لم يعرف حلاوة المشي على يديه إلا بعد أن رأى المسرح بالمقلوب، افتتن بـ”مولن روج” وعرضها المبهرج، وأزيائها الفاتنة الخلابة، وجمالها الآخذ،وتصفيق الجمهور الحاد الذي لا يعرف الفرق بين الألم والحياة، لا يعبأ سوى بقضاء موعد يصطاد منه فريسته، ومن هي؟
أطلقوا عليها ملكة المسرح الكبير، عندما تصفق بيدها، أو تدب فى الأرض برجليها، تندفع صفارات الموسيقى العالية، وتتمايل الراقصات في فساتين كاشفة بألوان تزيح شبكة العين من بؤبؤها بين يدي الراقصين.
يعلو العازفون بنوتاتهم الصاخبة، وينزل الفارس معها ليمتلكا ناصية الجمهور وألبابهم فيحملها عاليا وترتفع أعينهم معها إلى فضاء المسرح ثم يسقطها بسرعة تنكتم معها الأنفاس خشية عليها هي فقط، فكلهم أغوتهم بعيونها، ونظرات تنتقل بين كل عظيم يرتدي حلة غالية.
تبحث فى وجوههم عن شيء من أجلها، تراودهم بكفيها وخصرها وما تكشفه قصدا وتداريه عمدا، وأنوفهم ممتدة أمامهم وأكف ترتفع مع كل علو وهبوط.
أنا لازلت أمشى على يدي أصافح الأقزام هم فقط من يتطلعون إلى بهلوان يقفزكقرد لا يعبأ بتواجده أحد، فهي فقط من يأتون لها، اليوم سوف أرفض العمل فيحق لي أن يأتي الناس لأجلى وسوف أصر على تقديم عرضي لوحدي، إنها مغامرة ولكن لابد من الخوض فيها، ومن سيوافقني على ذلك ؟
لا أدرى سوف نرى !هل أذهب إليها مباشرة أم إلى آمر السجن أقصد السيرك؟! السجن !!!!طنت الكلمة في أذنيه واخترقت جدار الطبلة وعلا صوته في صراخ هستيرى،لأول مرة يعرف المكان الذي يعيش فيه، وهى هل تعرف؟ إن سجنها أكبر بكثير منى، !أنا اليوم أهذى سوف أذهب إلى الشاطئ كى أعود إلى رشدي، رشدي !! هذا الفتى الذي كان يهذى منذ سنوات مضت، وترك السيرك ورحل يا له من فتى نبيه أدرك أبواب السجن قبل أن تغلق عليه وهو في ريعان شبابه ورحل عنها، شباب نعم وأنا لم أعد شابا وقد أُغلقت علي الأبواب من زمن، وهى هل يشفع لها شبابها كي تفر من براثن تلك الجدران المفتوحة وهذا الفضاء الرحب وهذه العيون الجائعة؟ ذهب إلى الشاطئ سار خطوات رأى الشمس في الأفق تناديه ارتفع في الهواء ونزل على يديه يمشى، التف حوله الصغار فرحين ابتسم لهم وأيقن أن المشي على يديه هي جداره الذي لن ينفك عنه أبدا..