«استطاعت المملكة العربية السعودية في وقت وجيز؛ أن تحظى بتقدير عالمي وساع؛ جراء جهودها الحثيثة في مكافحة الإرهاب، ومواجهة الجماعات المتطرفة في كل مكان، والتي انتسبت للإسلام وهو منها براء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وتعد تجربة المملكة تجربة رائدة وفريدة، بنيت على أسس علمية راسخة، وكان لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، في مواجهة الأفكار المتطرفة، ودرء خطر آفة الإرهاب العالمي، والحد بشكل كبير وملحوظ من نشاط تلك العناصر والجماعات المشبوهة، التي تعددت في أنماطها، وتنوعت في أيديولوجياتها المعقدة، التي تغذت على التفجير والتكفير والتخريب والدمار، لكل من يختلف معها لمجرد الاختلاف في وجهات النظر. فكانت تلك التجربة محط أنظار العالم، ومحل إعجاب وتقدير دولي، فعمدت بذلك عبر مختلف قنواتها الرسمية والاجتماعية ووسائل الإعلام؛ إلى تحصين المجتمع وتثقيفه أمنيا وفكريا، والتعريف بالإرهاب عن طريق المناهج والمقررات المدرسية، وعززت من روح الانتماء والولاء لهذا الوطن، وأزالت كثيراً من الشبه العقدية التي كان أكثر المضللين يعول عليها الكثير من المعتقدات الباطلة والمضللة للرأي العام. فأصدرت بذلك البيانات الرسمية، وساهمت في القضاء الكلي على جميع الخلايا والتنظيمات الإرهابية بكافة أشكالها وصورها وأنماطها المختلفة، وقامت الدولة بمناصحة بعض المتورطين الذين ثبت عنهم ولاؤهم وانتماؤهم لتلك الجماعات عن طريق مركز الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله للمناصحة، الذي بدأ العمل به رسمياً منذ العام 2006م، واستطاع أن يستوعب هؤلاء، وأن يصحح عقائدهم الباطلة ودمجهم من جديد كمواطنين صالحين فاعلين ومؤثرين في بناء ونهضة اللمملكة، ثم سعت بعد ذلك بكل الطرق إلى تأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب، ودعت إليه دول العالم ومنظماته ومؤسساته المعنية بهذا الأمر، وهو في طور الإنشاء والتأسيس، كما عبر عن ذلك خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في أكثر من مناسبة، وآخرها خطابه الأخير حول خطر الإرهاب المتمثل في داعش والنصرة والقاعدة وسواها..
* «الجزيرة» في هذا التحقيق؛ تلتقي بعدد من الأكاديميين والباحثين ورجالات الفكر والسياسة والمهتمين بهذا الشأن، وتعرض عليهم تساؤلات ومحاور مهمة تتعلق بالمشروع الإرهابي العالمي، للحديث عن جهود المملكة العربية السعودية في مواجهة واستئصال شأفة الإرهاب والمخربين، بعد أن عجت المنطقة العربية بعدد وافر من التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن، وتنذر بالتفتيت والخراب، وتتطرق كذلك إلى المخاطر الحقيقية للإرهاب على مستوى الأوطان، وخاصة بلدنا الآمن المملكة العربية السعودية، وما بذلته وتبذله من جهود لدحر الإرهابيين وإبطال مشروعهم الخبيث، وكذلك تسلط الضوء على الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، التي ألقاها مؤخراً للداخل والخارج، وما يجري من مؤامرات ومحاولات لزعزعة أمن المنطقة وتقسيمها الى أجزاء متناحرة، وإلى دعوة المملكة لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، ودعمها لتلك الفكرة ومؤازرتها وتقديمها كافة صور الدعم المادي والمعنوي، وما ينبغي فعله لضمان نجاح الفكرة على المستويين الإقليمي والدولي..
