في كل مرة أقوم بالحديث عن العُرْضِيّة، أود أن أغطي بدراسة موثقة جوانب الحياة الفكرية والحضارية والاجتماعية المختلفة، وكل منها يستحق أن نكتب عنه موضوع مستقل عن الآخر، ولكن بسبب مشاهداتي الشخصية وبعض الانطباعات أعود للكتابة عن التطور الاجتماعي لهذه المنطقة من خلال ما رأيت وما نقلته عن المعاصرين، لعل هذه المقالات تفتح المجال رحباً واسعاً لمزيد من الكتابة عن هذه الديار خلال العقود الماضية أو نأتي بجديد من تلك الأطروحات أو يجيء في المستقبل من يقوم بدراسة نقدية لها، ويخرج منها بفائدة، وفي مقال اليوم سوف ندرج لمحات عن الأوضاع السكانية في الماضي والأبنية الحجرية والآبار وذلك على النحو التالي:
1- الوضع السكاني:
بالحديث عن التركيبة الاجتماعية لأهل العُرْضِيّات فإن أغلب السكان من قبيلة بلقرن وشمران وخثعم، وتوجد عناصر بشرية أخرى ولكنها قليلة وتتواجد في المراكز الحضارية الكبيرة بكثرة كالقنفذة وبيشة وأبها، وكانت تلك العناصر قد وفدت من خارج المنطقة وهناك دراسات حديثة قامت بالتفصيل عن ذلك، والعرضيتين كغيرها من الأقاليم المجاورة لها كالباحة، لا تخلو من بعض العشائر والقرى والأسر العدنانية، بسبب اتصال هذه الديار بأهل الحجاز منذ الجاهلية بعلاقات اجتماعية وسياسية وثقافية، وكانت تمتد سلطة أشراف مكة أحياناً إلى العرضيات، أما في العصر الحديث فقد تجاذبت العرضيتين بعض القوى السياسية والإدارية، ففي النصف الأول من القرن (13هـ/ 19م) دخلت تحت نفوذ الأشراف والقوى العثمانية في الحجاز، ثم بعد ذلك أصبحت إلى جانب إمارة آل المتحمي في عسير، واستمرت منذ الخمسينات إلى ثمانينات القرن نفسه، وعندما أصبحت عسير تحت حكم المتصرفية في أبها من سنة 1289هـ إلى 1337هـ أصبحت العُرْضِيّة إدارياً وسياسياً تابعة للحكومة العثمانية، وفي الأربعينات من القرن الماضي دخلت هذه البلاد تحت حكم ابن سعود، وتطورت حتى أصبحت محافظة من محافظات المملكة.
2- وضع الآبار في العرضيتين:
إن الآبار الجوفية هي من المصادر المائية في حياة سكان العُرْضِيّة فلا تخلو ناحية أو وادٍ من وجود بئر، ويقوم بالحفر أهل هذه البلاد أنفسهم، حيث يتعاونون في ذلك ويكون حفر البئر بشكل مربع، وتبنى الأجزاء العلوية بالحجارة حتى لا يتساقط التراب في البئر مرة أخرى، وتتراوح أطوال الآبار في الماضي من 20- 50 متر، وكانت تستخدم السواني أثناء رفع المياه من الآبار، وكل بئر يعمل في أحد أطرافها العلوية حوضاً يسمى (القف) أو (الجابه)، وكذلك ممر يسير فيه الحيوان (الأبقار وأحياناً الجمل) أثناء رفع الماء لري المزارع، وفي العقدين أو الثلاثة الماضية حلت المكائن والآلات التي ترفع المياه بدلاً من استخدام الحيوانات ولم تعد تُرى الجمال والبقر في هذه المهنة، ومن الأمور الملاحظة على الآبار في العرضيتين في زمننا هذا ما يلي:
أولاً: أن أغلب الآبار الجوفية جفت وغارت مياهها، بسبب تأخر نزول الأمطار، وبسبب حفر الآبار الارتوازية التي تصل أعماقها إلى مئات الأمتار، كما أن مالكي الآبار القديمة قاموا بحفر وتعميق آبارهم باستخدام الديناميت مما خلخل الصخور وتسربت مياه الآبار من بينها.
