المسؤولية الاجتماعية معين لا ينضب من العطاء، يستمد سنده وقوته وقيمته ومرتكزاته من تعاليم ديننا الحنيف. وعماد المسؤولية الاجتماعية التعاون والتآزر والإيثار والمشاركة الفاعلة مع قضايا المجتمع. وهي التي تكسب الفرد والجماعة الإيجابية الحقيقية في مجتمعاتهم، ولقد أصبح هذا الأمر واقعا معاشا بفضل الله بعد أن كان أملا لمن يملكون افقا رحبا وتطلعاً مجتمعيا واسع المشاركة، ومثاليات ينادي بها المنظرون والباحثون عن لفت الانتباه أو لمن يفتخر بها ممن هم دعاة الشهرة والحضور الشعبي، ولكن مع نضوج الفكر وحقيقة العطاء والإحساس بالواجب تسابقت قطاعات الأعمال (شركات وبنوك) وكذلك الأفراد الموسرون إلى استحداث برنامج الأسر المنتجة كأحد روافد وعطاءات خدمة المجتمع وهو من واقع احساسهم بالدور الذي عليهم القيام به تجاه الوطن والمواطن، وأصبحت تلك الاسر بدعم الخيرين بعد أن كانت في حال من الفاقة قد انتقلت إلى حالة من الاكتفاء الذاتي أو الثراء، وأصبح هذا البرنامج نواة رائعة لمشاريع تجارية حققت لأهلها مالم يكن في حسبانهم، وخلقت لهم فرصا وظيفية ومصادر للدخل كريمة وإحساسا بالوجود والفاعلية في المجتمع بدلاً من إحساسهم السابق أنهم عالة عليه، وتبدلت الحال من الاستجداء إلى البذل والعطاء.
إننا لسنا منظرين ولا نبالغ اليوم إذا قلنا: إن البطالة لا يمكن أن تكون في مجتمعنا السعودي لو أصبحنا منتجين (أفرادا وجماعات) وتركنا الاتكال على الدولة أو على القطاع الخاص في وظيفة جامدة وكرسي دوار وراتب لا يكفي نصف القوت الذي كان سبباً في تأخر عجلة الحياة وزيادة نسب الفقر وكثر العزاب وزادت العنوسة وأصبح العاطل يعيش بلا طموح وبدون رؤية أو رسالة ولا هدف الا انه ينتظر الوظيفة من أجل لقمة عيش تكفيه عن الفقر، وترك العاطل ورفاقه الثراء لأصحاب القلوب المتوكلة على الله تصبح كالطير تروح خماصا وتعود بطانا من فضل ربها، ولم يعلموا ان من يأكل من كد يده عند الله أقرب ممن أوكل إلى الوظيفة واتكل عليها، فمن اعتمد على شيء أوكل اليه، ونعلم ان كل شيء مربوط بقدرة الله وتدبيره ونعلم كذلك ان درجة يقين من يأكل من عمل يده بربه أقوى من المتقاعس الذي ينتظر التعيين على الوظيفة لارتباطها بالبشر في التعيين والترقية والحوافز والمزايا وسيظل يلهث وراء رضا المخلوق ويترك رضا الخالق في الاعتماد على النفس وفعل السبب وتلمس الخيرة في أي الطرق خير، وهذا لا يعني أننا ضد الوظيفة بالجملة، ولكننا ضد الاتكال عليها دون بذل للأسباب الأخرى المعينة على الكرامة والمحققة للكسب المباح والدالة على الاستفادة من فرص هذا البلد الكريم.
ولعل مؤتمرات المسؤولية الاجتماعية وملتقيات خدمة المجتمع السنوية لتؤكد أهمية دعم الأسر المنتجة حيث تفتخر الجهات الداعمة لهذا التوجه بتلك الخطوة وتستعرض نتائجها والمبالغ المستثمرة فيها والمخرجات التي صدرت عنهم، ولذا أصبحت بحمد الله رافداً اقتصادياً هاماً لا يستهان به وتراهم في كل مناشط ومهرجات الصيف والإجازات، وفي كل المناطق فهم إما أصحاب صنعة أو أصحاب حرفة وانتقلت من كونها بيد واحدة وتباع لعدد محدود إلى أياد كثيرة، وأصبح إنتاجها يسوق على النطاق الاقليمي والمحلي، وكذلك الدولي، ولعل العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عموم مناطق المملكة قد بدأت من خلال تلك البرامج التي ساهم بنك التسليف والهيئة العامة للسياحة والآثار وشركاء النجاح لديهم في تعزيز ذلك التوجه ودعمها وتقديم المشورة لها بالإضافة إلى ما سبق الاشارة له في تبني الكثير من البنوك وقطاعات الاعمال والموسرين تفعيل برنامج الأسر المنتجة.
