بدأ يتحدث بعد أن أخذ تنهيدة عميقة كمن يريد أن يتخلص من جمرة تتلظى في داخله.. حاول قبل سرد حكايته أن يبتلع شيئاً من ريقه الذي جف هما وكمداً كما بدا لي..
- يا أخي اضطررت للسفر بضعة أيام مرغما أن أترك خلفي أطفالي الذين لا أعدل بحبهم شيئا في الدنيا..
- كلنا نسافر ما الغريب في الأمر؟ قلت محاولاً جره للحديث..
- صحيح..
لكن عند عودتي حدث أمر أثر في نفسي غاية التأثير.. وأرقني التفكير فيه الليالي الطويلة.. لم يكن بحاجة إلى شيء يبين صدق كلامه فقد كانت دموعه أبلغ دليل..
- قل.. تكلم ما الذي حدث؟ بحماس سألته..
- ما إن خطت رجلي عتبة الدار حتى كان الصغار في استقبالي.. أحاطوا بي في شوق عظيم لم أعهده من قبل.. لكن عيونهم البريئة تقول شيئاً.. بدت دامعة ذابلة منكسرة.. كنت أحضرت لهم بعض الهدايا.. أخذوها بفرح مصطنع.. أو هكذا خيل لي..
- إلى هذه اللحظة وكل شيء طبيعي.. ما المشكلة؟.. قاطعته محتجا
- بعد مضي وقت يسير لحظت أمرا مس قلبي بميسم من نار.. رأيت على سواعدهم وأفخاذهم ما اقشعر له بدني حنقا وإشفاقاً.. غلت الدماء في عروقي..
واستولت علي طائفة من المشاعر المرعبة.. عصفت برأسي الظنون حتى أصابتني بالدوار..
- قل..هيا تكلم ما الذي شاهدته؟.. إنك تبالغ يا رجل.. قلت ذلك مبتسما في محاولة مني التخفيف عنه..
- كانت تلك قروح غائرة ينز منها الدم وبعض التقيحات..
- ولكن لماذا؟ ما السبب.؟ من فعل ذلك؟ سألته بحماس واستغراب
- حاول أن يخفي دمعة تحجرت طرف عينه ثم واصل حديثه
- إنها آثار تعذيب يا صديقي..آثار تعذيب بواسطة الحرق بالنار..
- يا الله أيعقل هذا؟ كيف تصرفت ؟ هل اقتصصت لهم من المجرم؟ قلت له
ضحك بمرارة ثم أطلق زفرة حارقة وهو يقول:
هذا هو الأمر الذي حيرني وجعلني أشكو غمي إليك.. إنها أمهم يا صاحبي..وحجتها أنها فعلت ذلك بقصد تربيتهم.. وتهذيب سلوكهم.. سكت قليلا ثم أضاف في حزم:
- إنك تعلم أنهم بحاجة ماسة لها وأي إزعاج يتهددها قد يؤثر سلباً عليهم.. شل لساني ولم أجد ما أواسيه به سوى الصمت ودعاء في سري بأن يكون الله في معونته!