ثانياً: لاحظت أن الكثير من الآبار الجوفية في العرضيتين لها أسماء، إما أن تسمى باسم المكان الذي وجدت فيه أو باسم القرية، أو الوادي، أو اسم صاحب البئر.
وأعود للحديث عن مظاهر الحياة الاجتماعية في محافظة العُرْضِيّات ومن خلال ما نُقل عن المعاصرين والمشاهدات الشخصية، تكونت لدينا فكرة أن نقدم نبذة بسيطة عن حياة الناس خلال القرنين الماضيين فنشير أولاً إلى الألبسة والزينة، حيث كان في أسواق المنطقة الأنواع من الأقمشة والألبسة وكذلك بعض أدوات الزينة الخاصة بالنساء والرجال مثل، الكحل، وبعض الأشجار النباتية و (الغرازة) التي كان يضعها الرجال في رؤوسهم ويضعنها النساء في رؤوسهن من باب التزين بها، كذلك بعض أدوات الزينة عند الرجال مثل، العمائم، والمصانف، والاحتزام ببعض الأسلحة كالجنابي والخناجر والقديمي وما شابهها.
وبعض النساء في الماضي بأسواق العرضية كن يعملن في البيع والشراء، وأغلبهن يرتدين الثوب الأسود الفضفاض، والبعض الآخر يرتدي الثوب الأحمر وقليل منهن من كانت ترتدي الثوب الأصفر الأكثر جاذبية، وكن يلبسن جميعاً ذلك الخمار الأسود الذي يغطي الرأس والوجه حتى الصدر.
ورغم أن الفقر كان سائداً على أغلب السكان في بلاد العُرْضِيّة، إلا أنها كانت تتوافر في الأسواق الحبوب وبعض الأطعمة، وأغلب أطعمتهم من محاصيلهم الزراعية ومن منتجات حيواناتهم.
ومن العادات التي كانت سائدة ومشاهدة في العُرْضِيّة الجنوبية والعُرْضِيّة الشمالية زواج الشباب والشابات في سن مبكرة، حيث يقول أحد الرحالة عندما مرّ بها أنه رأى بعض الشباب في المنطقة يتزوجون وأعمارهم تتراوح ما بين (12 - 13) سنة، كما أن قيمة المهور في منتصف ونهاية القرن الماضي تختلف من البكر إلى الثيب، فالمرأة التي سبق لها الزواج من قبل يكون مهرها يتراوح من (10-20) ريالاً في حين أن الأبكار تكون مهورهن أعلى.
وهناك عادات وتقاليد مختلفة في حياة أهالي العُرْضِيّات الاجتماعية وكانوا يمارسونها سنحاول في المرات اللاحقة أن نشملها في حديثنا وهي عادات الخطبة والزواج وعادات الفنون والرقصات والألعاب الشعبية، وعادات الختان، والصلح، وإعطاء الوجه أو الجوار، وتبادل الأخبار، وعادة السماوة أو السماية.
وأخيراً واستناداً مني إلى عدد من المراجع ومنها القول المكتوب وفي الأسطر التالية أريد أن أتناول أسماء بعض أدوات المنزل في العرضيتين والأثاث الذي كان يستعمل في القرنين الماضيين، ومعظم هذه الأدوات لم تعد تستخدم بل انقرضت ولم تعد تُرى إلا في المتاحف وهذه الأدوات على النحو التالي:
1- السرير (القعادة): وهي تصنع من الخشب بشكل مستطيل ويتم تحبيلها بالحبال المصنوعة من السعف والطفي، وهذه الحبال تسمى بـ(الدَوَلَهْ) حيث تصنعها بعض نساء العُرْضِيّة وتتخذ منها وسيلة لتأمين معيشتها وهذه الدَوَلَه تصبغ بعدد من الألوان تكسب السرير منظراً جميلاً، ولم تكن تلك السرر تتسع لأكثر من نفر واحد، ولا تكفي لسد حاجة جميع أفراد الأسرة بل كان البعض ينام مع أخيه على الكرسي إن كانوا من الأطفال.
2- (المنبر): هو المقعد والكرسي وهو أيضاً مصنوع من حبال السعف والطفي ويكون على شكل مربع ويستخدم للجلوس من قبل الضيوف وكبار السن في المنزل، ويستعمل في حفلات الزواج فتجلس عليه العروس ليلة زفافها.
