قرأت ما كتبه الأخ ناصر الصرامي، في زاويته، يوم الثلاثاء 23 من شهر شوال 1435 من الهجرة، ولي تعليق على مقاله، حيث أشار للدور التربوي، وبحكم علاقتي بالتربية أحب تذكير أخي ناصر الصرامي، بما تؤسس له وزارة التربية والتعليم من خلال فكر شمولي، ومنع الانجراف ولله الحمد للتطرف بكل أشكاله، وبأدوارها شاركت بانحسار الإرهاب والتطرف بسرعة، وبفضل الله ثم جهود الجميع، ولو كان التقصير من المدارس ملاحظا، لصعب علينا مواجهة الإرهاب، وواقع الدول يؤكد لنا ذلك.
رغم تخوفنا وتخويفنا من مدارسنا، إلا وأنه ولله الحمد ثبت عكس التخوف، فالتوعية الإسلامية والنشاط الطلابي، ونوادي الأحياء التي تنتشر في كل مكان، تركز على الهوية المعتدلة، وشذوذ ما يقال أو شذوذ ما حصل في الماضي لم يعد في مدارسنا ولا في النوادي التي يقوم عليها التربويون، بإشراف وزارة التربية والتعليم، والحذر واجب، وبلا شك، ولو كان الدور ضعيفا أو مستبعدا، لكنا في وضع لا يحسد عليه؛ لكن الواقع يثبت قوة صد التطرف في الميدان التربوي، وسأتناول جوانب منه.
لا شك بأن الجهود الإضافية مطلب، وبحكم متابعتي ولتأكيد ما ينادي به أخي ناصر الصرامي، وغيره من الوطنيين والغيوريين على البلد وأهله، حول ضرورة إبعاد الأوحادية والتطرف والتشدد، فإنه يسرني كمواطن نشر مقالي، لإبراز الرأي، وليتكامل صوتنا جميعاً لنبذ الإرهاب وكل أشكاله وألوانه ومغذياته.
هنا أقول للأخ ناصر: في مقال نشرته في الجزيرة، طلبت محاكاة الواقع في مدارسنا، فوزارة التربية والتعليم، بحاجة لتغيير مسمى التوعية الإسلامية للشؤون الإسلامية، وإن قلت الدينية، فالدين يدخل غير الإسلام معه، ولا شأن ولا مكان للمتأسلم، فنحن أهل الإسلام، ولا دين لنا غير الإسلام، ولن نقيم وزناً لمتأسلم ولا أي فكر دخيل على بلادنا.
قلت ذلك؛ ليكون دورها ليس التوعية فحسب؛ بل ليكون شمولياً، ولمحاكاة الواقع؛ كالتوعية والاهتمام بالمصاحف ومصليات المدارس وتنظيمها وعقد الدورات الشرعية المتخصصة، دون الاعتماد على التقليد في الأدوار أو محاكاة أي توجه يزرع فكرة متطرفة، ومن المهام للتوعية حاليا، أو في حال تغيير اسمها للشؤون الإسلامية، ما يخص المسابقات الرسمية كمسابقات حفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة، التي تحمل أسماء الرموز الملكية والأميرية والمسابقات العالمية، مع الجهود في التعزيز لكل ما يحقق اللحمة الوطنية، وحتى يتولى ذلك المتخصص، لا من غير المتخصص، إذ يتصور من غير المتخصص خلط الأوراق.
والذكر الحسن هو ما يمكن إبرازه، وهو جهود المخلصين في التخطيط التربوي والتعليمي، ومن أبرز مواضيع التربية الإسلامية، التي تعنى بالتوازن والتوافق مع معطيات العصر، والتكامل والشمولية وبناء الشخصية المسلمة، مع دورها الوطني والأسري مواضيع تحقق التوازن والاعتدال والتوسط والاتزان الانفعالي.
تتناول المقررات المدرسية جوانب عدة مهمة؛ مرورية وأسرية ومكانية وسكانية وبيئية وإعلامية وأخلاقية ودينية وسلوكية، بل وأمنية وسياسية.
