الحوار منظومة وإستراتيجية اجتماعية وأخلاقية من خلالها يمكن الوصول إلى التكامل في مشاريع ومشارب الحياة المختلفة بكل اتجاهاتها، فهو إظهار وإبراز فكرٍ مقابل أفكار، قد تكون هذه الأفكار موافقة أو مختلفة أو في حالة تباين أو توافق، والحوار سبيل إلى النمو المعرفي في مجمل اتجاهاته سواء العقدية أو السياسية أو التربوية والتعليمية أو الاجتماعية أو غيرها.. وما مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلا علامة بارزة في هذه المنظومة والتي يحرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله تعالى.
ولا يخفى أن للحوار دوراً كبيراً في القفز إلى الأعلى والأمام ما دام في حالة نضج.. فرب الأسرة والأسرة في حالة هدوء واستقرار حينما يغلفها ويعمها ويسودها الحوار، وكذا الموظف حينما يكون ومديره يمتلكان ثقافة الحوار يكون النتاج والمخرج لهما غزيراً، خلاف فقده (أي الحوار) يواكب آلية وسير برنامج العمل خللٌ لا يُصح ولا يُرمم إلا به، أي بالحوار، هذا على مستوى الوظيفة والمهنة غير التربوية والتعليمية، فكيف لو فقدت ثقافة الحوار بين المعلم ومديره؟ فالنتيجة الحتمية والطبيعية سوف تنعكس على أداء المعلم في رسالته التربوية والتعليمية وحتماً بالسلب، فتكون رسالته كالكوب الفارغ من الماء أو من أي سائل، ولا يمكن الاستفادة منه إلا من خلال شكله، حيث يعطي وجوده تحفة جمالية ليس إلا.. وأن من يشتد به العطش والظمأ لا يجد فيه مبتغاه لإطفاء حرارة هذا الظمأ وذاك العطش.. كذا يكون المعلم، وإن كان في وصفي مبالغة عالية، ولكن لا تخلو من الواقعية، إلا من رحم ربي، وهو من ينسى ويتناسى ويتجاهل هذا المدير أو ذاك المسئول، ورغم ذلك تبقى الفجوة والفوهة بعدم وجود ثقافة الحوار كوجود النار بجوار الهشيم.. وخير وصف أصف به من لا يمتلك الثقافة الحوارية هو الكوب الفارغ..!!
ولأن الدافع للمعلم فُقد وهو العلاقة الحميمية مع مديره ومع من يرأسه؟! وحتمية ذلك ينعكس سلباً على المحور الأساس في العملية التعليمية وقبلها التربوية، لذا نأمل تكثيف ثقافة الحوار خاصة لمديري المدارس الذين هم حلقة الوصل بين المعلم والإدارة التعليمية، وكذا المعلم كونه الحلقة بين الطالب والمدرسة والمادة التعليمية والعلمية، وبهذه الثقافة وتعزيزها تكتمل العملية التربوية والتعليمية مع وجود المقومات الأساسية في المدير والمعلم والتي على ضوئها تقلدا هذه المكانة المقدسة التي تقترب من منزلة الأنبياء.. وخلاصة إن ثقافة الحوار لابد من تأصيلها في مناهجنا الدراسية بشكل أوسع وأعمق وننشرها بين أفراد المجتمع على اختلاف وتباين كل الجوانب، ومع ذلك فالحوار إستراتيجية وطنية وإنسانية لابد منها، وهي فن من ورائه عمق فلسفي كبير جداً، ونأمل أن يتحقق هذا العمق، وهو في طريقه بإذن الله تعالى..!