أكرم الله - عز وجل - الخيل، حيث ورد ذكرها في عدة مواضع من القرآن الكريم، واعتبرها من مصادر القوة والجاه ومتاع الحياة الدنيا يقول الله سبحانه وتعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) سورة آل عمران.
كما ذكر الله سبحانه وتعالى الخيل في خبر سيدنا سليمان، وكيف شغلته بجمالها والتأمل فيها عن الذكر والصلاة: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) سورة ص.
والخيل الصافنات أي التي تقف على ثلاثة قوائم وطرف حافر الرابعة، أو هي الجياد السراع.
وقال تعالى: وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) سورة الحشر. (الفيء: كل مال أخذ من الكفار من غير قتال، والوجيف هو عدو الفرس السريع).
وعن عبد الله بن عمر وعروة بن الجعد - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم.
واختلف الرواة في عدد خيل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما اختلفوا في أسمائها وألوانها ولكن المشهور منها والمتفق عليه، ستة خيول هي:
1 - السَّكْب: ومعناها في اللغة، الخفيف السريع الجري.
2 - الُمرْتجزْ: ويقال غيث مرتجز: ذو رعد، سمي بذلك لجهارة صهيله وحسنه.
3 - لزازُ: اللزز: الشدة سُمي بذلك لشدته واجتماع خَلْقِهِ.
4 - اللُحَيْف.
5 - سَبْحَةَّ: من قولهم فرس سابح إذا كان حَسَنُ مدَ اليدين في الجري.
6 - الظّرَبُ: الظَرب: ما نتأ من الحجارة وحُدّ طرفه، وقيل هو الجبل الصغير، وسمي الفرس الظَّرَب تشبيها له بالجبل لقوته.
وبلغ من عناية العرب بالخيل أن أطلقوا على كل ما يتصل بها اسماً شمل أطوار حياتها وأصواتها ومشيِّها وعَدْوها، ولم تقاربهم في ذلك أي لغة أخرى. ومن المؤلفات الشهيرة في ذلك (أنساب الخيل) لابن الكلبي. و(أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها) للغندجاني، و(كتاب الخيل) للأصمعي وغيرها.
ووردت في التراث قصص كثيرة تعكس اهتمام العرب بالخيل، ومعرفتهم التامة بها، فمن هذه القصص ما يلي: كان سليمان بن ربيعة الباهلي يعرّب الخيل ويهجنها (أي يحدد نسبها أيها عربي أصيل، وأيها غير أصيل) في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجاء عمرو بن معد يَكْرب بفرٍس كُميت، فكتبه سليمان الباهلي هجيناً، فاستعدى عمرو الخليفة عمر ضد سليمان وشكاه له، فقال سليمان: ادع بإناء رجراج قصير الجدر، فدعا به فصُبّ فيه ماء، ثم أتى بفرس عتيق (أي أصيل) لا يشك في عتقه، فقدم إليه الإناء فشرب منه ولم يشرع سُنْبُكه (أي لم يثن طرف حافره)، ثم أتى بفرس عمرو، فأسرع الفرس فنصب سنبكه ومد عنقه كما فعل العتيق، ثم ثنى أحد السنبكين قليلاً فشرب، فلما رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذلك وكان بمحضره قال: (أنت سليمان الخيل) وسبب ذلك أن في أعناق الهُجن من الخير قصراً، فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنابكها، بينما العتاق طوال، فهي تشرب ولا تثني سنابكها. ومن أشهر الخيول العربية الاصيلة في الوقت الحاضر التي تنسب إليها كثير من المرابط المعروفة (الكحيلة الحمدانية، الصقلاوية، الطويسة، الملولش، الشويمة، الكروش، الكرى، المعنقية، الشوافة، العبيّة، الدهمة).
وقد وثق تاريخ الشعر - فصيحه وشعبيه - مكانة الخيل الرفيعة في الشعر والتاريخ - ومن أشهر أسماء خيل المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - (منيفة والصويتية)، وقال الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - هذه الأحدية قبل معركة (روضة مهنا) يحث جيشه على الاستبسال) (1):
يا عيال برّوا (خيلكم)
وارهوا عليها بالشعير
عدوكم قدّامكم
لابد من علمٍ يصير
إمّا لهم والاَّ لكم
عاداتنا نرو الشطير
ويقول الأمير الفارس البطل المغوار عبد العزيز بن مساعد وهو أشهر من نار على علم على كل الأصعدة، مجسداً حبه للخيل ومكانتها في قلوب الرجال الأشاوس الأبطال أمثاله (رحمه الله):
الخيل عنهن ما ني عازي (2)
صم الرمك هن حبايبنا
داجن بنا الخبت وحجازي
بالحقو بانت مضاربنا
وقال ترحيب بن شري بن بصّيص (من البصايصه وهم شيوخ قبيلتهم، من الصعران من بريه من مطير)
(صفراي) وان جالت مع الميدان
ارمي العشا للحايمات
صفراي أضرّيها على الدّخان
يوم البنادق مرزمات
(صفراي: فرسي البيضاء واسمها سليمة، ومن عاداتهم تسمية الفرس البيضاء بالصفراء، الحايمات: الطيور التي تحوم فوق أرض المعركة لتأكل من جثث القتلى. الدخان: الذي يخرج من رمي البنادق والبارود، أي أنه درّب فرسه كي لا تجفل من صوت البنادق ودخان البارود، مرزمات: ترمي باستمرار وكأن رصاصها
مطر منهمر، والإرزام: حين الإبل العطشى).
وقال ذعار بن ربيعان (من الرباعين الشيوخ المعروفين من ذوي ثبيت من الروقه من عتيبه توفي سنة 1355هـ):
يا أهل (الرمك) زيدوا لهنّه بالمقام
ثم عاد يالمدّاد لا تشري شعير
قرصٍ على صاجٍ يسقَّى بالايدام
يزيد بالمرواس والأبهر كبير
(الرمك: الخيل. المقام: العلف: المدّاد الذي يذهب ليكتال ويجلب الطعام).
وقال زيد بن شفلوت (من الفهر، من عبيده، من قحطان شيخ وفارس ولد في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، ومات في النصف الأول من القرن الرابع الهجري):
نركب على (بنت الحصان)
وبايماننا عود القنا
معي مشاهير قحطان
والروح قافيها الفنا
** ** **
(1): (الحداوي) تأليف الأمير محمد الأحمد السديري.
(2): (رجال في الذاكرة) تأليف عبد الله زايد الطويان