أحياناً أتساءل: لماذا سميت مؤشرات الساعة بالعقارب؟ وهل له علاقة بفلسفة حركة العقرب التي لا تتوقف عن اللسع كلما حاول أحد أن يؤثر على حراكها للأمام؟ ولكن هل يدرك العرب أن حركة عقارب الساعة قدر إلهي لا يتوقف، وأن قدرهم هو التغيير، مهما حاولوا العيش قريباً من درجة التجمد؟ وأنه مهما اختلفت القراءات والإرادات في ثورات الربيع العربي لن يعود الزمن إلى ما قبل زمن الثورات العربية؛ وذلك لأسباب جوهرية، هي أن الدول التي دخلت إلى عصر الثورة كانت أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مهيأة لحدوث مثل تلك التطورات.. ولن تنجح المحاولات في إعادتها إلى الخلف، أو إلى إعادة بوصلة العقل السياسي عند مواطنيها إلى الهدوء الذي كان يسبق تلك العاصفة.
ولو عدنا إلى تجارب المتغيرات الكبرى في دول العالم لأدركنا أن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن يتقدم إلى مراحل أخرى. ولنا في تاريخ أوروبا خير مثال. كذلك لنا فيما يحدث في الصين خير عبرة؛ فقد استجاب النظام الصيني إلى الزمن، وتحول من نظام شيوعي صارم إلى سوق رأسمالية، يتسابق رجال الأعمال إلى أسواقها، وهو ما يعني أن ساعة التغيير لها توقيت، وإذا دقت وجب احترام ذلك الموعد قبل فوات الأوان، وهو ما لم يفهمه بشار والقذافي وغيرهما.
لذلك لن يعود العراق إلى نظام استبدادي يحكمه الرجل الواحد، ولكن قد يتطور إلى نظام ديمقراطي كونفيدرالي موحد تحت سيادة واحدة، لكنه حتماً سيتجاوز الطائفية، وسيعود رجال الدين إلى بيوتهم. وقد يحتاج الأمر مزيد من المتغيرات قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة، وستكون الصعوبة في إصدار قانون يفصل الدين عن السياسة، من أجل إلغاء توظيف المال الطائفي في السياسة..
في سوريا لن يعود بشار الأسد إلى موقعه السابق، ولن يقبل الشعب به رئيساً بعد أن أحرق قراها ومدنها بالبراميل المتفجرة، وسينتصر التغيير في البلاد، وإن طال الزمن. وفي ليبيا سيكون من الصعب إعادة تنصيب حاكم عسكري على البلاد؛ وذلك لعدم وجود مؤسسة عسكرية في النظام السابق، إضافة إلى استعداد الثوار للقتال لحماية ثورتهم، وهو ما قد يدخل ليبيا إلى حرب أهلية. لكن المؤكد أن ليبيا لن تقبل بقذافي آخر على رأس الدولة..
في تونس كان الطريق الأقل وعورة في مسيرات الثورات العربية، وحدث التغيير بأقل خسائر بشرية ومادية؛ ويعود ذلك لانتشار التعليم، ولارتفاع مستويات الوعي السياسي. لكن الأهم من ذلك قدرة الإسلام السياسي - إن صح التعبير - على مواكبة التغيير، وقبول فكرة التنازلات من أجل مستقبل تونسي باهر..
في اليمن لن يعود العسكر إلى الحكم، ولن تنجح إيران في إيجاد حزب الله آخر، وفي إدخال منهج الطائفية السياسية في اليمن، كما هو الحال في لبنان والعراق؛ وذلك لأسباب لها علاقة بتاريخ اليمن الذي يكاد يخلو من الحروب والنزاعات الطائفية، وسيكون الحل الاقتصادي هو جسر الخروج من مأزق الحوثيين.
في الخليج خرجت دولة قطر عن مدرسة مجلس التعاون السياسية، وربما لن تعود إلى الصف كما في السابق. وقبل أن نحاول إعادتها إلى الصف علينا أن نفهم ماذا تريد؟ ولماذا تتحالف مع تركيا وتنتصر للإخوان المسلمين؟ وقبل ذلك هل من مصلحة العرب أن تتوحد كلمتهم في عداء الإسلاميين العرب؟ في ظل استراتيجية الدول الدينية في إيران في دعم التيارات السنية المعتدلة وكسب ميولها السياسي، كما هو الحال في غزة.
في الختام، قد يستطيع المرء أن يؤخر قليلاً من بعض قراراته في اتجاه التطوير والتغيير، لكنه لن يستطيع مهما أوتي من قوة أن يوقف أو يغير من حراك عقارب الساعة من نحوه، ولن يفلح في أن يوقف حركة عجلة التغيير عند الآخرين؛ فعقارب الساعة تتحرك في اتجاه واحد، والكرة الأرضية تدور في اتجاه موحد، ومهما حاول أي كان أن يسير في الاتجاه المعاكس سيكتشف في نهاية الأمر أنه بمحاولاته تلك تقدم إلى الأمام، ولن يعود مرة أخرى إلى موقعه السابق.. والله المستعان.