يعلم معشر الكتاب أن الكاتب الجيد في ثقافتنا العربية هو الكاتب السوداوي، وجرت العادة بأن يوصم كل كاتب يتجرأ على مدح مسؤول، أو دائرة رسمية بأنه «مطبل»، ولذا يتهرب معظم الكتاب من الإشادة بأي أحد، وأي إنجاز وطني، تحت أي ظرف!، والمؤلم أن هذه أصبحت صفة تصبغ معظم إنتاج الكتاب السعوديين، والعرب عموما، ولكن مهلا، لن أرضخ لهذا الابتزاز، مع كامل تقديري لقرائي الأفاضل، ومن يريد أن يقول عني إنني مطبل، بعد قراءة هذا المقال، فسأكون سعيدا بذلك، خصوصا أنني أكتب عن حقائق لا تخطئها العين.
بدأت الحكاية قبل أشهر، في إحدى كتابات العدل، إذ إنني كنت قد زرت إحداها قبل أعوام طويلة، ولم تكن تجربة مريحة، ولذا فقد كنت مهموما، ثم تذكرت أن معالي وزير العدل تحدث إلينا، تحت قبة هذه الجريدة، وشرح لنا كثيرا من الخطوات التطويرية، ضمن مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، فقلت دعني أجرب أثر هذه القفزات التطويرية، فدلفت إلى كتابة العدل بعد الظهر مباشرة، ووجدت قاعة جميلة، بكراسي وثيرة، ومسؤول سعودي، شاب أنيق، يطلب مني أن آخذ رقما، تسلمته، وجلست على أحد المقاعد، في القاعة الباردة، ولم أنتظر سوى دقائق، حتى ظهر خلالها رقمي على الشاشة المعلقة في ركن القاعة.
تحركت صوب النافذة، وأبلغت الموظف الشاب عن الغرض الذي جئت من أجله، وخلال أقل من دقيقتين، وضع شاشة الحاسوب أمامي، وطلب مني اختيار الخدمة، والصيغة المعدة سلفا، وبعدما فعلت، طلب مني الصعود إلى طابق آخر لاستلام الوثيقة من كاتب العدل، الذي كان في منتهى اللطف، وسلمني إياها خلال دقائق، أثناء جلوسي على مقعد وثير في مكتبه، وبعدها ذهبت إلى مكتب رئيس الدائرة، الذي أنهى الإجراء، خلال دقائق أيضا، والخلاصة هي أن كل الإجراءات المطلوبة تم إنجازها خلال أقل من نصف ساعة، علاوة على التنظيم المتقن، والهدوء، والانضباط التام من قبل العاملين، ورأيت من واجبي أن أكتب عن هذه التجربة، فلو كانت في بلد آخر، لصدّع مناضلو الزيف رؤوسنا بها. هذا، ولكن طالما أنها هنا، في وطننا، فيسؤوهم أن نتحدث عنها، ولكنني فعلت، وسأواصل الحديث في المقال المقبل عن الخدمات الكبيرة، والميسرة، التي يقدمها مقام وزارة الداخلية، التي جربتها بنفسي، خلال الأيام الماضية، وما زلت غير مصدق أن هذا التطور المدهش جرى بلا ضجيج، فإلى فاصل «ردح» وطني آخر، ومستحق، ولن يضيرني أن يغرد صديقي إياه: «قرأت لكم: ردح وطني مستحق.. للدكتور أحمد الفراج»، ثم سيعلق: وماذا عن سيارة غزال يا دكتور؟!»، ومع ذلك فالسوداوية ليست من طبعي، وهو يعلم أني أحبه في الله.