كشف عدد من الدعاة والأكاديميين عن مخاطركبيرة يواجهها المجتمع تشتمل على محظورات شرعية ومفاسد أخلاقية جراء استخدام الأجيال الناشئة لوسائل الاتصال الاجتماعي بدون ضوابط وتوجيه مما ينذر بعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، وتهدم الأخلاق وتفكك البنيان الأسري.
وأكدو في أحاديثهم لـ « الجزيرة» على ضرورة مراقبة الأسر لأبنائهم، بل وتوجيههم الوجهة الصحيحة لكيفية الاستخدام للتقنية الحديثة. وفيما يلي نص الأحاديث:
خطورة المواقع
بداية يؤكد الدكتور محمود بن محمد المختار الشنقيطي عضو الدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة: أن وسائل التواصل الاجتماعي، قرّبتْ البعيد وبعدت القريب، وفرضت عزلة على الأسرة وهي تحت سقف واحد، وكثير من الدعاة والموجهين وأصحاب الدراسات النفسية تحملها العبء الأكبر في ظاهرة الجفاء الأسري وفقر المشاعر والاستغلال العاطفي، والخيانات الزوجية، والانحطاط الأخلاقي في الردود والمناقشات بين المراهقين، وانتزاع سلطة توجيه الأسرة من الوالدين أو المشاركة والمزاحمة في توجيههم وتربيتهم، وكثرة الزخم والغثاء في المواد يقابلها ضعف الاختيار وصعوبة التمييز عند أفراد الأسرة والمراهقين والشباب قد يفاقم المشكلة.
كما أشار بعضٌ إلى وسائل التواصل كأحد أسباب الطلاق لدى الازواج، وسبب رئيسي في انخفاض التفاعل الأسري، حيث ظهرت علاقات اجتماعية غير صحيحة بنيت على الكذب والمبالغة غير الحقيقية بين المتحدثين عبر شبكات التواصل، وكم دلف السحرةُ والمشعوذون عبرها إلى الأسر، وكم تسبب نشر الفاحشة فيها إلى هدم بيوت، وكم من حسابات مشبوهة تدار من جهات خارجية وداخلية موجهة للإفساد!؟
ويمكن المساهمة في معالجة هذه الظاهرة بالخطوات محاصرة الفاحشة في عدم نشرها، وتوعية الناس عن ضابط نشر الفاحشة، والصور التي قد تدخل في هذا الوعيد الرباني: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، والحضور الدعوي السريع الفعّال للدعاة والمحتسبين في الإنكار وفي الأمر بالمعروف وغربلة مايُنشر والتفاعل السريع بين الدعاة والجمهور في تمييز الطيب من الخبيث في هذه الوسائل، وإيجاد بدائل من النشاطات الجاذبة والترفيهية والتطوعية للمراهقين والأطفال في داخل الأسرة، وتأخير تملك الأبناء ما أمكن لهذه الأجهزة، ووضع شروط متفق عليها باستشارتهم تحد من العزلة والانهماك في جو هذه البرامج، ومزاحمة هذه البرامج بالنافع المفيد وتبني وسائل تواصل اجتماعية بتقنية عالية تجذب الشباب والمراهقين.
التفكك الاسري
تنبه الدكتورة عواطف بنت عبدالعزيز الظفر أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة الملك فيصل ووكيلة كلية الآداب للشئون الأكاديمية والإدارية: إلى أن المجتمع يهدده الكثير من الآفات المجتمعية تنوع ما بين درجات خطورتها على افراد المجتمع، وهناك آفات ظهرت متلازمة مع الانفتاح التكنولوجي الكبير الذي وصل إلينا ومن بينها جلوس الفتيات والاولاد لساعات طويلة ولأوقات متأخرة من الليل أمام الانترنت دون رقيب أو متابع، وتعد مهمة متابعة الابناء وعلاقاتهم مع الآخرين مسؤولية مباشرة تقع على عاتق الأهل الذي يتمحور دورهم حول محاولة منع وقوع فتياتهم وأولادهم في طريق الانحراف وبراثن الرذيلة.
ويتهدد الفتاة والشاب أضرار اجتماعية أخرى منها ابتعادها عن أفراد الأسرة وأخرى صحية وعقلية حيث قد يصاب بالسمنة لكثرة الجلوس المتواصل دون الإقدام على ممارسة أي نشاط حركي.
