الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
من قلب مفعم بالإيمان، والحزن على ما آلت إليه أوضاع المسلمين في العديد من الأقطار والبلدان، ومن موقعه القيادي وموقع بلاده الريادي في العالمين العربي والإسلامي، خاطب خادم الحرمين الشريفين قادة وعلماء الأمتين العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع، ليتحمل الجميع مسؤولياتهم الدينية والإنسانية لمعالجة الأوضاع المأساوية التي أخذت تعصف بالعالم أجمع، وبخاصة في البلاد العربية والإسلامية، من تفشي ظاهرة الإرهاب بمختلف أصنافه وأنواعه، سواء على مستوى الدول أو الجماعات أو الأفراد.
لقد حذر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من إرهاب الدول الذي يتجلى بأوضح صوره بالمأساة التي يعيشها هذه الأيام إخواننا في غزة، من عدوان غاشم ومجازر جماعية، وإهلاك للحرث والنسل، وقصف همجي جائر لم تسلم منه حتى المدارس والمستشفيات، في ظل صمت مريب من الدول العظمى والمنظمات الدولية وتهاون في وقف هذا العدوان الوحشي عن هذا الشعب المظلوم الأعزل. لقد حذر خادم الحرمين الشريفين على أن هذا الاختلال الواضح في موازين العدالة الدولية وعدم الاكتراث الكافي للجم العدوان الغاشم من هذه الدولة المارقة، من المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، سوف يؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضاً أي جهود للسلام، ومؤمناً بصراع الحضارات وتناحر الثقافات.
أما الجانب الآخر من الإرهاب الذي حذر منه خادم الحرمين الشريفين فهو إرهاب الجماعات المتطرفة والخوارج من أمثال جماعات القاعدة وداعش وحزب الله، الذي انتشر خرابها اليوم بشكل مخيف في العديد من البلدان، وخاصة البلدان العربية، بعدما عرف بثورات الربيع العربي، فأخذت تعيث بالأرض فساداً من قتل الأنفس المعصومة، والتنكيل بها، والتباهي بهذه الأعمال المشينة، وكل ذلك باسم الإسلام، والإسلام منهم براء. وقد سهل لهم المغرضون والحاقدون على الإسلام والمسلمين هذه الأعمال، وأمدوهم بالعدة والعتاد والخدمات اللوجستية والإعلامية الأخرى لتشويه صورة الإسلام، لترسيخ الصورة المشوهة للإسلام ونقلها للمجتمعات الأخرى، عوضاً عن الصورة المشرقة للإسلام، دين الرحمة والمحبة والتسامح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى.
وقد حذر خادم الحرمين الشريفين قادة العالم ومنظماته كافة من عدم التحرك الجاد للجم الإرهاب بمختلف أصنافه ومستوياته وأن ذلك سيؤدي إلى أن تعم ويلاته دولاً ومجتمعات تعتقد أنها بمنأى عن الاكتواء بناره. وقد ذكّرَ خادم الحرمين الشريفين بالجهود الكثيرة التي بذلتها وتبذلها المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي، ومن ذلك تبنيها للمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض منذ أكثر من عشر سنوات، وتبني إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب لتنسيق جهود الدول والمنظمات الدولية لمكافحة هذه الآفة الخطيرة.
ولكن تخاذل المجتمع الدولي وعدم تفاعله مع هذه الفكرة الرائدة بما تستحق لم يتمكن المركز من القيام بدوره والآمال المعقودة عليه بالشكل المطلوب.
أما الجانب الآخر الذي ركز عليه خادم الحرمين الشريفين في كلمته، وكرره مرة أخرى عند لقائه بالأمراء والوزراء والعلماء بعد خطابه بعدة أيام، والذي يعنينا بشكل خاص في الجامعات السعودية فهو مسؤولية العلماء وطلبة العلم، بل جميع أفراد المجتمع، خاصة ممن لهم علاقة بتربية النشء من أساتذة الجامعات والمعلمين والإعلاميين وأرباب الأسر بأن ينفضوا عنهم ثياب الكسل، وينهضوا بواجبهم نحو دينهم وبلادهم وولاة أمرهم، من إيضاح حقيقة هذه الجماعات المنحرفة والإرهابية التي تحاول اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين العنف والتطرف والكراهية والإرهاب، وبيان حقيقة انحرافهم المنهجي والعقدي والسلوكي، وخطرهم المحدق على الإسلام والمسلمين بالقدر الذي يفوق خطرهم على المجتمعات الأخرى.
وخيرما نختم به هذه المقالة ما ختم به خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- خطابه بأن «كل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد».
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده، وأمدهما بالصحة والعافية وطول العمر على طاعة الله، وأعانهما لخدمة الإسلام والمسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.