من يتابع ويشاهد ما أصبحت عليه مدننا وقرانا من نهضة في مختلف المجالات بما توليه حكومتنا الرشيدة، وما يسعى إليه صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشئون البلدية والقروية من توجه، لأن تكون المدن الكبيرة والقرى الصغيرة في مختلف مناطق المملكة متكاملة في بنيتها المتعلقة بالخدمات البلدية، بدءاً بالمنشآت والشوارع مروراً بالترفيه بإنشاء الحدائق والمتنزهات، وصولاً إلى التجميل، ومن ذلك ما تعيشه العاصمة الرياض إذ لا يمكن لشعراء أو كتّاب أو رواة عند استعراضهم لتاريخ هذه المدينة التي تختزل التاريخ وتسابق التطور، إلا ويكون لديهم ردود فعل وجدانية تحمل الإعجاب والاعتزاز بما كانت، وبما أصبحت عليه الرياض قلب الوطن النابض، من تطور ونهضة عامة شملت الأرض والإنسان، فكيف بمشاعر وردود فعل الفنانين التشكيليين وما يمكن أن ينتج عن ذلك الشعور من إبداع لأشكال ملموسة ومرئية، في عمل تشكيلي يتمثل بمنحوتة أو لوحة تعبّر وتوثق مسيرة البناء والنماء، وتحكي المجد والبطولات من أنامل مبدعين يعشقون عاصمة تجمع أطراف الوطن وتحتضنه.
تطلعات أمير الرياض .. الحكمة وبُعد النظر
هذا الشعور من قِبل التشكيليين منسوبي الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وما يجدونه من مواقف داعمة من رئيسها الفخري صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن محمد بن سعود لكل فكرة أو خطوة تحقق أهداف الجمعية، حرك ساكنه وبعث فيه الحياة صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز الأمير الشاب، بما يمتلكه من كاريزما القيادة النبع العذب، ومن تجربة الكبار وحكمتهم وروح الشباب وطموحهم، وبما يحمله للرياض من الحرص والاهتمام بكل ما يسهم في إبرازها والمنافسة بها بين مدن العالم، يشهد له حضوره ودعمه وتشجيعه للثقافة الوطنية التي يُعد الفن التشكيلي أحد روافدها، وما تشرف به هذا الفن وفنانوه من حضور سموه الكريم المباشر لبعض المعارض التشكيلية، كان سبباً دفع رئيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية أن يتقدم بمقترح لأمانة منطقة الرياض يتضمن مشروع تعاون لتجميل العاصمة بإبداعات التشكيليين، وجد الترحيب والموافقة عليه من معالي أمين منطقة الرياض المهندس عبد الله المقبل، الذي كان لاستقباله لرئيس الجمعية محمد المنيف وقبوله لرغبة التشكيليين منسوبي الجمعية الذين تجاوز عددهم السبعمائة من مختلف مناطق المملكة للمساهمة في بناء حضارة الوطن المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من عاصمته الرياض، كشف للفنانين بُعد نظر الأمين وتفهمه لقدرات التشكيليين والتشكيليات في وطننا الغالي، حيث أكد في حديثه للمنيف أن للفن التشكيلي دورا حضاريا يستحق التفعيل على أرض الواقع، وما سيتم من تعاون يأتي في سياق الدعم الذي تقوم به الأمانة لكل الإبداعات التي تضيف للرياض جمالا على جمالها، وتمنح المبدعين في مختلف الفنون الفرصة لإبراز إبداعاتهم للمجتمع.
انطلاقة تحرك الساكن وتشحذ الهممْ...
