دشَّن معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى منظومة المحاكم المتخصصة في المملكة، إذ تم انطلاق المحاكم المتخصصة بافتتاح محاكم ودوائر الأحوال الشخصية في كل من الرياض ومكة وجدة
والمدينة والدمام، والتي تعنى بنظر القضايا الأسرية، شاملة قضايا الطلاق والخلع والنفقة والحضانة وما له علاقة بها.
هذا التدشين سبقه جهود مضنية قامت بها وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء في سبيل إخراج مشروعها القضائي المتخصص والذي يمكن وصفه بالمشروع العملاق والطموح لتطوير العمل القضائي المتمثل في إنشاء عدد من المحاكم والدوائر القضائية المتخصصة عبر محاكم الأحوال الشخصية في خطوة أولية، تمهيداً لتفعيلها ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء والذي شهد افتتاح هذه المحاكم والدوائرالقضائية المتخصصة في مرحلتها الأولى في العديد من المناطق الرئيسة بالمملكة ومن ثم في مختلف المناطق وفق جدول زمني أعدّته الوزارة يستهدف استحداث 5 دوائر قضائية متخصّصة في الأحوال الشخصية بمختلف المناطق، مهمتها البت في القضايا الأسرية وسرعة إنجازها والتي بدأت منتصف الشهر الماضي في الرياض، وستعمّم إلى مختلف المناطق وفق جدول زمني أعدّته وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء.
وستتولى الدوائر الجديدة الفصل في القضايا الزوجية والأسرية بهدف تسريع التقاضي في القضايا الأسرية من خلال استخدام برنامج إلكتروني يقرّب المواعيد بحيث لا تتعدّى أسبوعين على الأكثر، وتنفيذ أحكامها فوراً عبر قضاة التنفيذ بالقوة الجبرية، ومنح الخصوصية الأسرية بعيداً عن القضايا الجنائية الأخرى.
هذا المشروع العدلي المبشر الذي قامت به الوزارة والمجلس الأعلى للقضاء وطبقته على أرض الواقع الشهر الماضي يعد نقلة جديدة في مسيرة تطوير القضاء ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير المرفق العدلي، ورغم تنفيذ هذا المشروع التطويري المتخصص بمحاكم الأحوال الشخصية منذ فترة قصيرة في الرياض خلال الشهر الماضي إلا أن مؤشراته ظهرت في تقليل الضغط على القضاة في مباشرتهم قضايا متخصّصة فقط، فقضاة المحاكم الأسرية لا تنظر سوى في هذه القضايا مما أوجد نوعاً من التخصص الذي يساعد على الإبداع والإنجاز، وهذا ما تحرص عليه الوزارة وهدفت من أجله في إنشاء المحاكم المتخصصة، وأسهم بالفعل في تخفيف نحو 33% من حجم القضايا الواردة إلى المحكمة العامة بالرياض، وقلّل من التذمّر من تأخّر البت في القضايا الأسرية وتداعياتها الاجتماعية.
وبحسب الوزارة في الأسبوع الماضي انتهت إجراءات التقاضي لإحدى الحالات الأسرية، وحكم فيها خلال يومين فقط، في حين كانت تتأخّر لأشهر، وأحياناً لسنوات طويلة وفق الإجراءات السابقة. وساعد كذلك على فصل قضايا الأحوال الشخصية وتكليف قضاة معينين في دائرة الأحوال الشخصية، للبت فيها بكل دقة ومرونة، تمهيداً لتفعيل محاكم الأحوال الشخصية في كافة مناطق المملكة بغية تحقيق الهدف المنشود منها، وهو مصلحة المجتمع وبخاصة المرأة في إنهاء إجراءاتها في القضايا الخاصة.
وأسهم افتتاح دوائر الأحوال الشخصية في مدينة الرياض في مبنى مستقل بتخفيّف العبء عن المحكمة العامة وعلى إنهاء هذه الدعاوى في وقتٍ قياسي لكافة المتقدمين، وأسهم في إنجاز الأعمال سريعاً، كما تفرغ قضاة المحكمة العامة للنظر في القضايا الأخرى والمتعلقة بالقضايا الحقوقية والجنائية وساعد في سرعة البت في القضايا العامة.