3- الزنبيل (المحفرة): وعاء صغير نسبياً يستعمل لنقل بعض الأغراض الشخصية، ويستخدم كذلك لنقل التراب والطين ونقل المحاصيل الزراعية.
4- المصلاة: هي السجادة المصنوعة من الطفي وتستخدم لغرض الصلاة عليها.
5- المِشْوَفَه: هي المروحة وتستخدم للتهوية عند اشتداد الحر، وتستعمل أيضاً في الأماكن المكتظة بالناس لجلب الهواء البارد وتسمى في بعض قرى المنطقة الجنوبية بـ(المهفة).
6- التورة: وعاء لطبخ العيش واللحم وهي مصنوعة من الطين.
7- الزير: وعاء من الطين لحفظ الماء بارداً.
8- الصحفة: هي عبارة عن صحن خشبي مصنوع من شجر الغرب (الأبراء) ويستعمل للأكل عندما يوضع فيه العيش، ويكون عليه نقوش جميلة.
9- القدح: ويشبه القدر الصغير، ويصنع من الخشب، ويستخدم للحليب والماء.
10- المهراس: ومعه ما يعرف بـ(الودي) وهي اليد التي يطحن بها، ويستخدم المهراس لطحن البن والهيل والزنجبيل، والبعض منها كبير الحجم يستخدم لطحن البارود.
11- الشبكة: أداة لتعليق الأشياء التي يخشى عليها من الحشرات إذا تركت على الأرض كالسمن واللبن.
12- القربة: تصنع من جلود الغنم والضأن، وتستخدم لجلب الماء من البئر إلى المنزل، وتساعد على بقاء الماء بارداً.
13- الشكوة: تصنع من جلود الغنم الصغيرة، وتستخدم لمخض اللبن.
14- العُكَّة: تصنع من جلود البهم وهم صغار الغنم، وتستعمل لحفظ العسل والسمن، وكان يلجأ الناس في الماضي لصناعة العُكّة من جلود القطط وذلك لعدم استطاعة الفئران قرض هذا النوع من الجلد، بينما يسهل على الفأر قرض جلود الأغنام والتغذي على ما بداخلها من سمن وعسل.
15- الدلو: يصنع من الجلد، ويستخدم لاستخراج الماء من البئر.
16- الحبال: وهي عدة أنواع منها ما يصنع من الطفي، وبعضها يصنع من ليف الأشجار، وحبال أخرى تصنع من جلود الجمال.
17- الخُرْج: يصنع من الطفي، ومن الصوف، أو من الجلد، ويوضع غالباً على ظهور الحمير.
18- الشربة: هي الدلة، وتصنع من الطين، وتستخدم للقهوة، وتغطى فوهتها ببعض الألياف النباتية، وظهرت صناعات نحاسية منها، منذ ثلاثة عقود تأخذ شكل الاستطالة ولها سدادة تغطى بها مصنوعة مما يشبه الفلين أو نشارة الخشب المضغوط.
19- المُحْقُن: هو القمع المصنوع من الطفي، ويستخدم لصب الماء في القربة، والسمن في العِكاك.
20- المطحنة: نوع صغير من الحجارة، يصل طولها إلى (60) سنتمتر، في عرض يتراوح بين (30-40) سم، ولها يد تعرف بـ(الودي)، وتستخدم لطحن الطيب، وطحن الحبوب، وتستورد من القنفذة.
21- الرحى: هي اسم مشهور من قديم الزمن، تستخدم لطحن الحبوب، وهي عبارة عن قرص حجري دائري يصل قطره إلى أكثر من متر، ومثقوب من المنتصف، وترفع الرحى على أربعة قواعد حجرية، وعليها صخرة دائرية أخرى صغيرة يصل قطرها إلى 35 سم أو 40 سم وبها ثقب في المنتصف، وتوضع عصى في ثقبي الحجرين وتحرك بشكل دائري لطحن الحب، ويصنع هذا النوع في قرية بالباحة إسمها دار الرمادة.
