حين نبهني ركض الخيول في الذاكرة، وكنا في شدة الحر وما كنا في الربيع لينبهني المطر، ورائحة الورد الذي نبهه النيروز في غسق الدجى، التفتُّ وسألت بسرعةٍ رائي المرهفة قبل أن تهرب الأفكار مني، وهي المدركةُ، عن الأرض التي هي همي في كتابتي منذ صغري وما يجري لها من تدميرٍ وتشويه، وغيابٍ للمساحات الخضراء، وعن الانبعاث الحراري، وافتراء الشركات العابرة للقارات وجرائمها في حق الطبيعة مع تسميم لها عبر دفن المواد السامة في أراضي البلدان الفقيرة، وكذلك عبر التجارب النووية في الصحاري والبحار والمستعمرات، فمن شروط حضارتهم تسميم وتدمير أراضي وحضارات الشعوب الأخرى، كما سألتها عن نتائج ذلك من ذوبان الجليد وارتفاع حرارة الأرض وتمدد المحيطات ونقص اليابسة، وثقب الأوزون، والتلوث في البر والبحر والجو، إلى العواصف المدمرة الرهيبة التي تحدث بسبب الانزلاقات الصخرية في قاع المحيطات كتسونامي وغير ذلك كثير. ثم أتبعتُ ذلك بسؤالها عن همي الأكبر، عن الأرض أرضي العربية الإسلامية، وأرض الخلافة التي أورثناها الله، وقد كنا فقدنا فلسطين، وعشنا آثار النكبة أجيالاً متتالية إلى أن رأينا اليوم الذي تساقطت فيه العواصم العربية تباعاً ودخل المحتل الأمريكي والإسرائيلي، ونافسهم التركي والفارسي والكردي في العراق وليبيا واليمن والسودان والصومال وليبيا، ولبنان وسورية وهكذا دواليك. فهل هذه ثورات ربيعٍ أم خريف؟! وهل نجح مشروع «بيرنارد لويس لتقسيم الدول العربية والإسلامية»، والذي اعتمدته الولايات المتحدة لسياستها المستقبلية، تارة عبر الترغيب وتارة عبر الترهيب، وكذلك عبر نظريات جهنمية إرهابية منهم كالفوضى الخلاقة، ومنا كثورات الزيف والإرهاب».
ولد «برنارلويس» في لندن عام 1916م، وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أمريكي الجنسية. تخرَّج في جامعة لندن 1936م، وعمل فيها مدرسا في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الإفريقية. كتب «لويس» كثيراً، وتداخل في تاريخ الإسلام والمسلمين، حيث اعتبر مرجعًا فيه، فكتب عن كلِّ ما يسيء للتاريخ: الحشاشين، وأصول الإسماعيلية، والناطقة، والقرامطة، وكتب في التاريخ الحديث نازعًا النزعة الصهي الإسلامي متعمدًا، فكتب عن ونية التي يصرح بها ويؤكدها. نشرت صحيفة « وولستريت جورنال » المؤرخ البارز للشرق الأوسط، قد وفَّر الكثير من الذخيرة الأيدلوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب، حتى إنه يُعتبر بحقٍّ منظراً لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة مقالاً قالت فيه: إنبرناردلويس» 90 عاما « « هذه النظريات، وهذا الفكر المتطرف الإرهابي الصهيوني الذي تم تسخير كل شيء له عبر أمريكا وعدد من الدول الأخرى، ودُعم بشكل غير محدود بالقوة تارة، وبالحروب الاقتصادية والإعلامية تارات أخرى. وهي التي ولدت ثارات وحروب بين الأهل لا نرى لحرائقها فرصة في الخمود، ولا لدولها فرصة في حفظ النظام والأمن والحدود، بل لا نرى لهذه الدول فرصة في البقاء كدول وكيانات. وفي إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لايمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّرالحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك، فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولاداعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أوندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديموقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لامانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية - ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه العوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتد مر الحضارة فيها».
ابتسمت الراءُ المرهفةُ وقالت رويداً رويداً أيها الحربي المسالم، أراك تسألُ وتجيبُ، دعني أخبرك سرّاً خطيراً، لو أنه لم يعد مع ثورة المعارف والتقنية من أسرار، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الكبرى!!
مشروع برنار لويس، واتكاء هنتينجتون على آراء لويس في « صدام الحضارات»، واتخاذ نائب رئيس الولايات المتحدة « دك تشيني» له كمستشار لوزير الدفاع، كل ذلك، وغيره كثير، موجود بوفرة في جوجل، أرجو أنه لم يثقل النص، نقلته وفاءً لربة البيت الراء (بتصرف).