فكر متطرف لا وطن له ولا دين
* بداية تحدث إلينا الدكتور فواز الدهاس، عضو هيئة التدريس بقسم التاريخ والدراسات الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة أم القرى فقال: الفكر الإرهابي هو فكر متطرف لا وطن له ولا دين، بل هو أداة شر بأيد خفية، لكنني أعتقد أنها معروفة لدى الجهات ذات العلاقة، وهي أداة تخريب وتمزيق وترويع مهمتها إضعاف وحدة الصف في دول العالم العربي لمصلحة أعدائها المتربصين بها. وهذا الفكر يتشكل ويتلون حسب الزمان والأهداف المرسومة له من قبل دعاته ورعاته، ولم تسلم منه دولة ولم ينج منه مجتمع، لقد سمعنا وشبعنا وملينا من دعاية الربيع العربي المزيف؛ الذي كان في واقعه خريفا تهاوت أوراقه وتصدعت أرضه وتحطمت آماله، فأين الربيع الذي نادى به هؤلاء بعد كل هذا الجهد الجهيد، والذي أثمر عن تمزيق سياسي وتفجير إرهابي وضعضعة للمجتمع وعدم استقرار له. كنا نسمع عن القاعدة وما أدراك ما القاعدة، التي طبل لها الغرب وزمر، وأدخلوا الرعب في قلوب المجتمع العربي، وحققوا من وراء صناعتهم ما تحقق لهم من عبثية سياسية وفوضى اجتماعية وتمزيق للصفوف، وبعد أن تحقق لأعداء هذه الأمة أهدافهم؛ خرجت لنا بتفريخ منتج جديد هو داعش وما أدراك ما داعش، أرعب به المجتمع، وجيش له القوى، وتصدوا له بالطائرات، وأن غداً لناظره قريب. فما عسى هذه القوة المجيشة فاعلة بداعش في العراق..؟! أليست هي في الشام واليمن أيضا وغيرها، أم هي أداة يحاول من خلالها أعداء الأمة النيل من وحدتها. لقد أدركت المملكة العربية السعودية خطر هذا الفكر المنحرف قبل أن يتفشى في المجتمع العربي، وقبل أن يكون بصورته المخيفة، فحذرت منه مراراً وتكراراً، وعانت منه وحاربته في كل المحافل الإقليمية والدولية، بل إنها دعت لمكافحته وخصصت لذلك دعما ماليا. لقد أصبح خطر الإرهاب يطال كل المجتمعات العربية، وهو الأمر اللافت..! بل أصبح في الشام واليمن وشمال أفريقيا، غير أن العالم لا ينظر إليه إلا بعدسة محددة تحددها الأهداف والمصالح. فهل نفيق من سباتنا الذي نحن فيه، ونوحد صفوفنا في بلد الحرمين الشريفين، ونحمد الله على نعمة الإسلام التي أنعم الله بها علينا وحبانا بقادة هذه البلاد الذين لم يتهاونوا قط عن أمن بلادهم وحماية مقدسات الأمة..؟! فهي دعوة إلى أبناء وطني لعدم الالتفات إلى نعيق الناعقين في مواقع التواصل الاجتماعي، والذين لا هم لهم إلا النيل من هوية هذا الوطن وتلاحم أبنائه، فهل والينا بعضنا بعضاً وعذرنا بعضنا بعضاً والتفتنا إلى إصلاح ذاتنا ونياتنا وما قصرنا فيه..؟ المعلم في مؤسسته التعليمية، والإمام في مسجده، والعلماء في منابرهم، والمثقفون في وسائل إعلامهم، ندير حواراتنا، ونناقش همومنا، ونشخص الداء ونصف له الدواء..؟!
الأيدي الخارجية لتغذية التنظيمات الإرهابية.
