طالعت الخبر المنشور بهذه الجريدة بالعدد 15301 في 24-10-1435هـ ليوم الأربعاء، ومفاده أن المجلس المحلي بمحافظة الزلفي ناقش في اجتماعه الأخير ما تتركه بعض الشركات المنفذة للطرق والمدينة الصناعية من حُفر ومخلفات وأكوام أتربة، تغير من طبيعة الأرض، وتقضي على النباتات الطبيعية. واتخذ المجلس القرارات اللازمة. انتهى الخبر.
وتعقيباً عليه، فإن مراعي ومنتزهات وأودية وشعاب محافظة الزلفي كانت في السابق مضرب المثل، وكانت مقصداً للزائرين والمتنزهين من أبناء المحافظة والمحافظات الأخرى نظراً لما حباها الله من جمال الطبيعة، وتنوعها وتنوع النباتات فيها. ولكن ما الذي حصل وحوّل هذه المراعي والشعاب إلى أراضٍ جرداء، لا تفرح الزائرين، ولا تسر الناظرين، وأصبح منظرها محزناً بعد أن كان يدخل البهجة والسرور على نفوس المواطنين؟
لقد امتدت أيدي الفساد بدون وازع من دين ولا إحساس بالمواطنة ولا تأنيب من ضمير؛ إذ قامت شركات الطرق بتدمير هذه الأراضي بشكل أدى إلى تصحرها، وخلفت عدداً من الحُفر العميقة التي أصبحت تهدد من يرتاد هذه الأراضي؛ إذ تجتمع فيها مياه الأمطار؛ لتصبح في الأخير مصيدة للأطفال. وكم من الحوادث حصلت.
قامت هذه الشركات بعملها؛ لأنها تعلم أن لا حساب ولا عقاب، وكل ما في الأمر مجرد تعهد يؤخذ على مندوب الشركة الأجنبي؛ لأن السعودي لا يكلف نفسه بالحضور؛ لأنه يعلم أن الأمر مجرد تعهد يتم تمزيقه قبل أن يجف مداده. ولعل ما حصل أخيراً في مشروع قطار الشمال والمدينة الصناعية الجديدة خير مثال على ذلك؛ ما جعل المواطنين يشكون بأن في الأمر تواطؤ من الجهات المسؤولة تجاه هذه الشركات، وإلا ما معنى أن تقوم هذه الشركات بعملها المشين وبعد ذلك ترحل معداتها دون أن تكلف نفسها بإصلاح ما دمرته أو جزء منه؛ لأنها على يقين بأن لا جزاء ولا عقوبة سوف تُتخذ بشأنها؟
ولأن الأمر مهم وحساس، ويهم أمننا البيئي ومستقبل أجيالنا، فلا بد من مناقشة هذا الموضوع على أعلى المستويات، ومن جهات تملك اتخاذ القرار الحازم، وتنفذه بكل جد وقوة. الأمر يتطلب وضع هذا الملف كاملاً على طاولة صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، هذا الأمير الشاب الطموح الذي لديه من الحس الوطني ما يجعلنا نثق ثقة تامة بعلاج هذا الموضوع. وما مرافقة سموه الكريم لرجال الأمن في حملتهم الأخيرة في حي منفوحة إلا مصداق لذلك.
لقد قامت شركات الطرق، خاصة في مشروع المدينة الصناعية وقطار الشمال وغيرها، بعمل مشين، يدل على أن أصحابها معدومو الإحساس، ولا يهمهم أمر هذه المراعي والأودية، وإنما مصالحهم الخاصة، ولم يقدموا للمحافظة مقابل ذلك أي عمل يشار إليه، ولن يذكرهم جيلنا ولا الأجيال القادمة بخير كلما شاهدوا هذه الأودية والشعاب التي اختفت معالمها، وغاب جمالها؛ ما أجبر الأهالي على البحث عن أماكن بعيدة للسياحة والتنزه أيام الربيع.
وفي الختام، فإني أسجّل احترامي وتقديري لأهالي محافظة حريملاء الكرام عندما وقفوا جميعاً أمام أصحاب الكسارات عندما حاولوا استخدام أوديتهم وشعابهم، ولم يتحقق لهم ما أرادوا. هذه هي المواطنة الصادقة من هؤلاء الأهالي.