شكلت بناء على هذا الاتفاق، لجنة لوضع الأطر وسبل التعاون جمعت الفنان محمد المنيف رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، والمهندس - خلف الدلبحي مدير عام الدراسات والتصاميم بالأمانة، وذلك بمقر الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، بحضور كل من الدكتور الفنان صالح خطاب نائب رئيس الجمعية المكلف والأستاذ نواف العتيبي سكرتير الجمعية، استعرض خلالها الخبرات والتجارب التي تتمتع بها الجمعية التي تمكنها من التعاون مع أمانة منطقة الرياض لإضافة بعد جمالي لمدينة الرياض يرتقي بذائقة المجتمع البصرية، من خلال إبداعات الفنانين السعوديين، ومن ذلك تصميم الأشكال والأعمال الفنية كالرسم والتلوين والنحت لتجميل الطرق والأنفاق والجسور. تصميم مجسمات جمالية بالحدائق والميادين والتقاطعات وتطوير ما هو قائم منها، عبر طرح المسابقات من قبل الجمعية بناءً على ما يتم الاتفاق عليه مع الأمانة من جانب المواقع المراد تنفيذ الأعمال الفنية فيها، إضافة إلى المشاركة في أنشطة وفعاليات الأمانة الموسمية، مثل احتفالات العيد ومهرجانات الأسر المنتجة وربيع الرياض وغيرها، في إعداد معارض للجمعية يشارك فيه منسوبو الجمعية بعرض ما لديهم من أعمال، وجناح لتعليم الرسم والفن التشكيلي لحضور المهرجانات.
كما يمكن هذا الاتفاق التعاون الجمعية والمكاتب الاستشارية ومقاولي الأمانة مباشرة. أو التعاقد بين الأمانة والجمعية عند الحاجة، إعطاء الجمعية السعودية للفنون التشكيلية أولوية في مواقع الاحتفالات والمهرجانات أسوة بالجمعيات الحكومية الأخرى، استمرار التنسيق مع الجمعية بتكوين لجنة دائمة لسرعة تفعيل التعاون.
الرياض عروس الصحراء .. قلب الوطن
حول هذا الاتفاق أشار المهندس خلف الدلبحي إلى أن للفن التشكيلي أهميته في الارتقاء بذائقة المجتمع، ومثل هذا لتعاون بين الأمانة والجمعية سيرى أثره على أرض الواقع في الحدائق والميادين، كما أشار الأستاذ محمد المنيف من جانبه إلى تثمين التشكيليين منسوبي الجمعية، وتقديرهم لمعالي أمين الرياض، على منحهم هذه الفرصة التي تمكنهم من تقديم إبداعاتهم على مستوى الواقع العام من خلال ما سيتاح لهم من مواقع ستكون بمثابة المعارض المفتوحة للأعمال النحتية (المجسمات) والجدارية في شوارع وحدائق الرياض عروس الصحراء، تحمل هوية المنطقة وتراثها الأصيل، يطالعها الجمهور مباشرة في الحدائق أو الشوارع أو ساحات الاحتفالات، مع ما تنتظره الجمعية من بقية الأمانات، من خلال فروعها المنتشرة في مناطق المملكة ومحافظاتها، مضيفاً أن مثل هذا التعاون سيضع التشكيليين أمام مسئولية كبيرة تدفعهم لتقديم الأعمال التي توازي هذه الثقة، وتتماشى مع ما تتمتع به الرياض من بُعد إنساني للمدينة وبما تشكله من ملتقى جاذب للسكن أو الزيارة، لقد جاء قبول الأمانة وتفهم أمينها لهذا المطلب، في زمن أصبحت فيه الفنون التشكيلية تعتز بفنانيها وفناناتها كثافة في العدد ووثقة في القدرات.
دعم وطني طال انتظاره
لقد كان لهذا التعاون محاولات سابقة، تعاقب على تلقي ذلك الحلم أو المطلب عدد من أمناء العاصمة منها لقاء محمد المنيف بمعالي الأمين عبد الله النعيم بتاريخ 21-5-1408هـ، بعد طرح فكرة تجميل الرياض بالأعمال الفنية عبر هذه الصفحة من جريدة الجزيرة، لم يقدر للفكرة أن تتحقق أو أن تصبح فعلا على الواقع، وعلى مدى سنوات طويلة لم تكن الرياض فيه كما هي اليوم من نهضة عمرانية معاصرة وكثافة سكانية وارتقاء ذائقة تستحق الاحتفاء وإضفاء جمال على جمالها، يوازي ما تحظى به مدن العالم من تجميل بإبداعات الفنانين التشكيليين، لإلمامهم بالشكل والمعنى الذي تتضمنه الأشكال الجمالية على تنوع خاماتها وسبل تنفيذها بأساليبهم الحديث.