تأسس وادي السيليكون وهو تجمع للشركات الإسرائيلية في السهل الساحلي الإسرائيلي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في بداية الستينيات الميلادية من القرن الماضي. بدأ تأسيس بضعة شركات اسرائيلية تقنية صغيرة حتى كانت البداية الحقيقية مع إنشاء شركة موتورولا الأمريكية أول وحدة للتطوير والبحث العلمي في إسرائيل. بعدها بسنوات، تبع موتورولا كثير من الشركات الدولية التقنية بتأسيس فروع لها بإسرائيل اعتماداً على نجاح تجربة الشركة الأمريكية التي نجحت بتطوير بعض المنتجات البسيطة واستفادة من العقول الإسرائيلية الشابة. لكن بعد الحظر الفرنسي الذي تلى نكسة يونيو في العام الـ 1967 وتجميد عمل بعض الشركات التقنية الدولية لأعمالها بإسرائيل، تأسست كثير من الشركات الإسرائيلية التقنية الخاصة وبدأت بالاعتماد على نفسها لتطوير منتجات تقنية وحربية خاصة بها. ومع بداية السبعينيات الميلادية، بدأت الشركات الإسرائيلية بتصدير أول منتجاتها الاستهلاكية التجارية ومنها صنع أول كمبيوتر شخصي اسرائيلي في منتصف السبعينيات.
توالى تأسيس الشركات التقنية الإسرائيلية وبدأ الكثير منها بالتحول إلى شركات ناجحة تتجاوز استثماراتها ملايين الدولارات في السبعينيات والثمانينيات الميلادية من القرن الماضي. لكن شركة اسرائيلية صغيرة تدعى ميرابيليس غيرت وجه التاريخ الإسرائيلي والعالمي بتطويرها لأول برمجية للتراسل الفوري المجاني والمحادثة عبر الانترنت قبل دخول الأخير للأراضي السعودية بسنوات. منتج شركة ميرابيليس للدردشة الفورية نعرفه نحن السعوديين جيداً لقضائنا الساعات الطوال في استخدامه بعد اطلاقه ويدعى آي سي كيو. قامت شركة امريكا اونلاين بشراء البرمجية الإسرائيلية في العام الـ 1998 بمبلغ تجاوز 300 مليون دولار. ومن يومها والشركات التقنية الإسرائيلية تصنف من ضمن الأفضل في العالم.
استمرت الشركات العالمية بتأسيس فروع لها في إسرائيل للاستفادة من العقول الإسرائيلية الفائقة. حيث يوجد حوالي أكثر من عشرين ألف موظف إسرائيلي يعملون في الفروع الإسرائيلية لـ شركات عالمية مثل قوقل ومايكروسوفت وآبل وموتورولا وآي بي ام وانتل وسيمنس وسيسكو واتش بي وعشرات الألاف غيرهم في شركات دولية تقنية أخرى. اسرائيل الذي يقل عدد سكانها عن عدد سكان الرياض وجدة مجتمعتين، لم تكتف فقط باستقبال فروع لتلك الشركات العالمية بل غزت شركاتها التقنية الأراضي الأمريكية حيث يزيد عدد الشركات التقنية الإسرائيلية المدرجة في بورصة نازداك الأمريكية المختصة بالشركات التقنية عن الستين شركة.
الشركات الأمريكية قامت أيضاً بعمليات استحواذ لشركات إسرائيلية زادت قيمتها عن 13 مليار دولار في السنتين الأخيرتين فقط. قوقل تسوقت كثيراً في السوق الإسرائيلية واشترت على سبيل المثال شركة رسم الخرائط الاجتماعية ويز بمليار دولار وأخر استحواذاتها كان لشركة اسرائيلية لم يتجاوز عمرها خمسة شهور تدعى سليك لوقن مختصة في كلمات المرور الصوتية. شركة آي بي ام الأمريكية دفعت أيضاً ما يقارب المليار دولار في شركة ترستيير المختصة في عمليات الوقاية من الاحتيالات المالية. شركة آبل هي الأخرى اقتنصت شركة برايمسينس الرائدة في تكنولوجيا الاستشعار ثلاثي الأبعاد بمبلغ تجاوز 350 مليون دولار وهي الشركة التي طورت منتج اكس بوكس كينكت لشركة مايكروسوفت. حتى شركة فيسبوك دفعت مبلغ مقارب في شركة الذكاء الصناعي اونافو. الشركات الآسيوية دخلت على الخط باستحواذ عملاق التجارة الإلكترونية الياباني راكيوتن على تطبيق فايبر للتواصل الفوري بمبلغ 900 مليون دولار والذي تم حضره في السعودية قبل ذلك لأسباب أمنية. شركات ومستثمرون من الصين أنفقوا أيضاً مليارات من الدولارات في عمليات استثمار وتمويل في الشركات الإسرائيلية التقنية.
ملتقى عالم الهاتف المحمول الأخير في برشلونة الإسبانية شهد حضور أكثر من 200 شركة تقنية إسرائيلية والألاف من رجال الأعمال والمستثمرين الإسرائيليين. تلك الـ 200 شركة شكلت ما نسبته 11% من الشركات الحاضرة في الملتقى والتي تجاوزت 1700 شركة وهذه نسبة ضخمة لدولة صغيرة المساحة مثل اسرائيل. وفد اسرائيل التجاري الرسمي للملتقى تكون من 120 شركة جميعها مدعومة من وتحت رعاية معهد التصدير الإسرائيلي ووزارة الاقتصاد ممثلة بإدارة التجارة الخارجية. أي أن 60% من الشركات الإسرائيلية الحاضرة بالملتقى تجد رعاية ودعم رسمي من الدولة الإسرائيلية. هذا يقودنا إلى الاستفسار عن دور الحكومة الإسرائيلية في هذا النجاح غير المسبوق للشركات الإسرائيلية التقنية حول العالم.
الحقيقة المرة.. هي أن العلوم والتكنولوجيا تعتبر من أكثر القطاعات تطوراً ودعماً في الدولة الإسرائيلية. حجم الإنفاق على التطوير والبحث العلمي في إسرائيل هو الأعلى في العالم بالمقارنة مع حجم الناتج ال محلي الإجمالي. إسرائيل هي الدولة الرابعة عالمياً من حيث نسبة النشاط العلمي والذي يقاس بعدد المقالات العلمية المنشورة مقارنة بعدد السكان. إسرائيل تنشر مقالات عملية تتجاوز عشرة اضعاف نظيراتها من الدول ذات نفس العدد من السكان. أخيراً وهو الأمر الأكثر مرارة بالنسبة لكاتب هذه السطور هو أن إسرائيل هي الدولة الالأولى عالمياً من حيث عدد العلماء والمهندسين. من بين كل عشرة ألاف نسمة، يوجد 140 فرد منهم إما عالم أو مهندس، بينما العدد ينخفض إلى 85 شخصا في أمريكا و83 في اليابان. أي أن إسرائيل تتفوق على أمريكا واليابان بنسبة 60% بعدد العلماء والمهندسين بالقياس مع عدد السكان. رئيس شركة قوقل والمدير التنفيذي السابق لها الدكتور إريك شميت اختصر تجربة وادي السيلكون الإسرائيلي في جملة واحدة عندما قال في زيارة له إلى تل أبيب «اسرائيل تعتبر مركز التكنولوجيا المتطورة الأكثر أهمية في العالم بعد الولايات المتحدة».
أما الطرف الآخر في معادلة عنوان هذه المقالة.. فأقول أنا عنه ببساطة مرة.. «غير موجود».