* فيما أشار الدكتور إبراهيم السلمي أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى؛ إلى أن تركيز التنظيمات الارهابية في المنطقة العربية هي حلقة ضمن الحلقات الهادفة الى ديمومة الصراعات والنزاعات بالمنطقة، التي تهدف الى إلغاء كافة المشاريع المستقبلية للارتقاء بالحضارة الإنسانية في المنطقة، وهي تعي مدى توفر عناصر الارتقاء في المنطقة العربية، ولذلك تمتد كثير من الأيدي الخارجية الدينية والعرقية والسياسية بصور مباشرة وغير مباشرة، لتغذية هذه الخلايا والتنظيمات الإرهابية، ويتجلى ذلك بشكل واضح عندما تتمكن تلك التنظيمات من وضع قدم لها في أي دولة، وما يشهده العراق اليوم لهو أكبر دليل على ذلك، فسلبت خيرات البلاد، وفقد العراقيون مقومات الحياة الكريمة في مشهد مزق العراق به الى فئات دينية ومذهبية وعرقية وسياسية تزيد يومياً به الفجوة، وتتجاوز المخاطر الناتجة عن الإرهاب الكيانات السياسية الى مصطلح إزالة الإنسانية من قاموس الحياة نهائياً، وحتى الشعارات الدينية والسياسية التي يرفعها متزعمو تلك الحركات الإرهابية، لن تكون على أرض الواقع، وإن كانت فلن تخدم البشرية قطعاً، فواقع تلك الحركات على مر التاريخ هي حركات لا تحيد عن إزهاق كافة المكتسبات الدينية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بل تحيل الحياة إلى جحيم يحرق كل من يقف أمامه دون تمييز كما هو ظاهر من تشكيل تلك التنظيمات، ومن هنا فان المخاطر المترتبة على مثل ذلك ستنال من الفرد والجماعة، ومن المشروعات الأهلية والمؤسساتية في صورة يرى من خلالها هؤلاء الإرهابيون إلغاء كل ما هو موجود لإحلال ما يرغبون به دون قواعد واضحة لديهم، وتؤكد تصريحات المنتمين لتلك المنظمات هذه المخاطر عندما تظهر خطاباتهم كراهيتهم للقيادات السياسية والشرعية، بل وحتى الشعوب، ومن وجهة نظري كمتابع للمشروع السعودي لمكافحة الإرهاب؛ يتجلى أمامي تلك المنهجية العلمية التي اتبعتها المؤسسات الأمنية في مكافحة الإرهاب، وهو التصرف الرصين التي نهجته المملكة العربية السعودية، على الرغم من العاطفة الدينية لديها التي شاهدت دماء وأشلاء أبنائها وآثار الدمار بأرضها. كانت أكثر قدرة على الانحراف إلى كل ما يمكنه أن يخفف من أثر العمل الإرهابي، فمن تلك الصور العلمية فقد عقدت عددًا من المحافل العلمية لاحتواء وجهات النظر تجاه مشكلة الإرهاب والوصول من خلالها إلى حلول جذرية، ومنها المؤتمر الدولي الذي عقد في الرياضعام 2005، والملتقى العلمي الدولي «دور الإنترنت في محاربة الإرهاب والتطرف 2011».
* وأكد الدكتور إبراهيم السلمي على ضرورة أن يتحول المركز الدولي إلى مكافحة الإرهاب الذي دعت إليه المملكة إلى جهة ذات قدرة تنفيذية وفق اتفاقية عالمية تضمن عمل كافة المشاريع الصادرة عن المركز، وإن كان ذلك وفق امتيازات في مجال محدد تمنح للدول المنضوية تحت مظلة أعضاء المركز الملتزمين بالتطبيق، وكذلك توزيع المهام بصورة تكاملية تضمن لكل دولة موقعاً تتصرف من خلاله كدولة مسؤولة ومشاركة في آن واحد، وإيجاد فرق عمل قارية تعمل على تنفيذ آليات المركز والمشاريع المطروحة بصورة تنافسية.
الأمن هو المبرر الأساسي لوجود الدولة
* ولفت الدكتور فهد الطريسي أستاذ القانون بجامعة الطائف؛ إلى أن هناك العشرات من التنظيمات الإرهابية، ومع ذلك فلا يوجد اتفاق دولي على تعريف الإرهاب أو العمل الإرهابي رغم أهمية تعريف الإرهاب على المستويين الدولي والداخلي؛ فعلى المستوى الدولي يؤدي تعريف الإرهاب إلى إمكانية سن اتفاقية واحدة شاملة بشأنه، أما على المستوى الداخلى فإننا يجب عند سن الأنظمة أن نميز بين الجريمة العادية والجريمة الإرهابية.
وأضاف: إن الأمن والشعور بالأمن هو المبرر الأساسي لوجود الدولة، فإذا انتفى هذا المبرر انتفت الدولة نفسها، والإرهاب هو أحد أسباب انتفاء الأمن والشعور بالأمن على كافة المستويات: (الأمن على النفس، الأمن الثقافي، الأمن السياسي، الأمن الديني...الخ)، وبانتفاء الأمن والشعور به تتردى الأوضاع الاقتصادية، ويفر الاستثمار، وتنهار العلاقات الدولية، إضافة إلى ذلك تنهار حرية التعبير، ومن ثم حرية التفكير، والأنكى من ذلك أن يؤخذ القانون بيد الإرهاب، فتصبح الجماعات الإرهابية هي التي تطبق قوانينها على الأفراد دون أن يحاط تطبيقهم بالضمانات والمبادئ القانونية التي رسخت في الفكر القانوني إثر تفاعلات تاريخية طويلة.
