Wednesday 06/08/2014 Issue 15287 الاربعاء 10 شوال 1435 العدد
06-08-2014

الوجود الإيراني في المنطقة

يقول وارن كريستوفر وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس بيل كلينتون: انظر إلى حيث تشاء ستجد يد إيران الشريرة في المنطقة .

أبداً لم يكذب كريستوفر وهو أفصح من يمكن أن يتكلم حول تلك الحقيقة..

إيران الشريرة كما أسماها كريستوفر انتهجت سياسةً خارجية ذات مبدأ واضح منذ عهد الشاه ومروراً بثورة الخميني وما تبعه من رؤساء للجمهورية الإسلامية وهو مبدأ «دول المنطقة إما صديق أو عدو» وهي التي تمكنت بما تملكه من قوة اقتصادية وتأثير ديني واجتماعي وباستغلال المؤثرات الجيو سياسية أن تصنع وجوداً في المنطقة يكفل لها في الغالب مساعيها التي لم تصل إليها كاملة وهي السيطرة تماماً على رؤوس المنطقة ثم فرض نفسها كشرطي حقيقي للمنطقة بمعاونة أمريكية في الغالب أو بدونها أحياناً كما تلاعبت ايران كثيراً وتحديداً في مبدأ العلاقات مع إسرائيل وتركيا وانعكاساتها على العلاقة مع دول المنطقة العربية والخليج تحديداً.

تفشل إيران دائماً في السيطرة السريعة على المناطق التي تطمع فيها وهذا عائد أولاً إلى عدة عوامل أبرزها تواضع الجانب الاقتصادي للدولة بالمقارنة مقارنةً مع اقتصاد دول المنطقة المناوئة وتحديداً في الخليج ومن ثم الطبيعة الشيعية لإيران مقابل الأكثرية الجارفة للسنة في المنطقة مما يجعل إيران تأخذ طبيعةً طائفية عند جيرانها مما يعود على إمكانية التفاهم أو التعاون ويصعِّب منها ..

لذلك فاعتمادها دائماً وفي المقام الأول ليس على نشر التشيع بحد ذاته وإنما مقاومة الاتساع السني وإنعاش الطوائف المتعددة للتضييق على السنة وكمش توسعهم وأيضاً العمل على إزالة الصورة الحسنة للعقيدة السنية من خلال استغلال متطرفي السنة بشكل أو بآخر لإساءة السمعة والتنفير عن هذه العقيدة..

ومما يعزز هذا النهج ويكمله هو النهج العسكري الإيراني وتحديداً بعد الحرب مع العراق بداية الثمانينات الميلادية الذي تغير تماماً وأدركت إيران أنها ستتعب كثيراً بهكذا سياسة بعد ثورة الخميني تعرضها لمواجهات عسكرية مباشرة مع جيرانها في المنطقة ؛ فانتهجت ما يظهر حالياً من نشر للتنظيمات السنية القتالية المتطرفة لزعزعة استقرار الدول الكبيرة وزيادة إشعال الدول المشتعلة .. كذلك عملت على دعم الحكومات الطائفية والمعارضة للسنة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً أولاً بغض النظر عن الجوانب الأخرى الكثيرة.

في لبنان حزب الله وهو حزب شيعي أنشأته إيران وأعلنوه كحامٍ للمصالح الإيرانية في تلك المنطقة وهدَف بكل وضوح إلى حماية الحدود الإسرائيلية بالاتفاقيات السرية من هجوم المجاهدين السنة على إسرائيل إبان الحرب على فلسطين وبعد اجتياح لبنان ؛ وأيضاً يضمن بقاء قوة إيرانية في عمق المنطقة لظروف عديدة ومختلفة سواءً في لبنان المتعددة الطوائف (الاجتماعية والدينية) والمنطقة عموماً والتي تعبتر إيران في الغالب «عدوًا».

وفي فلسطين حركة حماس ذات الإمكانيات العسكرية البسيطة مقارنةً بإسرائيل وتستخدمها كثيراً إيران للتأثير العاطفي على جماهير العرب ضد حكامهم من خلال اختلاقهم المشاكل مع إسرائيل والتي ترد في كل مرة بقوة وعنف يخرج أحياناً عن حرمة القانون الدولي مما يجذب التعاطف الشعبي ويشعل فتيل الحراك في الدول العربية الأخرى.