وقد تبين لبعض التربويين الاجتماعيين بأن عدم فرض رقابة على الانترنت يودي الى تفكك الروابط الاجتماعية ويصبح أفراد الأسرة يعيشون بعزلة عن بعضهم وتنقطع فكرة التواصل الاجتماعي بين الأفراد ويصبح هناك فاقد اجتماعي كبير.
وهذا ايضاً منطلق حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته « فالأهل ملزمون بتعليم أبنائهم الصح والخطأ والإشراف عليهم وإرشادهم إلى استغلال هذه التكنولوجيا بالدعوة الى الخير ومجالاتها. (اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها ومابطن).
التطور التكنولوجي
أما الأستاذة أمل بنت عبدالله الدعيجي المحاضرة بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض فقالت: الله عز وجل لما خلق الأرض خلق الإنسان ليعيش فيها ويعمرها, وسخر له جميع الوسائل التي تمكنه من العيش على ظهرها, ومن ذلك أن سخر الله له إيجاد الصناعات والاختراعات الحديثة, ولم تكن الصناعات والاختراعات وليدة العصر, بل كانت موجودة في كل زمان بقدراته وإمكانياته.
والموقف الشرعي من الصناعات الحديثة والابتكارات، فإن الشرع لم يقف معارضاً لها أو لصنعها إلا إن كانت مخالفة، أما مجرد كونه شيئا مستحدثاً فلم يمانع الشرع منه.
وقد قال ابن القيم رحمه الله:
إن البدار برد شيء لم تحط
علماً به سبب إلى الحرمان
وجاء في فتوى شيخنا عبدالعزيز بن باز- رحمه الله - في مسألة الصعود للقمر ما يشير إلى ذلك من أن هذه الصناعات الحديثة والابتكارات لا ترد نهائياً بل هي مجال للنظر وأخذ النفع منها.
فإذا ثبت هذا فإن مما أبهر الناس اليوم قضية التطور التكنولوجي والالكتروني فلا نزال نسمع بين الفينة والأخرى من ابتكار جهاز جديد, وخدمة إضافية ولا زال الشباب يتابعون بشغف آخر هذه الصناعات.
ولا يخفى إن ثبتت الفائدة من هذه الأجهزة الالكترونية أن فيها مفاسد, وأضراراً شرعية, واجتماعية, واقتصادية, وصحية, ونفسية. وسأعرض لها بشيء من الإيجاز.
أما الأضرار الشرعية: من أخطر الأضرار الشرعية التي تنشأ من الإدمان على الأجهزة تضييع أوقات الصلوات وقد يحكم بتحريمها في هذه الحال، ما يكون في هذه الأجهزة من مواقع كفرية تؤثر على العقائد ومسلمات الدين وثوابته. كذلك ما يكون من سوء استخدام الشبكات العنكبوتية ومواقع التواصل من إثارة الشائعات بغض النظر عن الهدف منها. كذلك هتك أعراض المسلمين، وما يكون فيها من غيبة ونميمة، واستهزاء بالمسلمين باختلاف أجناسهم، والأسوأ من ذلك أن يكون الاستهزاء بالدين وأهله.
أما الأضرار الاجتماعية: فيحمد استخدام الأجهزة خاصة مواقع التواصل: مثل التويتر أو الواتس آب، في التقريب بين الأقارب والأرحام, فبدل أن تكون الزيارات أسبوعية نراها ولله الحمد يومياً بأن كل قريب يسمع أخبار قريبه.
لكن سوء استخدامها والإفراط فيه أحدث انفصالاً اجتماعياً أسرياً، بل بعض الباحثين يسميه الخرس الاجتماعي، فنجد العائلة ملتمة في مكان واحد إلا أن كل واحد منهم مشغول بجهازه ولا يخفى الأثر النفسي من ذلك خاصة على الوالدين اللذين يريان أن هذه الأجهزة صرفت عنهم أبناءهم، أو يرون انشغال الابن أو البنت بها وقت الاجتماعات العائلية من عدم احترام لهم أو الملل بالجلسة معهم، فيختلف الحكم في استخدامها في هذه الحالة، بحسب ما تلحقه من أذى بالوالدين.