وسيتبع تدشين محاكم ودوائر الأحوال الشخصية إطلاق المحاكم التجارية والتي ستمارس مهامها بعد أربعة أشهر وسيتم على ضوئها سلخ قضايا وقضاة ومنسوبي الدوائر التجارية في ديوان المظالم إلى تلك المحاكم حيث يجري حالياً استكمال التجهيزات اللازمة لذلك والانتهاء من تدريب القضاة من خلال دورات مكثفة على أعمال ومهام القضاء المتخصص، وسيعقب تدشين المحاكم التجارية إطلاق المحكمة العمالية الذي تبذل وزارة العدل بالتعاون مع وزارة العمل جهوداً مستمرة لسرعة تجهيزها حيث قامت اللجنة المختصة بدراسة الموضوع من جميع جوانبه من ناحية توفير العدد اللازم من القضاة وآلية تدريبهم والموظفين والمباني والاحتياجات اللازمة وفق الإحصائية التي زودت وزارة العمل بها وزارة العدل.
إن إنشاء المحاكم المتخصصة والتوسع فيها أمر تقتضيه المصلحة في ظل المرحلة التي نعيشها وما تحمله من كثرة القضايا الأسرية وتعقدها وطول الأمد فيها نتيجة عدم وجود المحاكم المتخصصة - قبل تدشينها أخيراً - في وقت كانت القضايا تنظر من القضاة في ظل تداخل القضايا والحقوقية والمالية والجزائية الأخرى مع الأسرية مما يتسسب في طول أمد التقاضي ولما كانت وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء يعملان بكل تفان لتحقيق مصلحة القضاء وخدمة المستفدين منه وصلت مراحل التطوير القضائي إلى إنشاء القضاء المتخصص بالأحوال الشخصية وكل ما يمس الأسرة ويضمن حقوقها وإعطاءها الأولولية والعناية التي تستحق عبر افتتاح المحاكم في خمس من المناطق وما يحققه ذلك من سرعة للفصل في القضايا وتنوع جهات التقاضي والتزام التخصص في مجال التقاضي وصيانة حقوق المواطنين في المجتمع وللتخفيف والتقليل من عدد القضايا المتدفقة أمام المحاكم العامة.
ولا شك أنها تجربة ناجحة بكل المقاييس، وهو ما يدعو إلى تعميم الفكرة والتوسع في مجال إنشاء محاكم متخصصة وتحقيق الغرض الذي قام على أساسه النظام القضائي في المملكة الذي يعتمد على تحكيم الشريعة الإسلامية السمحة، وذلك يتحقق بالعدالة السريعة الناجزة ولن تتحقق العدالة السريعة الناجزة إلا بزيادة عدد القضاة وإنشاء المزيد من المحاكم والتوسع في مجال المحاكم المتخصصة، وهذا ما أنجزته العدل ضمن مشروع خادم الحرمين لتطوير المرفق العدلي الذي حقق طفرة كبيرة في هذا المجال، إذ شهدت هذه المحاكم تطوراً كبيراً في المجال البشري وما يخصه من التأهيل والتدريب والتعين، وفي الجانب التقني الذي يعتمد بشكل كامل على التقنية واستخداماتها وتيسير إجراءات التقاضي بما يحقق العدالة التي يسعى ولي الأمر لتحقيقها.
كما أن بناء وافتتاح محاكم جديدة لهذا الاختصاص من القضايا، إضافة إلى تحديث أسلوب العمل وأسلوب الفصل في قضايا تلزمها ثقافة متخصصة ونوعية عالجتها الوزارة بكل دراية واقتدار.
وتعد مباشرة محاكم الأحوال الشخصية أعمالها في المناطق وخلال فترة قصيرة نجاح يحسب للمرفق العدلي وقياداته المتوثبة بعد اتخاذ جميع الاستعدادات من قبل الوزارة والمجلس الأعلى للقضاء وفروع الوزارة بالمناطق والتي استقبلت المراجعين في المباني المخصصة لها بعيداً عن المحاكم العامة التي يراجعها الكثير من أصحاب القضايا الجنائية والحقوقية المختلفة.
أن محكمة الأحوال الشخصية لها أهمية بالغة في خدمة المواطن وسوف تقوم بجميع ما يطالب به وما يتعلق بالأحوال الشخصية للسير قدماً بعجلة القضاء وسرعة إجراء المعاملات، وذلك وفق محاكم متخصصة بحيث تعني كل محكمة بتخصصها وذلك سوف يزيد من سرعة المعاملات والنظر في القضايا والحكم فيها خلال وقت قصير.
وفي هذا المقام نرفع الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيده الله - على عنايته بالعدل والمحاكم وما تتلقاه من دعم مادي ومعنوي، كما نشكر ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز على ما تلقاه دوائر العدل من الرعاية والاهتمام، ولصاحب المعالي الشيخ د. محمد بن عبدالكريم العيسى، وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، على المتابعة المستمرة والعناية الدائمة وقيادته المرفق العدلي لمرحلة جديدة من التطور والتخصص الذي يرتقي في كل مراحله ومسيرته المنيرة.