عنيزة - عطاالله الجروان / تصوير - عبدالرحمن العقيلي:
عرف عن متنزهات الغضا بعنيزة بأنها غابة شاسعة المساحة وسط رمال (المصفر) وتشتهر بكثرة أشجار الغضا فيها، وتحتل هذه الغابة أهمية بالغة لدى أهالي عنيزة حيث أنهم حافظوا عليها منذ عشرات السنين، وحموها من عبث أعداء البيئة، وبحس وطني كبير واهتمام كبير بالمحافظة على البيئة أصبحت تلك المتنزهات مكانا هاما في خريطة الوطن الكبير، وقد يغيب عن الكثير من محبي تلك المتنزهات بأن هناك مجموعة من المواطنين الصالحين كان لهم دور فاعل وساهموا مساهمة مباشرة في حماية ومراقبة أهم منتزه طبيعي في قلب الوطن.
الجزيرة حصريا استطاعت قراءة التاريخ الجميل لمتنزهات الغضا، وقلبت صفحاته صفحة تلو الأخرى، وبرز اسم هام ولامع في ذلك التاريخ، وكان من الضروري أن نبحث عن تلك الشخصية الهامة، ونعيد معها قراءة التاريخ بشكل أدق، وبعد رحلة بحث عن تلك الشخصية وهل بإمكاننا أن نسطر معه حروف تلك الحقبة الزمنية الجميلة؟ تحقق لنا ذلك حيث التقينا أول قائد دورية لحماية الغضا في عنيزة قبل ثمانين عاما تقريبا، والذي شارف عمره على المائة عام، ولكنه يتمتع بذاكرة جيدة حتى الآن، أمد الله في عمره ومتعه بالمزيد من الصحة والعافية.
العم سليمان بن علي بن عبيد العبيد والملقب (بالدهينة) وهو من مواليد عام 1336هـ استقبلنا في مزرعته بعنيزة بحضور ابنه خالد وعدد من محبي قراءة التاريخ، وأجرينا معه الحوار التالي:
- من أول من كلفك بمراقبة الغضا؟
يقول العم سليمان أول من كلفني بمراقبة الغضا وحمايته أمير عنيزة عبدالله بن خالد بن يحيى السليم (تولى إمارة عنيزة من عام 1335هـ إلى عام 1374هـ)، وكان عمري آنذاك 14 عاما تقريبا، وكنت أراقب الغضا على حصان، وكان ذلك لمدة 3 سنوات.
- لماذا اختارك الأمير عبدالله للقيام بهذه المهمة؟
كان مشهودا لي بمعرفة مناطق المراعي بعنيزة وأعتبر أوثق دليل في متنزهات الغضا.
- بعد الحصان ما هي وسيلة النقل التي أكملت عليها حماية الغضا؟
في عام 1385 هـ استلمت سيارة نوعها فورد وأبوابها (خشب) وتعلمت القيادة وكان عمري 16 عاما تقريبا، وتم اختباري في سوق (مصعد) بعنيزة وطريقة الاختبار أن أمر بالسيارة مع هذا الشارع وإذا لم أصدم أحد أنجح ولله الحمد نجحت وحصلت على رخصة القيادة، ووافق هذا العام إنشاء أول وحدة زراعية في عنيزة وكان مديرها إبراهيم الحمد الفرج (حبودل) رحمه الله وهو من رجال الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
- ماهو الموقف الطريف الذي حصل معك أثناء قيامك بالعمل في حماية الغضا على السيارة؟
أطرف موقف أتذكره حتى الآن أن السيارة موديل 1974م تعطلت في متنزهات الغضا ولم أعرف تصليحها وكانت المسافة بعيدة جدا عن وسط (الديرة) وتوكلت على الله وقطعت المسافة مشيا على الأقدام ووصلت بعد صلاة المغرب.
- من هم الأشخاص الذين كان لهم معكم أدوار فاعلة في حماية الغضا؟
يقول العم سليمان يعتبر الوجيه عبدالله عبدالرحمن السليم أبو نجم من أهم من ساهم في حماية الغضا، وهو من سعى لوضع حدود رسمية لمناطق المراعي بعنيزة، وكنت أساعده في تحديد حدود المنطقة.
- هل كان هناك نظام للعقوبات للمتعدين على أشجار الغضا؟
يذكر ضيفنا بأنه كان يوجد نظام للعقوبة لمن يعتدي على أشجار الغضا ومن العقوبات السجن (بالخشبة) بمنارة جامع عنيزة وغرامة 5 ريالات وأحيانا تضاف عقوبة الجلد.
- اشتهرت متنزهات الغضا بوفرة الربيع، صف لنا تلك الأجواء التي عشتها مع ربيع الغضا؟
يؤكد العم سليمان بأن الربيع كان مبهرا في تلك المتنزهات وتغطي أراضيه غطاء نباتي أخضر زاه من جميع أنواع الأشجار والأزهار والأعشاب، وكان أهالي عنيزة يخرجون لإقامة المخيمات في متنزهات الغضا لأكثر من شهرين حتى في أوقات الأعياد، وكانت تكثر الكمأة في منطقة (الغميس) ومنطقة (بلاد القصيم)، وكانت الأمطار تهطل في بعض الأعوام لأكثر من شهر، إلى درجة أن الحشائش تنمو على جدران المنازل الطينية.
