مع نهاية العقود الأخيرة من الألفية الثانية وبداية السنوات الأولى من الألفية الثالثة شهد العالم تطورات متلاحقة تواكبت مع أحداثٍ جسام ضاعفت من آثارها..وتحولت بفعلها كثير من هواجس الدول إلى هواجس دولية انعكست آثارها على كافة احتياجات واهتمامات البشرية على مستوى المعمورة.. ولعل أهمها المبادئ القانونية التي فُرِضت على كافة دول العالم لتواكب اتجاهات وتطورات الأحداث في ظل عالم متغير تحت تأثير تحديات العولمة وما أفرزته من أفكار ومبادئ جديدة وصلت إلى مستوى
إلغاء الحواجز التقليدية حتى ما بين التشريعات والقوانين بين الدول ما جعلها رهن أهداف ومصالح الدول المهيمنة وتحت وصايتها.
وكما هو معلوم.. أن القوانين في أي عصرٍ من العصور وعند أي شعبٍ من الشعوب هي وليدة ظروف التاريخ.. وثمرة تطور المجتمعات نتيجة لعوامل مختلفة متصلة الحلقات ومتدرجة في النمو والارتقاء.. وأي تغيير أو تفاعل بين الأمم والحضارات المختلفة فلا بد له أن يطال تأثيره قوانين تلك الأمم.. وقد تجلى ذلك منذ القدم من خلال تفاعل الحضارة المصرية القديمة مع الحضارتين اليونانية والرومانية على نهج ومسيرة نظم قانونية سنتها تلك الأمم وأصبحت قوانين سائدة على حضاراتهم.. ففي الحضارة المصرية القديمة كان القانون الفرعوني أقدم قانون معروف في تاريخ البشرية.. واستمر العمل بهذا القانون إلى ما يزيد عن ثلاثين قرناً إلى أن ظهر إلى جانبه قانون جديد هو القانون الإغريقي وطُبِق فقط على الإغريقيين الذين استوطنوا مصر.. ومع مرور الزمن نتج عن تطبيق القانونين معاً وفي بلدٍ واحد تفاعل بينهما أدى إلى سنِّ قانون مشترك بين المصريين والإغريق اصطلح على تسميته بالقانون المصري الإغريقي.
ولا شك أن التقاء الحضارات في عالم القانون تعتبر نقطة في غاية الأهمية..كونها تكشف عن القيم والمبادئ التي تعتنقها كل حضارة من الحضارات ليكون دور القانون هو العمل على حمايتها وصونها من العبث أو التزوير.
وكما أسلفت القول إن كثيراً من الأمم والمجتمعات عرفت القوانين والتشريعات في عصورها المبكرة واعتبرته مظهراً من مظاهر سيادة السلطة وضبطاً للشأن المجتمعي داخلياً وخارجياً.. وأدعى لتطبيق العدالة بين الناس فيعلو شأن الإنسان ويزداد تفاعلاً مع محيطه وبيئته. إلا أن ما يؤخذ على القوانين والتشريعات القديمة إقرارها عقوبات صارمة أو اعتمادها بعض المبادئ التي لا تتوافق مع أعراف البشر. ومهما يكن هي تجربة في تاريخ البشرية وأساس سليم لتجربة الإنسان القانونية.. لذا استمرت إلى وقتنا الحالي ولكن بنتاج حضارة هذا القرن وما أفرزته من تحديات استهدفت تبعية للدول المتسيدة على العالم وإخضاع الدول والشعوب للقوانين التي فرضتها العولمة لتنفيذ أهداف القوى العظمى وضمان مصالحها.
لقد جاءت العولمة بقوانينها وتشريعاتها تحت ستار التعاون والتضامن ورفع مستوى الحياة والسلام في العالم واحترام الخصوصية الثقافية للمجتمعات إلى غير ذلك من القيم التي لا تعد ولا تحصى.. لكن هيهات وهيهات أن يكون ذلك حقيقة مشاهدة على أرض الواقع.
إن القوانين لا تحمي سوى القيم التي تحتاج إليها المجتمعات وتؤمن بها لا تلك القيم الفوقية التي تفرضها قوى مهيمنة تحت ستار العولمة ثم إن القوانين لا بد أن تعكس حقيقة الواقع السائد في المجتمعات لا أن يُستورد واقع دول مهيمنة هدفها المصالح ويُملى على مجتمعات أو شعوب أخرى.. فإذا كانت القوانين والتشريعات تعكس مسيرة التقاء مختلف الحضارات وإذا كانت العولمة تحترم التنوع في كل المجالات فلا بد للعولمة أن تحقق وتحترم التنوع في القواعد القانونية التي تضعها.