تردد كثيراً في الآونة الأخيرة مسمى المسئولية الاجتماعية للشركات اتجاه المجتمع ودورها في العمل الجماعي، وهذا أمر إيجابي للغاية ومثمر، لكن هل تم توظيفه بالطريقة الصحيحة؟.. وهل تم فعلاً سد حاجة المجتمع لخدمة ما؟.. وكيف سيتم تقديم هذه الخدمة؟.. نجد أن العديد من الشركات التي بادرت بخدمات المسئولية الاجتماعية كان هدفها الأسمى هو تسويق اسمها أو منتجها، وبالتالي فقدت الخدمة الاجتماعية جوهرها الحقيقي واتجهت الرؤية للربح المادي الذي يطغى على الشعور الإنساني الاجتماعي فعندما تقوم شركة ما بإعلان اجتماعي، تجد أن خلف هذا الإعلان يُوجد فكر مادي إما لتسويق منتج ما أو أن الشركة مثلاً تنوي أن تكون شركة مساهمة عامة، وذلك لكسب ثقة الجمهور وشراء أكبر عدد من الأسهم لديها، وبالتالي تكون الخدمة الاجتماعية قد وظفت للربح المادي أي أن الخدمة الاجتماعية قدمت لفئة خاصة ممن يستطيعون شراء الأسهم وممن لا يحتاجون إلى الخدمة الاجتماعية، وهذا نتيجة التوظيف الخاطىء لهذه الخدمة، فتقوم معظم الشركات بوضع إعلان اجتماعي أو رعاية برنامج والهدف الحقيقي هو تسويق ذاتها بأنها شركة تشعر بالمجتمع، وبالتالي تحصل على الثقة المجتمعية، فبالوقت الذي تهدر هذه الشركات الملايين على هذه الرعايات، كان يمكن أن توظف لافتتاح مراكز تدريب أو مراكز خدمات اجتماعية وتأهيلية أو مستوصفات، لكن عندما يطغى الفكر المادي على العمل الاجتماعي الخيري، من الطبيعي أن لا تستفيد الشريحة المحتاجة للخدمات من هذه الأعمال الاجتماعية.
دائماً نقرأ بالصحف عن الشركة الفلانية ومسئوليتها الاجتماعية الرائعة وعن المطاعم الفلانية وخدماتها للشباب والعمل على تطويرهم وصقل مواهبهم، وعن المركز الطبي الفلاني ودوره في خدمة المجتمع أو المستشفى الفلاني وتقديم خدماته المتناهية للمجتمع.. وكنا نشعر بغبطة رائعة لما يقدمونه لهذا الشعور الاجتماعي النبيل.
لكن مجرد ما أن ينتهي الغرض التسويقي من هذه الحملة الاجتماعية حتى لم نعد نرى لبعض هذه الشركات والمستشفيات والمطاعم والبنوك وغيرها الدور الحقيقي في مسئوليتها الاجتماعية التي يجب أن تتجلى وتظهر نتائجها بشكل مستمر.
إن المسئولية الاجتماعية ليست وجهاً من وجوه (البرستيج) الاجتماعي، وليست أسلوباً من أساليب الترف التسويقي غير المباشر سواء للمنتج الملموس أو السمعة المعنوية، وليست نشاطات تهدف إلى الشهرة الإعلامية.. إن المسئولية الاجتماعية هي الشعور الحقيقي بالمجتمع الذي يعيش بيننا ومعرفة ما يتطلبه المجتمع وما يحتاج إليه من خدمات حقيقية، لكننا نرى أن بعض أقسام المسئولية الاجتماعية في الشركات والبنوك لا تلبي حقيقة حاجات اجتماعية ملحة وضرورية ولا تعمل وفق منهج علمي مخطط له ومدروس, إن بالمسئولية الاجتماعية دراسة خاصة تُسمى (إدارة الأزمات) وهي دراسة مستفيضة تعمل على تكوين فريق عمل متكامل يخطط وينفذ بشكل متسارع محتوٍ للأزمة الاجتماعية الحاصلة ويقوم بعمل تقييم ناتج عملي يومي بشكل احترافي دقيق, فتلك الشركات أو رجال الأعمال يربحون مبالغ طائلة، فأولى أولوياتهم هي أن يفكروا جيداً في دعم المجتمع الذي يعيشون به، وهذا الدور يجب أن يتحول من عمل اختياري غير مدروس إلى عمل إلزامي مدروس يفرض عليهم من قبل الجهات الحكومية ذات الاختصاص.
آمل من أقسام المسئولية الاجتماعية في البنوك والمطاعم والمستشفيات والمراكز الطبية والشركات الكبرى أن يكون لها دور أكبر في المجتمع الذي يعيشون فيه ويكون الهدف الحقيقي هو المسئولية الاجتماعية، وليس الأعمال التسويقية.