يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) سورة الكهف آية (54)..
من عادة المرء أنه دائماً يحب الخصومة والجدال والمماحكة والحراك والمراء في أي قضية ((ما)) تعترضه في حياته لا يعي للحق اعتباراً ولا ينزجر للموعظة اهتماماً ويبين الباري عزَّ وجلَّ حقيقة من حقائق المرء كما يذكرنا في مواطن عدة من كتاب الله الكريم فعلى سبيل المثال عن ضروب الجدل الذي كان يدور بين أنبيائه ورسله والناس.
فالجدل يعتبر أسلوباً من أساليب الإقناع الفاعلة فهو فن من فنون الاتصال يستخدمه الكثير من الناس في عرض الآراء والمواقف ووجهات النظر. فكيف يستطيع رجل الإعلام أن يوظف الجدل والحراك في إظهار الحق؟ وما هي طريقته في ذلك؟
قبل أن أدخل في صلب الموضوع جيداً لا بد من أخذ الحيطة والتنبيه إلى أن الحملات المغرضة الحاقدة من قبل أعداء الأمة الإسلامية ولا سيما في عقيدتنا السمحة وأنماط حياتنا ومقوماتها وبعدها الحضاري. لا بد أن يكون الحوار معتمداً على وسيلة لنشر وجهات نظرنا وأساس تبايننا وتميزنا عن غيرنا.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتسنى لنا إلا من خلال إعداد أنفسنا وتقويم قدراتنا تقويماً دقيقاً وموضوعياً وأن نعترف اعترافاً واضحاً بتساهلنا وتفريطنا الفادح في العمل بمبادئ ديننا الإسلامي الحنيف وأن ندرك تمام الإدراك أن إظهار الحق اليوم ليس بالأمر الذي يدركه البعض وأن تحويل البشر عن أحكامهم ومعتقداتهم ومبادئهم الخاطئة ضدنا يتطلب منَّا جهداً مضنياً ومخلصاً لا يعرف الكلل ولا الملل حتى نستطيع أن نوفر للباحث في أي مجال من مجالات الحياة حتى يستطيع أن يقدم للبشرية خدمة لا تقدر بثمن أن عصرنا الحالي أصبح يحمل معه الكثير والكثير من نماذج الحضارة، وذلك نتيجة اختلاف المعطيات يتفق أغلب المحللين على أن الصراع الحضاري القادم سيكون بين وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة.
ويقتضى الحال هنا أن يعى العرب والمسلمون جميعاً بأن امتلاك أسس الحق وحده لا يكفي فهو يحتاج إلا تضافر الجهود وإلى محام ماهر وذكي يملك رصيداً من المعرفة بمؤهلاته التي تعينه وتساعده على قوة الإقناع والتأثير على المعارضين، وأن يملك عقلا قادرا على التحليل والاستيعاب بارعا في العرض والنقد حاذقا في الاستنتاج والربط بين كافة الأحداث متمكنا في تحكيم الجيد من فنون التبليغ والبيان بارعاً في الطرح والقدرة على استخدام كافة وسائل التأثير.
إن مساعدة البشر تجعلهم يتسابقون إلى فعل الأمر إن كان حقاً أو باطلاً....فيجب تصنيف البشر إلى أقسام في العلم والمعرفة وطبيعة ومعتقداتهم ومنابعهم الفكرية ومدى استعدادهم لتقبل الأفكار الحديثة القادمة من خارج الحدود.
ومدى حرصهم الشديد على ارتباطهم بمبادئهم بكل ما هو ذاتي؛ فهناك أقوام وأمم وشعوب يناقض فكرهم فكرنا وتصورهم للحياة تصورنا ويكرهون قناعاتنا ويثيرون الشبهات والخلافات ضدنا وضد مبادئ ديننا وعقيدتنا السمحة وضد قضايانا الجوهرية، ويسعون بكل كافة السبل الوسائل المتاحة لهم للنيل منا وسلخنا عن مقوماتنا.
فإن رجال إعلام المسلمين مضطرون أن يراعوا ذلك في خطاباتهم الإعلامية الموجهة لرد الشبهات والخلافات أو الموجهة لتأكيد الذات، بل ينبغي على رجال الإعلام في الدول الإسلامية قاطبة بدون استثناء أن يبنوا نصوصهم الصحفية والإذاعية على أمور تبين أسس تميزنا، وأن يوضحوا بحجة قوية خطأ رأي غيرنا.
فإن قنوات الاتصال الحديثة المتعددة قد يسرت لنا كافة السبل أمام الدعوات وترويج الأفكار حتى تصل إلى آفاقها المنشودة وقد برزت بشكل واضح وصريح أنماط الاتصال التقليدية وطوت كافة المسافات كطي الكتاب وألغت المدة من الزمن.
فقد أصبح المجادل في أي مكان من العالم أن يصل صوته أو اتصاله أو صورته إلى كل الامكنة بكل يسر وسهولة حتى يستطيع الآن الدخول إلى المنازل كلها ويحاور أهلها.
إن الاستفادة من الإذاعة والتلفاز والتويتر والانترنت اليوم أصبح شيئاً مألوفاً ومستثمراً استثمارا كبيرا؛ فالآن كل إنسان منَّا يستطيع أن يقيم حواراً مهماً عبر الوسائل السمعية والبصرية في موضوع يهم الجميع فمثلاً ((حوار الحضارات)) ((وحوار الاديان)) وذلك من أجل تقديم وجهة نظرنا الصحيحة حوله ويمكن أيضاً مناقشة ونقد مضامين كتب وأقلام وآراء وأفكار واطروحات تُعدُّ هنا وهناك من كافة أنحاء العالم، وكما تنص عليه أحكام ديننا الإسلامي الحنيف ينبغي أن يتم عرض تلك الموضوعات التي تعالج كافة المعطيات الضرورية فإذا كان الأمر يتعلق بفيلم ((ما)) أو مسرحية يجب تقديم معلومات كافية عن تلك الجهة المنتجة ونوع الافلام أو المسرحيات لكي يتمكن المشاهد من معرفة المضمون عن تلك الأفلام أو المسرحيات.
أما إذا كان الأمر يتعلق بمناقشة كتاب معين فيجب توضيح الأمور عن معد هذا الكتاب وعن مصادرة المعرفية حتى يتمكن القارئ الكريم من معرفة مضمون تلك المواضيع التي يحتويها ذلك الكتاب. فإن الإبداع في غياب النقد يخطو إلى الخلف أكثر من خطواته إلى الأمام لأن الاثنين ((متلازمان)) تلازماً لا انفكاك منه ويجب أن يكونا ((متزامنين)) في وجه الفراغ أو الغياب النقدي.
بعد هذا وذاك تأتي مرحلة التصحيح والتدقيق والتقويم واكتشاف مواطن الضعف والوهن والتحريف والتزييف والتدليس بعد ذلك يتم الكشف عن الدواعي الحقيقية عن ذلك الإصدار لهذا الكتاب أو الأفلام أو المسرحيات.
ومن نتائج تلك اللقاءات الحوارية من فكرية وثقافية يصبح لدى المرء المسلم ادوات مواجهة تساعده على كسب فنون المجادلة بشتى طرقها المتاحة على السطح.