يقتل المسلمين. تبا لشيوخ أساءوا تعليمكم الدين!
هذه التسجيلات نجحت إعلاميا في توضيح حقيقة ما يجري وكيف يرانا العالم..
داعش اعتمدت إستراتيجيتها تأسيس صورة ذهنية قامت على كل خدع التسجيل, وبث تسجيلات تمثيلية ترسم أعضاءها بصورة أبطال خرافيين كأفلام هوليوود؛ أفراد منتقين بلياقة بدنية كاريزمية يحملون رايات سوداء, ويجرون تمرينات عسكرية توضح استعدادهم وقدرتهم الهجومية, ويتجولون على أحصنة أو يمتطون سيارات دفع رباعي ملوحين براياتهم وبأسلحة حربية فتاكة مروعين سكان كل منطقة يدخلونها.. والأسوأ: تسجيلات لهم وهم ينحرون بعض الضحايا.. ويسجلون فعلهم لزوم تأكيد مفعول الترويع.
الشاب السعودي الذي ألقى العراقيون القبض عليه لم يكن يرتدي الملابس السوداء, بل قميصا أخضر مهلهلاً, ويجري محاولا الهرب, ولا يتمتع باللياقة البدنية. ما يؤكد روايات الشباب الخليجي الذين استجابوا لفتاوى الجهاد وتسللوا عبر الحدود ليكتشفوا حقيقة الكذبة الكبرى. وأمثالهم غالبا غير محظوظين محاولاتهم للهروب من جحيم داعش تنتهي بقتلهم كي لا تفتضح الكذبة.
الإعلام في وسائله التقليدية أو الافتراضية يلعب دورا مهما في بناء وعي المتابع و»توضيح» الحقائق له وتوجيه انتمائه الفكري. وقد استفاد من السلاح الإعلامي الأفراد الخطأ, أولهم الذين استطاعوا الظهور في دور منقذ المجتمع من الخطيئة حتى لو كان ذلك الإنقاذ سيأتي بالاستجابة لنصيحة بالموت, جهاد مشبوه التوجه يقتضي أن يفجر من يؤمن بنصيحتهم نفسه. أما الداعون له فيضمنون لأنفسهم بالإضافة إلى احترام المجتمع فرصة استغلال هذا الموقع المبجل في النجومية الإعلامية وإثراء أنفسهم ماديا شخصيا. بينما المصلحون الاجتماعيون لم يحسنوا استخدام هذه الوسيلة ولم ينجحوا في تسخيرها، وانتهى الكثير منهم عربيا ضحية التأليب المضاد المطالب بقتلهم أو عقابهم بتهم الردة والتغريب.
في الغرب حيث التعددية سمة الثقافة ولكل شخصيته الفردية، تركز وسائل الإعلام والتعليم وعامة المجتمع على الالتزام بالنظام والقانون لحماية الفرد, وتترك مسألة تذوق الأدب والفن واختيار الدين والمذهب خياراً شخصياً.
في المجتمعات التقليدية التركيز يظل على الهوية الجمعية التي تضغط على الفرد وتملي كل مثالياته. وذلك لا يعني التصرف الحضاري الذي جعلته تعليمات الإسلام ملخصا لمعنى الدين في «الدين المعاملة», ولا التصرف الحضاري في الالتزام بالنظام والقانون. بل يعني أن الفرد يسيره التيار السائد في أعراف المجتمع وفي فئته المذهبية بالذات. وهكذا يصل أبطال الإعلام إلى النجومية والتأثير لأنهم لا يبالون أن تكون إثارة الفتنة طريقهم إلى ربح النجومية.