واصل فريق الهلال السعودي تقديم مفاجآته السارة لجماهيرية بخبر الإيرادات الضخمة لرعاية الفريق التي قد تصل إلى 150 مليون ريال سنوياً. الحقيقة أنّ فريق الهلال من الفرق الرائدة في السعودية بل والمنطقة، حيث إنه من أكثر الفرق جماهيرية وتحقيقاً للبطولات. ولا تقتصر زعامة الهلال في كرة القدم وحسب، بل تمتد إلى مبادرات تخدم الجانب الرياضي ككل والمجتمع، فأول فريق دعم بيئة الاستثمار وجلب استثماراً جاداً للرياضة هو الهلال، وهو أول فريق طوّر وتبنّى أحد لاعبيه من الناشئين حتى وصل للفريق الأول ثم ليصبح مدرباً، وتحسب للهلال أيضاً مبادرات إنسانية ومجتمعية من الصعب أن تجتمع في نادٍ محلي آخر في هذا الوقت. في هذا السياق, يجدر السؤال عن ما هي خطوة الهلال القادمة لجماهيره والمجتمع؟
تتميز جماهير نادي الهلال بمشاركة ودعم الشركات الراعية للنادي, بدليل أنّ شركة موبايلي استطاعت أن تستفيد وتنتشر وتستحوذ على حصة رائعة في السوق السعودي، من خلال القاعدة الجماهيرية الكبيرة لنادي الهلال. لكن، هل آن الوقت أن يقدم نادي الهلال مبادرة جريئة لجماهيره والنادي والوطن؟ وهل يستطيع الهلال استغلال القاعدة الجماهيرية لتوجيههم نحو عادات وطرق تفكير أفضل من أجل خدمة الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانته؟ وهل يبادر الهلال لتحفيز ودعم شباب وشابات الأعمال لتقديم مشاريع نوعية تخدمه وتخدم الاقتصاد الوطني؟.
أعتقد أنّ الهلال، وبقيادة المايسترو الأمير عبد الرحمن بن مساعد، قادر على استغلال القاعدة الجماهيرية العريضة لتحقيق منفعة أكبر للهلال، والجماهير، والاقتصاد الوطني ككل، حيث يؤكد سموه في تغريدات بخصوص الإيرادات الجديدة، بأنّ هذا «الدخل الأعلى والأهم للهلال، لا يمكن أن يتأتى إلاّ بمشاركة جمهور الهلال الكبير في الخدمات التي تقدمها الشركات الراعية»، ولذلك فأعتقد بأنه حان الوقت ليقدم الهلال مبادرة للوطن، تقوم بتحويل هذا الحب والتفاعل الإيجابي من الجمهور، إلى مشروع يخدم مصلحة اقتصادية واجتماعية ووطنية كبرى.
المبادرة تتلخّص بدعم وتحفيز رواد ورائدات الأعمال والراغبين بالعمل الحر، من خلال توجيههم، ورعايتهم، وإعطائهم المجال في إضفاء رونق الهلال على منتجاتهم وشركاتهم الحديثة، وسألخص هذه المبادرة في ثلاث نقاط:
1- إنشاء مسرع أعمال هلالي (Business Accelator): الهدف من مسرع الأعمال، هو مشاركة واحتواء الأفكار والمشاريع القابلة لتحويلها لمنتجات وخدمات تجارية وربحية. أجزم بأنّ قطاعاً عريضاً من جمهور الهلال لديه أفكار ومنتجات إبداعية كثيرة سواء كانت مشروباً خاصاً أو عادات وبرامج غذائية أو رحلات سياحية أو تطبيقات ذكية وألعاباً إلكترونية، أو غيرها من الأفكار ويرغب بالاستفادة من نادي الهلال وعلاقاته، من أجل الحصول على الخبرة والاستشارة ورأس المال الجريء، ومن ثم إنتاجها وتقديمها للمستهلك بالشراكة مع نادي الهلال. غالبية الجماهير هم من فئة الشباب، ولديهم الأفكار الخلاقة والجديدة، التي من الممكن أن تتحول لمشاريع تجارية تدر دخلاً كبيراً على النادي وعلى صاحب المشروع، وقد تنتج منتجات أو شركات تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ناهيك عن التوظيف وتقليل البطالة، واستثمار وتوجيه طاقات الشباب وغيرها.
2- فرانشيز لشعار الهلال: هناك العديد من المشاريع الصغيرة ومشاريع الأسر المنتجة التي تقدم منتجات أو أكلات أو حلويات أو تنسق حفلات أفراح ومناسبات، وقد يكون أصحاب هذه المشاريع من سيدات الأعمال ومن قرى وهجر بعيدة. من خلال هذه الخدمة، يستطيع أصحاب هذه المشاريع استخدام شعار النادي لتسهيل عملية الوصول للعميل وكتسويق لمنتجاتهم. كما يمكنهم تنسيق حفلات لجماهير النادي المنتشرين في كل أنحاء المملكة في المناسبات والانتصارات الهلالية في مدنهم أو قراهم. أعتقد أنّ السماح وإعطاء امتياز استخدام لوقو واسم «الهلال» سيدعم منتجات ومبيعات ويقدم فرصاً رائعة لأصحاب هذه المشاريع. الهدف من أي حق امتياز (فرانشيز) هو ضمان تواجد العملاء المستمر. بالتأكيد, فإنه من حق الهلال التأكد من أنّ هذه المنتجات أو الخدمات تتوافق مع المعايير الهلالية، ومن حقها أيضاً التأكد من جدواها المادية، لكن من الممكن أولاً اختبار جدوى هذا الامتياز لصاحب المشروع الصغير.
3- نشر ثقافة وقيم ريادة الأعمال والعمل الحر: أشارت دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية، إلى أنّ لفت الانتباه والتوعية بريادة الأعمال والعمل الحر من أهم الأسباب المؤثرة على بدء الشباب للعمل الحر. يستطيع الهلال من خلال هذه الخدمة أن يحمل لافتات في بداية المباريات أو من خلال لافتات تحملها رابطة جماهير النادي أو من خلال أقنية النادي الأخرى، كحساب تويتر وغيره، وذلك لنشر قيم ريادة الأعمال والعمل الحر، مثل الاعتماد على النفس، وعدم الخوف من الفشل والتعلُّم منه، وتحمل المسؤولية والمبادرة والابتكار، وغيرها من القيم التي تشجع الشباب بأن يسعى في الأرض، ويستغل مهاراته وإمكاناته التي وهبها الله إياها.
إنّ مطالبتي لنادي الهلال للقيام بهذه المهمة، لا تعني أنّ الأندية الأخرى لا تستطيع المساهمة والاستفادة من هذه المبادرة، لكن ومن خلال التجارب الماضية، أدرك أنّ الهلال هو نادٍ رائد في المبادرات التي تخدم النادي والرياضة والوطن ككل. وأدرك أيضاً أنّ بقية الأندية سوف تتبع خطى الزعيم خاصةً في حال نجاح التجربة.
إنّ الرياضة لم تَعُد للهو واللعب والترفيه فقط، بل أصبحت منصة إنسانية تُستخدم لتطوير واستغلال الموارد البشرية، وتنويع وتطوير موارد الاقتصاد، وتوجيه ثقافة المجتمع. وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بالرياضة السعودية، إلا أنّ الرياضة في السعودية بحاجة إلى من يدفعها للتفاعل مع مجتمعها لصالحها وصالح الوطن ومكتسباته, ولا أحد أجدر بهذه المهمة - في ظني - من الزعيم.