* وقال الدكتور فهد الطريسي: إن المملكة تعرضت لعمليات إرهابية كثيرة كان من أولها العملية التي وقعت في الحرم المكي عام 1979م، والتي سفكت فيها دماء كثيرة، وتزايدت العمليات الإرهابية وبناء الخلايا الإرهابية النشطة والنائمة، إلا أن الأجهزة الأمنية وقد أضحت أكثر خبرة؛ استطاعت الكشف عن هذه الخلايا وتفكيكها، وكانت المملكة رائدة في مجال مكافحة الارهاب، فقد عقدت المملكة بالرياض أول مؤتمر لتعريف الإرهاب ومن ثم مكافحته عام 2005، وهي أيضاً صادقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. لا شك أن القيادة السياسية في المملكة وما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي قد أحبطت مخططات رسمت للتنفذ، وكان لهذه القيادة السياسة الدور الأكبر في الاستقرار السياسي في المنطقة، وهو ما يمثل الأمن القومي والعمق الاستراتيجي للوطن، وكذلك ما يمثله هذا من استقرار الأمن الداخلي، وما يمثله ذلك من إيمان المواطن بحكمة قيادته في إدارة دفة السياسة الخارجية بكل اقتدار.
على المملكة أن تشرع في إنشاء المركز ثم تدعو الدول إلى الانضمام لعضويته، وعليها أن تبدأه بدعوة موجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي ودول جامعة الدول العربية ثم دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أمريكا اللاتينية، إن إنشاء المركز هو الخطوة الأولى التي ستقلل من حالة التنازع الدولي، وتؤدي مباشرة إلى تبني مفاهيم موحدة وخطوات جادة لتحجيم نطاق الفكر الإرهابي.
المال والسلطة للقفز على أكتاف المخدوعين
* من جهته أكد الأستاذ محمد الحاقان- أديب ومثقف- على ضرورة عدم تعليق تصرفات المنظمات الإرهابية على مشجب واحد أو على حالة اجتماعية واحدة كالبطالة أو الجهل، أو الشعور بالهزيمة تجاه تفوق الآخر في الغرب والشرق، الذي أفرز حالة من القنوط واليأس والإحباط أدى في النهاية إلى الكراهية والرغبة في الصدام، إضافة الى فشل التجارب السياسية السابقة مثل الدعوات القومية والاشتراكية، التي حدثت بعد استقلال الدول العربية. هذه ممكن أن تكون مجتمعة أو متفرقة دفعت الشباب للبحث عن حل، وكانت الساحة الدينية نتيجة لظروف سياسية جاهزة لاستقبال هؤلاء البسطاء، والتي كان ينتظرهم فيها المتربصون من المفوهين والمتلبسين بالدين، الطامحين للمال والجاه والسلطة، المستعدين للقفز على أكتاف المخدوعين واحتلال أدمغتهم، وعندما ينجح أحدهم يثير غيرة الآخر لتقليد من سبقه، وهكذا يتزايد العابثون واللاعبون من خلف الستار، والذي يدفع الثمن هم هؤلاء الشباب ومستقبلهم ومستقبل أوطانهم، وهناك آخرون من المتحمسين والمتحجرين بدون وعي، والذين يعتقدون أنهم يملكون الحقائق المطلقة، وأنهم وكلاء الله على الأرض، وأن لا دين إلا ما فهموه هم، فتحول الدين إلى مهنة تدر الدينار والدرهم والشهرة والجاه، وهنا اختلف التجار، فصنع كل تاجر صنمه، فهذا سروري وهذا إخواني وهذا صوفي وهذا سلفي..! وهذه أنبتت مجموعات من المنظمات الإجرامية وقودها جمهور الغوغاء التي نشرت الخراب والدمار. اعتقد هؤلاء أن الحل ما قاله فلان الذي يملك الحقيقة، وأن سبب ما يعانيه المسلمون هو البعد عن الدين حسب تفسيرهم..!
