بادئ ذي بدء أحمد الله تعالى وأشكره أننا في بلدنا يرى ولاة أمره أن أعز ريال وأغلى هو ذلك الريال الذي يُستهدف به راحة المواطن والمقيم على حد سواء، لاسيما في مجال الخدمات الصحية.. فولاة أمرنا حفظهم الله يؤمنون إيماناَ تاماً أن أهم استثمار في هذه الحياة يجب أن يكون في الجانب البشري، كيف لا والعنصر البشري هو أول عناصر الإنتاج في دولاب الحياة ومناشطها المختلفة. إذا كان الأمر كذلك فخليق أن تُولى الخدمات الصحية عندنا أهمية كبيرة تُصاف أهمية الإنسان. فمهنة الطب مهنة تعز وتندر كوادرها البشرية على مستوى العالم بأسره ليس في بلد دون بلد حتى في الدول التي لها قدم سبق في مجال الطب فهي الأخرى تعاني ندرة في ذلك، ولكن مع هذا فإنه لكون بلادنا العزيزة تملك وفرة مالية فإنها تستطيع أن تتغلب وتبارح هذه العقبة، لأن المشافي إذا لم تكن تقدم خدمة مرموقة فإن الداخل فيها لن تتحسن صحته، وهو لم يجد الرعاية الطبية التي تدلف به من معاناة المرض إلى الراحة التامة.. إذا العلاج والتشافي أحياناً يقوم على عدة أركان متعاضدة ولعل من أهمها موقف الطبيب من مريضه فالشفاء أحياناً من هذه الحيثية ليس لزاماً منبثقاً من حبة دواء فحسب بل يكون الشفاء نابعاً من طبيب يملك الدراية النفسية للمريض من خلال رفع معنوياته.. لأن المريض بحاجة إلى جرعة من الحب والحنان كما حاجته إلى جرعة من الدواء.
إن المريض لن يتعافى إلا إذا أخذ به طبيبه ليتمسك بطاقة هذا الكون وهو الله عز وجل فالإرادة التي عند المريض يستطيع أن يعززها طبيبه المعالج، فإذا تعززت هذه الإرادة فسوف تقهر الألم. لقد وضع الله سبحانه وتعالى في هذه النفس البشرية قدرات رائعة للشفاء تظل كامنة في انتظار من يشحذها وهو الطبيب بلا شك، إذاً فمهنة الطب هي مهنة إنسانية شريفة المقاصد. ولن تبقى مشافينا مشافي إذا لم تكن بمثابة منتجعات عالية المستوى تنال فيها الخدمة المنظورة وغير المنظورة. ونستطيع أن نرتقي بمستوى خدماتنا الصحية ليس عبر بوابة الريال فقط، بل عبر بوابات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر مهنية الطبيب وعلو كعبه في خدمة الذات الإنسانية، لأن مسؤلية الطبيب المعالج ليست معالجة المرض الجسدي فحسب بل إنها من باب أولى معالجة نفس مزقها الصراع النفسي من جراء المرض.. فقبل أن يمد الطبيب يده بحبة دواء ومشرط حاذق فإنه يجب عليه أن يمد يده بنفسه ليتعانق مع هذا المريض أو ذاك معانقة ودية لا يفصم عراها فاصم.
وإذا كانت الأعراض العضوية قبل أن تكون جسدية فإن منشأها أولاً اعتلال في النفس؛ فحري بالطبيب أن يعالج النفس قبل علاج الجسد.. وإن معالجة الجسد قبل معالجة النفس فكأننا نضع العربة أمام الحصان.. ولا أرجم في الغيب بذلك بل هي حقيقة إنسانية لا جدال فيها، فالطبيب يستطيع أن يرفع معنويات المريض بكلمة واحدة وجعله يتعانق بها مع الفضاء مغرداً، وفي الوقت نفسه يستطيع الطبيب المعالج أن يهدم نفسية المريض بكلمة واحدة تجعل نفسيته في حضيض وادٍ سحيق. ما أريد أن أصل إليه وأؤصله في هذا المقال شكلاً ومضموناَ هو أن تقوم مشافينا على ثلاثة أركان متضافرة، وإن وجود أحد الأركان لا يغني عن وجود الأخر فهي ثلاثة أثافي.. وهذه الأركان مشفى مجهز يليق بنفسية المريض ذو بيئة حسنة وطبيب ماهر في الجانب النفسي قبل أن يكون ماهراً في الجانب الجسدي، وحبة دواء ومشرط حاذق، وإن غياب أحد هذه الأركان فإنه من المؤكد أن بقاء المريض في بيته هو أولى من بقائه في مشفى تنقصه هذه الأركان!! ومادمت أتكلم عن الطبيب المعالج فإني أحب أن أهمس في أذن كل طبيب معالج بقولي له :إن كثيراً من الأطباء يعتقدون من قريب أو بعيد أن الشفاء يتجسد في مشارطهم وحبة الدواء فقط ولا غير ذلك، وهذا اعتقاد أسقطه أبو الطب اليوناني ( بقراط) حينما قال ( نحن الأطباء نضمد والله هو الشافي) إن انكفاء الطبيب على وسائل علاجه المادية فقط ينم عن قصور مهني عنده! فكم من طبيب يئس من مريضه وجعل اليأس يتسرب إلى المريض، وما علم هذا الطبيب أن هناك رباً يملك القدرة على المرض، وهو قادر على إزالته، قال تعالى {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.