- من الأمراء كان يزور منتزهات الغضا؟
يذكر العم سليمان بأن صاحب السمو الملكي الأمير عبد الإله بن عبدالعزيز أمير القصيم سابقا كان يحب زيارة الغضا باستمرار وكان لنا معه جلسات سمر (وكشتات) ممتعة وقضينا معه حفظه الله أوقاتا سعيدة للغاية، وكان يشيد بحماية الغضا.
- كيف ترى تعامل الناس في هذه الأيام في متنزهات الغضا؟
أخرج العم سليمان من صدره تنهيدة تحمل معاني معبرة وقال حال الناس اليوم لايسر أبدا فهناك من يتعمد إفساد المتنزهات البرية وتشويهها بالقذارة وتقطيع الأشجار، بالرغم من كثرة برامج التوعية المستمرة التي تقوم بها محافظة عنيزة ومديرية الزراعة ولكن لا يزال هناك من يشوه أجمل المناطق الطبيعية في بلادنا، وأنا وعبر الجزيرة أنصح جميع الناس بأن يحافظوا ويهتموا بالغضا فهو أهم مكان طبيعي في عنيزة ومتنفس مهم لهم فإذا لم يحافظوا عليه كما حافظنا فسوف يصبح مكانا غير مناسب للتنزه والرحلات البرية، كما يجب على الآباء والأمهات توجيه ونصح أبنائهم للمحافظة على متنزهات الغضا وغيرها من المتنزهات والأماكن العامة في بلادنا الغالية.
- سبق لكم الالتقاء بصاحب السمو الأمير بندر بن محمد بن سعود الأمين العام للهيئة السعودية للحياة الفطرية، كيف كان لقاؤكما؟
في عام 1428هـ تشرفت بلقاء سموه الكريم وكان لقاء جميلا وأشاد سموه كثيرا بمتنزهات الغضا ونجاح أهالي المحافظة بحمايتها والمحافظة عليها، كما أنه أعجب كثيرا بعمل مديرية الزراعة في المتنزهات البرية، وما يتمتع به أهالي عنيزة من وعي بيئي مستوطن منذ عشرات السنين، وفي الحقيقة كان لقائي بسموه الكريم ذكرى جميلة وغالية عندي، وأتمنى أن يتكرر اللقاء معه مرات عدة، فهو شخصية تتقد حماسا لحماية البيئة في بلادنا، وأدعو الله أن يوفقه في عمله وحياته.
- من اللقاء:.
- يتمتع العم سليمان العبيد بروح جميلة وخفة ظل رائعة، ويحب أن يكون مجلسه عامرا بالابتسامة على جميع من يجلس معه، ويجيد سرد القصص عن حياته والمواقف التي مرّت عليه بأسلوب فكاهي ممتع.
- ذكر بأنه يلقب (بالدهينة) لأنه يحمل (الدهن والزبد والسمن) معه دائما، مما جعل زملاءه وأصدقاءه يفضلون الترحال بصحبته لأنه (يوسع صدورهم) حسب تعبيره.
- ذكر بأن والدته منيرة السليمان الجبالي (جباله) اشتهرت بالطب الشعبي، وقامت بمعالجة الأمير نورة بنت عبدالرحمن أخت الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وأمر الملك عبدالعزيز ببناء منزل لها في عنيزة ولكنها رفضت، وكان الملك عبدالعزيز إذا زار عنيزة يحرص على زيارة مزرعة (الخريجية) وهي مزرعة العم سليمان وعائلته.
- يعتز العم سليمان ببندقية (الجهاد) قدمها له الملك عبدالعزيز وبحسب التاريخ المكتوب عليها فعمرها 124 عاما.
- بدا واضحا تأثر العم سليمان بما كانت تنوي البلدية تنفيذه من مشروع لطريق يخترق الغضا، وأبدى استياءه وحزنه وقال يجب أن يمنع تنفيذ أي مشروع يسيء للغضا وأشجاره التي حافظنا عليها لأكثر من ثمانين عاما، فهذه الغابة حق لكل مواطن ويجب أن تبقى على جمالها كمتنزه بري رائع.
- ابنه خالد ملازم لوالده في جميع الأوقات ويتنقل معه إلى كل مكان، ولا يغيب عنه ويحرص على راحته، ويتعاملان كصديقين، وكان الأستاذ خالد سهل لنا لقاء والده وظل معنا لأكثر من أربع ساعات، وساعدنا في الكثير من المعلومات التاريخية، كما أنه قدّم شكره الجزيل لصحيفة الجزيرة على دورها الكبير في حفظ التاريخ الجميل للوطن الغالي.