* ثم يقول: إن هناك أخطاراً كبيراً يمكن ترتيبها حسب أهميتها، والتي تتمثل في تدمير اللحمة الوطنية، والانتماء لفكر أممي لا يلتقي مع الواقع المعاش في هذا العصر، فالواقع أن هناك دولاً عربية ودولاً إسلامية، ولا يوجد أمة عربية أو أمة إسلامية. وهذا لا يمنع أن تتوحد هذه الدول تحت راية المصالح وتبادل المنافع لتحقيق التطور والقوة والمنعة والرخاء والاستقرار لشعوبها، ودفع عجلة التنمية للأمام، وكذلك الفكرة الأممية فكرة طوباوية يستحيل تطبيقها على أرض الواقع، بل سوف تؤدي إلى تمزيق الدول لاختلاف الغايات والأهداف وتضارب المصالح، ومحاولة فرض العقائد والمذاهب المتنافرة والمتناحرة، وهناك تجارب ناجحة احترمت خصوصيات الدول وإمكاناتها في أوربا وشرق آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، وحققت الاستقرار والرخاء، ويمكن الاقتداء بها لخلق منظمات واتحادات تخدم استقرار ورخاء الجميع، إضافة إلى أن خطر ضياع الوقت وتأجيل الحلول، قد يجعل علاجها صعباً أو مستحيلاً في المستقبل، ومشاكل الأمم مثل المرض كلما بادرت للعلاج كان الشفاء أقصر وأسهل، ونحن نملك الامكانات والوسائل للحفاظ على وحدتنا ومكتسباتنا، وبالذات أننا مجمعون على قيادة لا نختلف عليها، وهذه مميزات يجب استغلالها، وأنا لا أبالغ إذا قلت إن الكلمة التي قالها الملك في مجلسه كان تأثيرها أكبر من تأثير الكلمة التي ألقيت عبر مذيع في التلفزيون، لما للملك من حضور وتأثير في نفوس الناس، ودون شك أن الأجهزة الأمنية نجحت في تقليم أظافر المنظمات الإرهابية، ومما يدعو للتفاؤل والإشادة ما قاله ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز: إن للمواطن دوراً كبيراً في هذه المعركة، ولكن دعاة التحريض لا يزالون يعملون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال منابر المساجد والمخيمات الدعوية وأقسام التوعية الدينية في الإدارات الحكومية وحلقات ومدارس تحفيظ القرآن والجمعيات الخيرية وهيئة الأمر بالمعروف ومدارس التعليم العام والجامعات وبعض وسائل الإعلام، وإلا ماذا يمكن وصف قول إمام الحرم المكي (أبو طالب) عندما قال في خطبة جمعة يسمعها الملايين موجهاً كلامه للمقاومة في غزة: (إننا نعتذر منكم فقد خذلناكم)..! بالتأكيد أن المستمع يفهم أن المملكة خذلت المقاومة.. أليس هذا تحريضاً على بلادنا بطريقة غير مباشرة..؟! في الوقت الذي لا توجد دولة عربية أو إسلامية دعمت القضية الفلسطينية بصدق عبر تاريخها منذ عهد اللك عبدالعزيز حتى اليوم كالمملكة العربية السعودية.. أنا لا أشكك في هذا الرجل أو غيره ولكن اعتقد أنه غافل أو محرض ناعم، يستحيل على أي قوة في الأرض الاعتداء على بلادنا إذا كانت الجبهة الداخلية مصانة وموحدة، ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن التدخل الخارجي حصل نتيجة لاختراق داخلي.. يجب أن نعمل بكل قوة لتحصين الجبهة الداخلية.
* وأكد الأستاذ الحاقان على أن خادم الحرمين الشريفين يملك من المعلومات والوعي بحجم المخاطر التي تحاك ضد المنطقة الكثير، والتي تحقق بعضها في الجوار وما يحاك ضد بلادنا. والواجب أن ينهض كل مواطن بواجبه، فالوطن تحيط به المخاطر من كل مكان، ولا عذر لمواطن متهاون أو متراخٍ عن القيام بواجبه، وكلما عظمت مكانة الفرد زادت مسؤوليته، والذي أثار الاستغراب أن رجال الدين الذين يتجمعون ويصدرون البيانات تلو البيانات في أمور تافهة، لم يحركوا ساكناً..! والوطن يتعرض لهذه المخاطر، والساكت عن الحق شيطان أخرس، بل إن الساكت عن الإرهاب هو والإرهاب وجهان لعملة واحدة.
