من البرنامج التجريبي لرسوم الأطفال من حكايات كليلة ودمنة
وسط الصحراء الواسعة، نمت شجرة ضخمة ووحيدة، عاش عليها زوج من الحمام، ذكراً وأنثى، لا يشاركهما فيها طائر آخر ولا يسعى تحتها أي حيوان، كانت الحمامة تحن إلى الأيام التي كانت تعيش فيها بين قريباتها وصاحباتها وضيق بحياة الوحدة هذه، وكلما سألت زوجها عن السبب، لا تحصل على أكثر عن همهمة غير مفهومة، وعندما حلّ الشتاء لم يجدا ما يأكلان إلا بعد عناء كبير فيعودان إلى عشيهما منهكين لا يقويان حتى على تبادل الحديث، فتقول الزوجة «ألا يجدر بنا بعد كل هذا العناء، أن نفكر في العودة إلى حيث كنا، حيث الطعام المتوافر طول السنة» فيجيبها «بل سنبقى حيث نحن، وقد أخذت قراري بعدم العودة مهما لاقينا من المصاعب والمتاعب فتسأله «لو كنت فقط أعرف السر في هذا، اشرح لي سبب هذه الوحدة التي ارتضيتها لنا». فيقول: «هيا.. هيا نمضي للبحث عن الطعام بدلاًَ من تبادل الأحاديث التي لا تنفع «إلا أن في يوم شعرت الحمامة بالتعب ولم تقو على الطيران فسألها زوجها: وهل تتحملين ألم الجوع» فقالت ساخطة «وماذا أفعل، سأتحمل وليحدث ما يحدث» ثم بكت بألم، رقّ قلب الزوج وحاول التخفيف عنها وهمّ بالتحليق هارباً من أسئلة الزوجة، إلا أنه عاد وقرر أن يكشف لها السر الذي تسعى إلى معرفته، قال الزوج «أنا أشد منك رغبة بالعودة إلى الأقارب والأصدقاء، لكن ماذا أفعل فأنا لا أطيق أن أرى لهم أطفالاً صغاراً، وأنا وأنت محرومان من هذه النعمة، لذا قررت أن أعيش وحيداً إلى أن أرزق بصغار مثل باقي الحمام».
طال صمت الحمامة ثم قالت بصوت خافت «لكن يا زوجي العزيز.. هذه إرادة الله.. يمنح البعض الجمال ويحرم منه البعض الآخر، ويعطي للبعض القوة ويخلق الآخرين ضعفاء، يزرق البعض الأولاد ويحرم البعض الآخر منهم، وعلينا أن نرضى بما قسم لنا وأن نعيش بأفضل ما أعطاه لنا». فقال الزوج «أعلم هذا، لكن علمي لا يمنع انقباضي كلما رأيت أصحابي تمتلئ أعشاشهم بالصغار أرجو أن لا تعودي مرة ثانية إلى هذا الحديث». انقضى موسم القحط وحل الربيع وتوافر الطعام فقررا العمل بجد واجتهاد لملئ عشيهما بحبوب الشعير ليكون زاداً في فصل الشتاء وتعامدا على عدم من ما في العش من شعير قبل أن يأتي موسم الشتاء مهما كان السبب.
وذات يوم رأى الزوج غراباً يحلق حول الشجرة ثم يهبط إلى الأرض ويعبث فيها بمنقاره فغضب وقال لزوجته «ماذا يريد هذا الغراب؟» فأجابته «هو حر في ما يفعله، ما دام لا يعتدي على شيء يخصنا» فصاح بغضب «ألم يجد مكاناً آخر يحوم حوله غير هذا المكان» فقالت «الأرض التي تحتنا والهواء الذي حولنا، خلقه الله ملكاً للجميع، وليس من حق أحد أن يحرم منه الآخرين» فأجابها «لا بد من طرده، وتأديبه» فقالت «لماذا، ولأي سبب؟» فقال «إنني أعرف غرضه الخبيث، لابد أنه عرف أننا ندخر في عشنا ثروة من الشعير وهو يريد أن يستولي عليها» فقالت «لماذا تسيء الظن به، قبل أن تعرف حقيقة أمره!» عاد الزوج للوقوف بجانبها وبقي صامتاً يفكر بكلماتها ثم قال «سأستمع إلى نصيحتك، لكن لو لمحت منه نية الغدر فلن أرحمه من عقابي» وطار حيث يقف الغراب ليسأله «ما الذي تبحث عنه في الأرض أيها الغراب؟ هل أنت جوعان، وتبحث عن شيء تأكله».. نظر الغراب إلى الزوج «لست جائعاً، إنما سقط مني شيء وأنا أقوم بالبحث عنه الآن» فعاد يسأله من جديد «وما الذي تبحث عنه؟ هل في الأمر سر لا تريد أن تبوح به لأحد؟» وأمام الإلحاح بدأ الغراب يحكي قصته فقال «أنا أعمل في خدمة الملك وقد أرسلني بلؤلؤة ثمينة لأسلمها لصائغ مشهور يعيش عند شاطئ البحر ليصنع منها خاتماً يهديه إلى زوجته، وبينما كنت أحلق فوق المكان سقطت اللؤلؤة من منقاري فهبطت البحث عنها». عاد الزوج إلى عشه وحدث زوجته حكاية الغراب فقالت «أرأيت.. إن سوء الظن لم يكن في محله». وبعد أيام اختفى الغراب فتساءل الزوج «أين ذلك الغراب!» فأجابت الزوجة «أنت هكذا دائماً.. تقلق عندما يحوم حولك الغراب وتقلق عندما يختفي» فقال باطمئنان «على كل حال هذا أنسبوقت للرحيل». فقالت الحمامة بضيق «لكن سأكون وحيدة في هذا المكان ويصيبني السأم» فأجابها «سأعود قبل أن يحل الشتاء، وأرجو أن لا تقربي الشعير الذي في العش حتى أعود من رحلتي» فقالت «أعرف هذا وقد تعاهدنا على ذلك».
بقيت الحمامة حزينة وحيدة فوق الشجرة، إلى أن أبصرت زوجها عائداً بعد طول الغياب في آخر أيام الخريف، فانطلقت طائرة تستقبله بالترحيب والتحية، وأخذه تسأل عن أخبار رحلته، وعندما انتهت حكايات الزوج، توجه إلى العش ليطمئن على حبوب الشعير، وما أن وقعت عيناه على العش حتى صاح «ما هذا من الذي أكل الشعير» وبدأ يتهم زوجته بأنها أكلت من الشعير إلا أنها ثارت قائلة «كفى حماقة، قبل أن تثور وتوجه الاتهامات الظالمة.. ابحث أولاً عن سر ما جرى» فانقض عليها بمنقداره يضربها بكل قوته صارخاً «أيتها الكاذبة.. ايتها الكاذبة» وهكذا استمر الزوج في مهاجمتها ومطاردتها حتى سالت دماء الحمامة وارتمت فوق أحد الأغصان لا تقوى على الحركة، عندها توقف الزوج عن الهجوم ومضى مبتعداً، لم تستطع الحمامة الطيران أو الحركة، فبدأ الزوج يشعر بتأنيب الضمير وأخذ يعتذر، لكنها وضعت رأسها أسفل جناحها هاربة من سماع حديثه وبعد عدة أيام ماتت الحمامة متأثرة بجروح جسدها وقلبها.
أحس الزوج بفداحة الجريمة التي ارتكبها، وبدأت دموعه تتساقط، ومع حلول فصل الشتاء بدأت قطرات المطر تتساقط، ففكر أن يهجر المكان الذي يذكره بجريمته، وحين همّ بالطيران تذكر أنه لم يأكل شيئاً منذ جاء من رحلته فاتجه إلى العش ليأكل من الشعير وكانت المفاجأة. لقد عاد الشعير يملأ العش حتى حافته,.. كيف.. ومتى؟ عندها رأى قطرة من قطرات المطر تسقط فوق الشعير فعرف الحقيقة كاملة.. لقد جف الشعير في فصل الصيف فضمر وبدا ناقصاً، لكن ما أن حل الشتاء وسقطت الأمطار حتى انتعش من جديد وزاد حجمه ليملأ العش، وفي تلك اللحظة صرخ صرخة عالية وسقط مغشياً عليه، فقد أدرك الظلم الذي أوقعه على زوجته وحماقته واندفاعه حين اتهم زوجته المخلصة الصادقة بالكذب والسرقة، فاقترب من جسدها يقبله ودموعه تتساقط فوقها ويقول «لن أغفر لنفسي هذه الحماقةن بل لن أطيق الحياة من بعدك أيتها الزوجة الوفية» وما أن مضى أيام حتى لفظ أنفاسه الأخيرة مرتمياً إلى جوار جسد زوجته التي راحت ضحية حماقته.
** ** **
رسـوم
1 - تمارا جابي بطشون 10 سنوات
2 - زيد فهد عطاري 10 سنوات
3 - زيد عبد الله شركس 10 سنوات
4 - زينة عبد القادر الكيلاني 10 سنوات
5 - أندرو ايلي عوّى 10 سنوات
6 - فيصل مهند مرار 9 سنوات