وأبشرك ولله الحمد، تتناول المقررات الجوانب السياسية المتوافقة مع كيان بلادنا ووحدتنا وبما يعزز اللحمة الوطنية، والولاء لقيادتنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله؛ وتشارك كل مؤسسة الدولة في برامج متعددة.
لم تنص المقررات على تسمية التربية السياسية؛ ولكنها تحققها بلا نص عليها من خلال مقرر التوحيد والفقه والحديث والتفسير أيضا، ومثلك يدرك مدى تأثير النصوص الشرعية في صد كل اختراق وطني، فلا حزبية في أي من مؤسسات الدولة.
إضافة لذلك تعززها بالمناهج الشاملة، كاختيار المعلمين والبيئة المتكاملة والرقابة والإشراف الشمولي والمتخصص.
في مقررات مدارس المملكة العربية السعودية، مفردات -الغلو- الجفاء-، وبشكل بارز في كتاب التوحيد، وفي كل مرحلة دراسية لا تغيب هذه المفردات، إذ تذكر تفصيلا وبالإجمال مع أي موضوع؛ وذلك حسب تنسيق تربوي وتكاملي وتتابعي.
أيضا تهتم باستبعاد الإفراط؛ الذي يعرف -بالتشدد- وهو نوع من التطرف؛ وكذلك التطرف المواجه أو المقابل؛ -التفريط- وهو أيضاً فكرة أحادية مرفوضة عقلاً وشرعاً.
- التفريط- ويتعارف عليه بالتساهل وتمييع السلوك والفكر؛ ويقابله -الإفراط-؛ ويتعارف عليه بالتشدد؛ وكلاهما تطرف؛ وفي مقالك ذكرت التطرف إجمالاً؛ والتشدد خصوصا؛ وفي مدارسنا نبذ لكل تطرف.
في الأغلب يذكر البعض التطرف ويجمل ذلك؛ والصواب التحذير من كل تطرف؛ الإفراط والتفريط؛ التشدد والتساهل.
حكاية النقيض في المواقف تتشكل من خلال محاور لا أحادية؛ بل بنظرة شمولية تمنع كل تطرف.
الغلو والجفاء كتطرف موضوع مهم؛ وأيضا نهتم به؛ لصناعة التوسط؛ وفق قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
التخطيط والاستعداد في المقررات والمناهج بشكل عام لم تقصر في معالجة النظرة الأوحادية؛ فلا إفراط ولا تفريط؛ لا غلو ولا جفاء؛ لا نقص ولا زيادة.
التعدي ممنوع وكما يمنع التعدي لأي طرف؛ فلا دعوة للانعزال والتعبد وترك العلوم الطبيعية والتجريبية؛ ولا دعوة لترك التعبد؛ وكل التعليم صدقة.
رسالتي الأخيرة: كما هي جهود الوزارة؛ فالمعلمون يبذلون كل ما في وسعهم لتحقيق خطط وزارة التربية؛ من خلال الحوار والدروس التفاعلية والاستنتاج والتجريب؛ واستخدام كل ما يحقق استبعاد الأوحادية.
مثلكم أستاذ ناصر؛ نحتاجه في تشجيع هذه الأدوار وذكرها والاطلاع عليها ومعرفتها؛ ونحتاج للمزيد من الأفكار التي تحقق ذلك؛ واكتمال المشاريع والوسائل؛ فكما تعلم المدارس ليست على مستوى واحد؛ أيضا دوركم ذكر الجوانب الواقعية؛ كما ذكرت؛ إذ لا إفراط ولا تفريط؛ ولا غلو ولا جفاء؛ ولا عزلة متطرفة؛ ولا إهمال مقصود.
ذكر ما سبق يعيد التوازن للميدان التربوي؛ ومحاولة إنكار ذلك؛ يشارك في رسم صورة خلاف الواقع؛ ويضع في ذهن المتلقي عدم أهميتها؛ إذ لا نرحب بالتطرف من الجميع؛ لا ميل لأي تطرف؛ وفقك الله لما يحب ويرضى.