ماذا حدث؟! كيف انقلب الحال المثير للتوتر والأسى فجأة إلى حالة رائعة من التنظيم الدقيق وسرعة الأداء وجمال الابتسامة ولطف الكلمات ورقتها؟ كيف تحول التجهم المعتاد في وجوه كثيرين من موظفي جوازات مطار الملك خالد - وربما غيره - إلى رقة بالغة ولطف جم وكلمات ودودة؟!
كان الحالة قديما: أن ألقي السلام أو تحية الصباح أو المساء على الموظف القابع في صندوقه الخشبي المتهالك فلا يرد بكلمة أو بإيماءة، وحين ينتهي من فحص الجوازات يلقي بها فأشكره ولا يرد أيضا!
كان التجهم سمة متلازمة مع اللباس العسكري الذي نعتز جميعا به ونفخر بصاحبه ونعلي من شأنه ونقدم له الاحترام اللازم الذي يستحقه؛ بيد أن بعضهم لا يستجيب ولا يتفاعل مع يبدي له الاحترام الواجب أو يشكره على أداء واجبه، ولا نعلم السر الكامن خلف تلك الخشونة والجلافة التي لابد أن كثيرين منكم قد تعرض لها في أي منفذ عبر منه، لقد رأيت ذلك وأنا أنزل إلى مطار جدة قبل دخول شهر رمضان بيوم والطائرة الماليزية مكتظة بمئات المعتمرين؛ فكان الموظف يهش عليهم بما يشبه السوط في يده آمرا إياهم بصلف أن يعبروا من ممر مخصص لهم، لقد احترت ودارت بي الأرض فقد كنت قادما معهم من مطار كوالالمبور ولم أجد إلا التعامل اللطيف والأسلوب اللبق في التعامل مع جميع الركاب بلا استثناء؛ فماذا سيقول هؤلاء المعتمرون عنا وكثيرون إن لم يكن جلهم لم تطأ أقدامهم أرض المملكة من قبل ؟!
إن موظف الجوازات بلباسه الأنيق وبابتسامته الودودة وبكلماته اللطيفة وبالرفق في تعامله حتى مع من يجهل الأنظمة أو من أخطأ ويبحث عن سبيل لحل مشكلته يقدم أجمل صورة وأرقاها عن بلادنا، فإذا كنا نحن أبناء البلاد قد نشعر ببعض الضيق من «خشونة» تعامل بعض موظفي الجوازات فندمح الزلة؛ لأنهم إخوتنا وأبناؤنا ونعيد ذلك إلى طبيعة بعضهم أو مزاج بعضهم الآخر أو عاداته وتقاليده أو عدم تلقيه دورات في فن التعامل مع الجماهير؛ فإن الغريب الزائر الذي لا يدرك هذه الخلفيات ستتكون لديه رؤية سلبية قاتمة عن بلادنا، وبخاصة أنه سيخرج من المطار ثم يفاجأ أيضا بأساليب مزعجة ومساومات مؤذية من أصحاب سيارات الأجرة، حيث يلاقيه فور خروجه من باب المطار وربما داخل الصالة من نعرف وتعرفون ليكسبه كل منهم كغنيمة، وحين يركب الزائر أو المواطن سيارة التاكسي يفاجأ بأن العداد لا يعمل، وأن السيارة غير نظيفة وأن قائدها يقود سيارته في مارثون مميت لكي يلحق براكب آخر !
الله ! ما أسرع ما انقلبت تلك الحالة السيئة التي كنا نشكو منها حين يتجهم بعض موظفي الجوازات إلى حالة أخرى من اللطافة والذوق والكلمات الودودة، فلأول مرة ترن في أذني كلمات أستمع إليها من كل الموظفين لكل العائدين من سفرهم: الحمد لله على السلامة، تفضل، حياك الله، شكرا لك، مع السلامة!
ثم أين ولت تلك الصنادق الخشبية البالية المتهالكة التي انقلب لونها الأخضر إلى بني ؟! كيف توزعت الآن في صالة القدوم بمطار الملك خالد الدولي بالرياض - وآمل أن يكون في كل مطاراتنا - هذه الطاولات والمكاتب الأنيقة البيضاء الجميلة ويقف خلف كل مكتب شاب أنيق مبتسم لطيف؟!
إنني أثق أن وراء هذا التغيير الإيجابي رؤية وطنية قيادية إدارية متحضرة؛ فشكرا جزيلا لمن وجه ولمن أدار ولمن أخلص في التنفيذ، ومن غير شك أن هؤلاء النخبة الممتازة من موظفي الجوازات لم يمارسوا عملهم إلا بعد دورات مكثفة في فن التعامل الراقي مع الجمهور.
أما مطار الملك خالد الدولي - وقد قدمت عن طريق مطار دبي دولي - فهو ميئوس منه؛ لقد أصبح رمزا لحقبة زمنية ولت وليس لها صلة بمطارات العالم الرائعة القريبة منها والبعيدة! والشكوى لله !