في سوريا نظام طائفي يقاتل جماعات المعارضة سنية معتدلة يعاونه في تدمير البلاد وإخلال العقيدة السنية ومواجهة المقاتلين السنة حزب الله الشيعي علاوةً على جماعات تنتهج العقيدة السنية وتسيء بشكلها الخارجي لينعكس ذلك على الأرض وعلى الفكر الاجتماعي لدى شعوب المنطقة . القاعدة وداعش مثلاً ..

في العراق نموذج آخر من حرب غير مباشرة تخوضها إيران بدون جيشها.. فقط الحرس الثوري مع الجيش العراقي ضد ثوار العشائر من الغالبية السنية ويتشابكون مع نفس الجماعات السنية التي أوجدتها إيران في سوريا والنتيجة يظهر الإسلام السني كبش فداء لمطامع إيران في المنطقة وتستمر عملية إيران الطائفية بالتقدم ببطء ؛ ويظهر الإسلام الشيعي أكثر اعتدالا أمام الرأي العام «العالمي».

وجماعة الحوثي والقاعدة في اليمن نموذجان آخران مختلفا الطوائف وتدميريان من الصناعة الإيرانية لإحداث الصراع على الأرض وزعزعة استقرار اليمن ثم مساومته على مايريدون أو كذلك إزعاج الحدود الجنوبية للسعودية إن أمكن في أوقات معينة.

هذه النماذج هي ترجمة للرغبة الإيرانية في أحادية الدور الذي أوكلته بوضوح إدارة ريتشارد نيكسون للسعودية وإيران بحماية المنطقة إبان الحرب الفييتنامية التي جعلت الإدارة الإمريكية تتنازل عن استئثارها بالسيطرة الأمنية على الخليج العربي وتنتج أسلوب الدعامة المزدوجة والذي جعل إيران في مواحهة مباشرة مع السعودية مما جعل عملية التأثير وصنع التواجد الإيراني في هذه المنطقة التي تغص بحلفاء السعودية أمراً صعباً واستغرق الكثير ولا يزال.

إن عجز إيران عن بسط نفوذها التام على دول الخليج والبحر الأحمر والمتوسط جعلها تتحول مجدداً إلى إشعال صراع في العراق يهدف إلى تخفيف حدة مواجهتها في مناطق الصراع في سوريا والحدود اللبنانية واليمن، ويهدف في نفس الوقت إلى الاستمرار في تحقيق الهدف الثاني بتشويه صورة الإسلام السني المتمثل في الثوار وفي داعش، وتعتمد مدة الصراع على الأمور في سوريا ولبنان وحسمها من عدمه.

ما أظهر حقيقة أن سياسة إيران طويلة الأمد والمكشوفة في الغالب لم تعطها «نصف ما ترغب به» منذ عهد الشاه فلا هي سيطرت على حكومات أكثر من دولتين ولا تعاونت مع حكومات أكثر من أربع دول ولكن نجحت في صنع ذلك المناخ الذي يعطيها أملاً في أن تبسط نفوذها يوماً على المنطقة ، وعلى الأقل أعطاها الآن دوراً في تحديد مصير المنطقة .

وما يجعل إيران تسعى لإيجاد توازنات وجودية وتوسعية في نفس الوقت هو حرصها على الاندماج في أي مخططات أو مؤامرات تستهدف دول منطقة الخليج والمنطقة العربية عموماً إما بالمشاركة فيه أو دعمه على أقل تقدير كما يجري في المخطط الأمريكي الحالي لتقسيم الشرق الأوسط.

كما أن علاقتها بإسرائيل جديرة بأن تذكر بأنها أحد الأسباب الوجودية لإيران ومشاركتها في قرار المنطقة حتى الآن.

فأن يكون في المنطقة عدو آخر لها أكثر عداوةً منك فهذا أمر مهم ومبدأ استفادت منه إيران ولا زالت فهي عندما تتعامل سراً مع إسرائيل في مجالات شتى تستفيد من إسرائيل وفي نفس الوقت لا تخسر عملاءها ولا تغضب العرب المعتدلين بالنسبة لها ولا تشعل غضب خصومها في المنطقة للحد الذي يهدد «وجودها».

مقالات أخرى للكاتب