كذلك من آثارها الاجتماعية حب العزلة والبعد عن مخالطة الناس, فلا يكون هناك حوار، أو مناقشة، أو تبادل آراء، بل نجد أن كل شخص مشغولا مع الجهاز الذي يخصه، وهذه لها انعكاسات اجتماعية سلبية على المدى القريب وعلى المدى البعيد.
أما الأضرار الصحية: لايزال المختصون يحذرون من خطر إدمان الأجهزة الالكترونية على صحة الإنسان سواء الكبار أو الأطفال: ومن أضرارها:
تأثيرها على المفاصل, وعضلات الرسغ, وأيضاً تأثيرها على النظر، والأجهزة العصبية, والتأثير على النمو العقلي خاصة لدى الأطفال. كذلك التعرض للإصابة بالكوليسترول، والإدمان على التدخين، وتدن في القوة البدنية، إضافة إلى السمنة الزائدة وكل ما سبق ذكره ثبت بعد إجراء الدراسات المتعددة على المراحل العمرية للأطفال.
أما الأضرار الاقتصادية، فبالنظر إلى الأسعار الباهظة التي تكلفها الأجهزة على تنوعها سواء هاتف المحمول أو الأيباد, والأيبود, والبلاي ستيشن...، فأقل ما يقال فيها إنها داخلة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله نهاكم عن القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال).
أما الأضرار النفسية: فإن ما تخلفه مواقع التواصل من بث للشائعات، ونقل لكلام المرجفين خاصة عند النوازل والأحداث, له أثركبير في ترويع المسلمين وأذيتهم بذلك, وبث الفرقة وزعزعة الأمن. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب.
هذا وأوصي الوالدين وكل من له ولاية على الشباب والأطفال أن يسعى في استغلال أوقاتهم, وطاقاتهم, وقدراتهم بما يكون فيه نفعاً دينيناً ودنيوياً لهم, بعيداً عن تجميد العقول وتحجيرها بهذه الأجهزة, وأن يوجه الشباب إلى استغلالها الاستغلال الصحيح, من دعوة إلى الله عز وجل، والتعارف المحمود بين المسلمين, والتواصل بين الأقارب والأرحام والجيران.
من أسباب التفكك
ويشير الشيخ يوسف الهاجري إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح بالرياض: أن وسائل الاتصال الحديثة تعد سبباً من أسباب التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة، على الرغم مما يمكن أن يكون لها من إيجابيات، أهمها: تسهيل كثير من أمور الحياة وقضاء بعض أوقات الفراغ، إلا أن سلبياتها كثيرة كذلك، حيث أفرط الأفراد في التعامل معها، فبدلاً من أن يُقضى معها جزء من وقت الفراغ، أخذت كثيراً من أوقات الأفراد، مما أخل بواجباتهم الأخرى نحو أسرهم والضحية هي الأسرة التي تنشب بينها الخلافات نتيجة التعلق بما يعرض، أو عدم القيام بالواجبات المطلوب من الفرد القيام بها.
والإنترنت أو شبكة المعلومات العالمية أحدث وسائل الاتصال التي دخلت على الأسرة في الفترة الأخيرة، وهي وإن كان لها إيجابيات عديدة، إلا أن سلبياتها طغت على إيجابياتها من خلال عدم حسن تعامل أفراد الأسرة مع هذه الخدمة، خصوصاً كثير من الأزواج والأبناء، حيث ظهر ما عرف بإدمان الإنترنت، حيث يقضي الكثير منهم جل وقته بعد العمل أو المدرسة أمام جهاز الحاسب مبحراً في عوالم هذه الشبكة.
وإن مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية إذا لم تستخدم بشكل صحيح فإنها مدمرة وتؤدي إلى تفكك الأسرة وشتاتها بالإضافة إلى ما تبثه هذه الشبكات الاجتماعية من أفكار منحرفة أو أكاذيب مغرضة أو فساد أخلاقي تكون سببا لضياع أفراد الأسرة وفلذات أكبادها..
مما يعني بالضرورة العناية الشديدة في حسن استخدام هذه الشبكات وغرس القيم في الأسرة التي تحميها بإذن الله من الانحراف ولا يمكن أن نتجاهل حسن التعامل مع هذه الشبكات وعدم هدر الأوقات فيها أو المبالغة في استخدامها.