* ثم يتساءل الحاقان في معرض حديثه: أين الذين تجمعوا أمام القصر الملكي للمطالبة بلقاء الملك في اللمم، والآن أصابهم الصمم..؟!! مع أن فيهم الكثير ممن أوصلونا إلى هذا المأزق. إن الذي يعنينا أن نضع النقاط على الحروف، فالوقت لا يسعفنا بالمداراة والمجاملة، ونحن كما قلت سابقاً نملك القدرة والإمكانات، وهناك عشرات الطرق والوسائل لدرء هذا الخطر.
* ويواصل الحاقان قائلاً: يجب أن نفعل قدراتنا المالية وإمكاناتنا الدينية والاقتصادية ونجاحنا الأمني واحترامنا الدولي لمحاربة الارهاب، يجب أن يستيقظ إعلامنا وينتصر للوطن، فالكسل الذي حذر منه الملك مع الأسف مصاب به إعلامنا الرسمي وبعض الإدارات الرسمية ذات العلاقة، يجب التوقف عن الانقياد للمؤسسة الدينية التي أثبتت أنها غير قادرة بإرادتها أو خارج إرادتها عن التناغم مع المخاطر التي تحيط بالوطن. ليتنا استفدنا من 150 ألف طالب في الخارج في دورات لا تتجاوز عشرة أيام لإعطائهم فكرة عما تعاني بلادهم وما هو واجبهم.
المواطن رجل الأمن الأول
* وأشار الأستاذ علي الثبيتي- مدير تعليم سابق- إلى أن أهم ما تميزت به المملكة في مكافحة التنظيمات الإرهابية هو ما قامت به الدولة في إشراك المواطنين في التصدي لها والتبليغ عنها، وجعله شريكاً رسمياً في مواجهة تلك الفئة الباغية، واعتبار المواطن هو رجل الأمن الأول.
* وقال الثبيتي: في رأيي أن أهم ما يميز السعودية في مكافحة الإرهاب جعل المواطن شريكاً فاعلاً للدولة في المكافحة، تجلّت في مظاهر متعددة، ومواقف إيجابية ساهمت في القبض على إرهابيين أو مداهمتهم في أوكارهم. ولما كانت الدولة إحدى المرتكزات السياسية في العالم، إلا إن السعودية من الدول التي يُتهم بعض مواطنيها بالإرهاب هنا، وهناك ممن غرر بهم، وهذا أضاف بعداً قوياً لتثبت الدولة أنها ترفض الإرهاب، بل وتنبذ الإرهابيين، لتضاعف جهودها في مكافحة الإرهاب، وتقدم للعالم أنموذجاً عملياً، على المستوى المحلي أو العالمي.
* ويضيف في هذا الصدد: لعل من الأجدر بنا أن نشير إلى بعض المسلمات التي تعطي الدولة دفعاً قوياً للوقوف في وجه العنف، والقضاء على الإرهاب، وهي أن السعودية دينها الإسلام، والإسلام ضد العنف. وهي قبلة المسلمين، وقدوة يحتذى بها. ولها ثقلها الدولي. والسمعة الحسنة، والصورة الإيجابية. والإيمان بحق المواطن في حصوله على حقه من الأمن والاستقرار. واجتثاث الفساد بكافة أنواعه، والإرهاب فساد في الأرض. والحفاظ على الكيان الاجتماعي متماسكاً أحد أهداف الدولة. وحقوق الإنسان في أولويات سياسة الدولة. وانطلاقاً من هذا، وبناءً على المسلمات، فإن هذا يرتكز على أسس ودعائم، ذات رسوخ قوي في جذور الموقف، ومرتكز أساس في مكافحة الإرهاب، تضمنت ثلاثة أبعاد أرى أنها تحقق عمقاً، وتبني أساً في موقف الدولة، ومكافحتها للإرهاب، وهذا الأبعاد هي على النحو التالي حسب قوتها، ومكانتها في إدارة الأحداث: الديني، والاجتماعي والسياسي.