إن التوسع وتبسيط الإجراءات في دعم الاسر المنتجة وإقراضها سيحقق للمجتمع نقلة نوعية في مقتنياته، وكذلك في تغليب مبدأ الجودة في الانتاج بدلاً من المستورد الرديء مع تحقيق فرص عيش كريمة للأسرة السعودية لأن النماذج الناجحة كثيرة ولقد حققت مستويات من الدخل تعدى الاكتفاء إلى الثراء، وهذا ما نراه أمراً إيجابياً ينبغي دعمه والتفاعل معه، ولا نبالغ إذا قلنا: إن دعم الاسر المنتجة يأتي من باب الصدقة الجارية التي يستمر أجرها للمتصدق إلى يوم القيامة، ويكفيه أنه اصبح سبباً من سد الفاقة وتحقيق الاكتفاء وحتى أصبح سبباً في الثراء القادم لتلك الاسر التي ربطت الاكتفاء بالكرامة وأصبحت علامة جودة في الاعتماد على النفس مع مقتها لمد اليد والاستجداء الذي يمسح المهابة عن الوجه ويحقق الذل فيها ويجعلها ممتهنة بسبب ركودها وعجزها وكسلها، ولذا شمرت عن سواعدها وأصبحت مصدر عطاء وأرضاً خصبة للنجاح المتفق مع سترها وعفافها وحشمتها وتقاليد وطنها وثقافتها الاسلامية الرصينة.
في الختام، نرى أن على البلديات دوركبير في ذلك يكمن في تخصيص أماكن دائمة لعرض منتجات تلك الاسر مجاناً في الاسواق المركزية الخاصة بالبلديات وتفعيل القسم النسائي في مراقبة ما يخص النساء في هذا الجانب وعلى المجلس البلدي متابعة هذا الامر حتى يكون واقعاً تفتخر به المحافظات والمناطق في آن واحد، كما ان على قطاعات الاعمال المنافسة في دعم برامج الخدمة الاجتماعية التي يمثل برنامج الأسر المنتجة أحد ابرزها نجاحاً، وعلى هيئة السياحة والآثار ان تسلط الضوء على إنجازاتها مع تلك البرامج لأنها هيئة تحظى بالموثوقية وفي مناشطها نرى نماذج لتلك الأسر، وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية دعم تلك الاسر بدلاً من جعلها ترتاد الضمان الاجتماعي والمستودعات الخيرية بحثاً عما يسد الفاقة ويشبع الجوع ويقتل الظمأ، وعلى وسائل الاعلام ان تبحث عن النماذج الناجحة وإن كثرت لتلقي المزيد من الضوء عليها لتخلق القدوة الحسنة في المجتمع، وعلى وزارة التجارة ان تسرع الخطوة في إصدار سجلات تجارية للعمل من المنزل حتى يكون تنظيما مؤسسيا دقيقا، وعلى التأمينات الاجتماعية ان تسهل اشتراك الأسر في نظامها حتى لا تضيع الجهود بعد سنوات العمر النشطة وحلول شبح التقاعد، كما ان على تلك الأسر التي استفادت من تلك البرامج ان تكون مدرسة تسويقية للأسر الاخرى الراغبة في الانتاج وتأخذ بيدها وتختصر لها الطريق الذي يصاحب بداياته الكثير من العقبات، وسنصل في يوم من الأيام إلى أن يكون المجتمع كله مجتمعاً منتجاً دون ان يكون لدينا عاطل واحد بإذن الله مع ضرورة بحث الأسر المنتجة عن نشاطات مختلفة ومبتكرة على ألا نكرر بعضنا في الفكر أو في المنتج لأن درجة التشبع ستزداد ويضعف الاقبال وتزداد المنافسة وتقل الأرباح تبعاً لذلك.
فبل الوداع، وطننا أمانة في أعناقنا فعلى القادرين العطاء، وعلى المحتاجين البحث عن العمل وليكن لعنصر المبادرة والتنافس دور في حياتنا ولجميع الاطراف ولكل الاعمار والاجناس حتى ننهض به وينهض بنا وننعم بخيراته وأمانه وأهله.