رفعت بريطانيا درجة التهديد من الارهاب الى «شديدة» بسبب الهجمات المحتملة التي يجري التخطيط لها في سوريا والعراق. بريطانيا حذرت من إمكانية تعرضها لعمليات إرهابية بعد المتغيرات الأخيرة في المناطق العربية الملتهبة. وزيرة الداخلية البريطانية؛ «تيريزا ماي»؛ علقت على رفع الجاهزية بقولها: «هذا يعني ان الهجمات الارهابية مرجحة بشدة لكن لا توجد معلومات مخابراتية تشير الى هجوم وشيك».
أحسب أن بريطانيا من أكثر دول الغرب المنكشفة على الإرهاب؛ لأسباب مرتبطة بتركيبتها السكانية؛ يؤكد ذلك أنها أكثر تلك الدول تصديرا للمقاتلين المنخرطين مع داعش وأخواتها. وجدت جماعات الإرهاب في المهاجرين البيئة الخصبة للتجنيد؛ وبخاصة المهمشون في الأحياء الفقيرة. نجحت في تجنيد بعضهم «إلكترونيا» من خلال مواقع النت؛ ومن خلال بعض قادة الفكر المتطرف هناك. يبدو أن السلطات البريطانية عازمة على إصدار قانون يمنع البريطانيين المنخرطين في أعمال قتالية في سوريا والعراق من العودة إلى بريطانيا لفترات محددة. فرنسا وألمانيا، من الدول التي شارك بعض مواطنيها الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق.
زيادة عدد المقاتلين الأوربيين المنضمين للجماعات الإرهابية في الخارج؛ سيهدد استقرار أوربا مستقبلا؛ فالعناصر الإرهابية المهاجرة تشكل خطرا كبيرا حين عودتها، وتحولها إلى خلايا إرهابية مزروعة في الداخل.
لم يتفاعل الغرب؛ لحساباته الخاصة؛ مع التحذيرات الأولى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول خطر الإرهاب؛ وسرعة تمدده؛ وقدرته على حرق الدول الداعمة له؛ أو المتهاونة في مواجهته. تهاون المجتمع الدولي في مواجهته أسهم في انتشاره بشكل سريع؛ وساعد على تمكين «داعش» من احتلال أجزاء من سوريا والعراق؛ وتهديدها بعض الدول الغربية التي سارعت لرفع جاهزيتها الأمنية؛ تحسبا لمواجهته.
بعد أن لاحظ صمت الدول الفاعلة في المجتمع الدولي؛ عاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوجيه تحذيره الثاني في حضرة السفراء المعتمدين لدى المملكة؛ مشددا على أن ذلك الصمت «لا يجوز أبداً في حقوق الإنسانية».
لاقت تحذيراته الأخيرة صدى في الإعلام الغربي؛ ولعله يكون من أهداف اللقاء المفتوح؛ فحصر المبادرات؛ والتحذيرات في محيطها الدبلوماسي يعزلها عن الرأي العام الغربي الذي يمكن أن يكون له دور أكبر في الضغط على الحكومات ودفعها لاتخاذ مواقف حاسمة تجاه الإرهاب.
عنوان صحيفة «وول ستريت» الأميركية كان لافتا ومؤثرا؛ ومختصرا الرسالة التحذيرية: «العاهل السعودي يحذر من خطر الإرهاب الذي سيصل إلى أميركا وأوروبا». شددت الصحيفة على أن خطاب الملك جاء بمثابة تحذير لقوات الناتو والقوات الأميركية، للاستعداد والتأهب. التغطية الإعلامية الغربية الواسعة للكلمة المرتجلة ستؤثر قطعا في متخذي القرار الذين قد يواجَهُون مستقبلا، بتهمة «التهاون» في حال وقوع أعمال إرهابية في أيٍ من الدول الغربية؛ ما يجعلهم أكثر حذرا حيالها.
دحر الإرهاب غاية لا يمكن تحقيقها إلا بتحالف دولي متماسك؛ وهو ما ركز عليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تحذيراته المتكررة. تجفيف منابع تمويل الإرهاب هو الجانب الأهم؛ فغالبية المنضوين تحت راية «داعش» يتقاضون أجورا شهرية لا يمكن تغطيتها بسهولة؛ في الوقت الذي يحتاجون فيه أموالا طائلة لتأمين الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية. تتبع التدفقات المالية الدولية ستقود حتما إلى معرفة الدولة المسؤولة عن تمويل الإرهاب في سوريا والعراق واليمن. المواجهة العسكرية الحاسمة والعاجلة هي الخيار الأمثل لدحر «داعش» وأخواتها في المنطقة؛ في الوقت الذي ستوفر فيه قرارات مجلس الأمن الداعمة لمواجهة الإرهاب عسكريا؛ في سوريا والعراق واليمن وليبيا؛ غطاءً للدول المعنية بمواجهته.