المواطنة البوصلة الحقيقية لحياة الوطن
* من جانبه أكد البروفيسور عائض الزهراني؛ أستاذ التاريخ النقدي بجامعة الطائف وعضو دارة الملك عبدالعزيز عضو اتحاد المؤرخين العرب، أن الشعب السعودي بجميع شرائحه ومكوناته؛ ضرب أجمل الأمثلة وأروع صور التلاحم بين القيادة والشعب في خضم الأحداث الجسام التي يمر بها العالم العربي، وما يحاك ضده من مؤامرات داخلية وخارجية وإقليمية ودولية، أدت الى احراق تضاريسه، وحصدت أرواح الآلاف من الأبرياء، ورسمت الحزن في كل مكان.
* ثم قال: ليعلم المرجفون بأن المواطن السعودي يقف في لجج الأزمات بإخلاص وتفانٍ مع قواته المسلحة بالإيمان، وسيحمي حدود وطنه مع أولئك الأبطال، والمواطنة هي البوصلة الحقيقية لحياة هذا الوطن.
* وأشاد البروفيسور الزهراني بالمضامين الضافية والدلالات العميقة والمركزة التي تضمنتها كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، والتي ألقاها مؤخراً ووجهها للأمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي مؤخراً قائلاً: بأن خادم الحرمين الشريفين قد وجه خطابه من قلب دامٍ، يصدع بالحق، من غيرته الدينية، وقوميته العربية، وما يعانيه من ألم، ينزف من فؤاده؛ لما يشهده العالم العربي من تطرف إرهابي أفرز حروباً مدمرة للإنسانية، قتلت العباد، ودمرت البلاد، في الوقت الذي جاءت فيه ممتزجة بصمت مطبق، من المجتمع الدولي بكافة مؤسساته ومنظماته، تجاه هذا الإرهاب والعنف والتدمير الصهيوني لسحق الشعب الفلسطيني في مجازر جماعية بشعة، ويزداد الألم والترويع إزاء ما يمارس على الشعوب العربية، من إرهاب وقلاقل، يقف خلفها خوارج العصر، ممن انحرفوا عن الطريق القويم، وأصروا على نشر أفكارهم التكفيرية، الموسومة بالتخلف والعنف، واستباحة قتل النفس المسلمة، والتفجير والتدمير، متدثرة بلباس الدين، مرتكزة على شبهات مختلة، مستخدمة الأساليب المدلسة، من زخرف القول والغرور والخيال والفتنة؛ للتغرير بشباب الأمة؛ ليكونوا وقوداً لحروب الضلال، وتشويه وتهديد الإسلام، في عقيدته، وأصول شريعته، ومفاهيمه الإسلامية النقية، حيث تسعى هذه الفئة إلى هدم العقيدة الإسلامية وإخراجها من مسار فكرها الصحيح، بتمرير ضلالات وخزعبلات على عقول المجتمعات ليعتنقوها، ويندمجوا بها، ويقوموا بانتهاك المحرمات وسفك الدماء وإشاعة الفوضى، واستخدام سلطة العنف.
وأشار إلى أن كلمة خادم الحرمين الشريفين ركزت على ما دعا إليه منذ عقد من الزمن بإنشاء مركز لمحاربة الفكر الضال، وتجفيف منابعه، وردم مستنقعاته، وتدمير خنادقه، ولم يلق المقترح المتكامل وقتئذ أذناً صاغية من المجتمع الدولي، ولم تستثمر خبرة المملكة مع التطرف الإرهابي.
وذكر أن خادم الحرمين الشريفين في مجمل خطابه قد رفع شعار توحيد الصف وجمع الكلمة لإنقاذ الأمة، ونبذ شعار التخاذل، والصمت المعيب، وأن الأمر يتطلب من العلماء المسلمين والمفكرين والمثقفين والإعلاميين بذل كل جهدٍ وطاقة، وأن يتصدوا بحزم لهذه الأفكار المشوشة والدعوات الضالة المنحرفة، مع مواجهة من يتبناها ويدعو لها من ذوي النفوس المريضة والضعيفة والمصالح الشخصية بالحوار والنقاش وتقويم الفكر والتفكير.