ولدى أهل العرضية ألفاظ تحدثت عن بعضها في مقال سابق، ولم آت عليها كلها، وفي السطور التالية أكمل تلك المفردات مع تفسير لمعانيها ومصدرها في بعض المعاجم اللغوية:
1- أجدوى: سكون الجيم وفتح الدال والواو، أي بمعنى أشتاق وربما أهل هذه النواحي من تهامة أضافوا الدال، وفي العربية الجوى: الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن.
2- أشوى: أي أحسن، وقد يسأل الإنسان في مرضه فيقال له: (كيف حالك) فيكون جوابه أشوى، والشوي: الهين من الأمر.
3- بَرّهْ: خرج مبكراً، ويقال: أين برّهْت، أي أين خرجت في الصباح، أو ما بره بك: ما الذي أخرجك في الصباح الباكر.
4- بَهْم: يعني صغار الغنم، وهي عربية فصيحة جاءت في معجم اللسان في مادة (بهم) والبهيمة كل ذات أربع قوائم من دواب البر والماء، وجمعها بهائم، والبهمة: الصغيرة من أولاد الضأن والمعز، والذكر والأنثى في ذلك سواء.
5- تهرج: أي تكلم، ويقال هرج القوم: أي في كلامهم حدة وشدة وارتفاع.
6- تَبّه: أي المكان البارز المرتفع من الأرض.
7- جَلّه: يقصد بها الأرض الرملية.
8- جاهل: الطفل الصغير، فيقال سمعت جاهلاً يبكي، أي طفلاً يبكي، والجهل عكس المعرفة والعلم، وكون الطفل يولد جاهلاً ليس لديه علم بالحياة فقد أطلق عليه أهل العرضية اسم (جاهل).
9- حاق: أي نظف ويقال حاق البيت حوقاً: أي كنسه ونظفه.
10- خَشّ: أي دخل، وإذا تزوج الرجل ودخل بزوجته، يقال أحياناً خَشّ أو دخل بها، أي جلس منها مجلس الرجل من زوجته، ويقال: أنخش الرجل في القوم إنخشاشاً، أي دخل فيهم، ولديهم بالعُرْضِيّة قرية اسمها مخشوشة يقال إنها مشتقة من هذا الاسم، وفسّر اسمها الأستاذ الرزقي بأنها من الخشية وشدة البأس.
11- خُبْرَة: أي المجموعة أو الجماعة من الناس.
12- الخَلْب: هو الطين المعجون بالماء.
13- دَوّر: يقصد بها البحث عن شيء ما.
14- ذَلَف: أي تجاوز شيئاً ما، فيقال ذلف المسافر من وراء هذه الهضبة، أي تجاوز هذه الهضبة في ذهابه وسفره.
15- ذَمّ: من الدين، فيقول التاجر لزبونه اشتر ما تريد وسوف أذم لك في الثمن، أي أعطيك بالأجل أو الدين.
16- زَرْبَة: سور من الشوك يوضع للبهائم، والزريبة: حضيرة الغنم.
17- سَكّرْ: أي قفل، والمثل الشعبي يقول (باب يأتيك منه ريح سكّره وأستريح.
18- شَرْهَه: العيب والعار.
19- شُرْفِيّة: اسم يطلق على الأرنب.
20- الفرير: ولد النعجة.
21- فُجْرَة: أي الفتحة أو الباب، فيقال فتح الفلاح فجرة في مجرى الماء إلى المزرعة، أي فتح طريقاً في مجرى الماء الرئيس إلى مجرى آخر يسقي به الزروع.
22- الكُتْحَه: صفة تطلق على الرجل الذي لا يستطيع تدبير أموره، وتأتي بمعنى المغرور.
23- المِسَلّه: هي الإبرة.
24- نَعَلَ: يقصد بذلك اللعن، فبدلاً من أن يقول الواحد، (الله يلعن كذا وكذا) فهو يقلبها ويقول (الله ينعل كذا وكذا) .
25- هَلِمْ: أي تعال نحوي، ومعناها في القواميس العربية أي: أقبل وتعال إليّ.
26- وَثِر: أي يعمل عملاً معيناً بالجبر والقوة، فمثلاً عليه دين ولم يسدده فيقال له وثرت سداده، أي لزاماً عليك سداد دينك.
27- ورّع: أي انتظر، والتورع أي الانتظار والتوقف.