تسنى لي يوم الجمعة 19 شوال 1435هـ قراءة مقال الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود أستاذ الإعلام المشارك بكلية الاتصال الدولي وأستاذ كرسي اليونسكو للإعلام المجتمعي في صفحة متابعات بصحيفة الجزيرة الموقرة العدد 15296 السنة 55 تحت عنوان «هيئة الإذاعة والتلفزيون من الداخل.. 365 يوما من البحث عن الرؤية» يتحدث فيه بعد انتهاء إعارته لهيئة الإذاعة والتلفزيون نائباً لرئيس الهيئة لشؤون التلفزيون لمدة عام بنظام الإعارة وعودته للعمل الأكاديمي عن تجربته خلال تلك الفترة وما قام به طوال ذلك العام الذي قضاه في الهيئة من اجتماعات ولقاءات بالعاملين فيها وأنه أخيراً أعلن استسلامه واختار المغادرة معيداً ذلك إلى النظام المالي والإداري الذي يحكم العمل في الهيئة ويحد كثيراً من قدرة العاملين على الإبداع والتطوير.
وكنت قد قرأت قبلها بيوم واحد في مطبوعة (ذي فيوتشر أوف وورك) بمعنى (مستقبل العمل) بتاريخ 14 أغسطس 2014م مقالاً باللغة الإنجليزية بقلم مارك كراولي المستشار والخبير في تخصص علم القيادة ومؤلف كتاب (رصاصة من القلب: القيادة التحويلية للقرن 21) وعنوان المقال (كيف وجد طبيب وجراح قلب عالمي السمة القيادية الوحيدة المفقودة لدى العديد من الشركات) يتحدث فيه عن التجربة الإدارية للدكتور كوسجروف توبي رئيس مجلس إدارة مستشفى كليفلاند (كليفلاند كلينيك) وأحد أشهر جراحي القلب ومن سبق أن حاز على عدد من أوسمة التقدير وأنه حقق نجاحات متميزة في إدارة المستشفى ضاعفت من حجم المستشفى وأوصلت الدخل إلى مليار دولار العام الماضي فقط وأخيراً عينه الرئيس أوباما مسؤولاً عن إدارة شؤون المحاربين القدامى لانتشالها مما تعاني منه من مشاكل. تحدث الدكتور كوسقروف عن تجربته الإدارية وكيف حول نهجه الإداري من التركيز على دقة تنفيذ العمل فقط بغض النظر عن الناحية النفسية للمريض ليصبح اهتمامه واهتمام المستشفى وجميع من يعمل فيه بالناحية النفسية للمريض إلى جانب دقة العمل ولذا قام بتسمية جميع العاملين في المستشفى (مقدمي الرعاية) بما فيهم عمال النظافة والأطباء. وهو يعيد السبب في هذا التحول إلى حدثين: الأول لطالبة اتهمته ومستشفاه بعدم الاهتمام بالجانب النفسي لمريض القلب والحدث الثاني أنه حين حضر افتتاح مرفق للمستشفى في جدة في المملكة العربية السعودية وشاهد تفاعل الملك وولي العهد تعبيراً عن امتنانهما الكبير لهدف المستشفى بتقديم الرعاية الصحية لمرضى القلب وكذلك الاهتمام بالجوانب النفسية للمريض.
وبالرغم أن لكل من التجربتين ظروفها إلا أنهما لا تخرجان عن كونهما تجربتين واقعيتين غنيتين تفيد الدارسين والمهتمين في مجال القيادة الإدارية.
تجربة الدكتور الحمود كشفت القائد الإداري الذي يربط نجاح القائد بعوامل خارجية مثل توفير ميزانية ضخمة وصلاحيات واسعة ونظام يتم تفصيله للهيئة يمكنها من التصرف بحرية وحين لا تتوفر يعلن القائد انسحابه كما فعل هو. فيما أن تجربة الدكتور كوسقروف تبيّن القائد الإداري الذي على استعداد لأن يغير ويبدل نهجه واستراجيته الإدارية للوصول إلى حلول إبداعية ضمن الظروف القائمة ليحقق في النهاية النجاح للمؤسسة التي يقودها من غير تعلل بأية عوامل خارجها.
وليس المقصود هنا التعريض بتجربة الدكتور الحمود الإدارية فهي مدرسة ومنهج إداري مختلف ويشكر على إظهارها للعلن. ولربما أن خلفية الدكتور الأكاديمية جعلته لا يرضى بغير تحقق الشروط المثالية التي يعلّمها للطلاب.