قال فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير أمام وخطيب المسجد النبوي، والقاضي بمحكمة الاستئناف بالمدينة المنورة أن كلمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - والتي وجهها للأمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي حوت مضامين وتوجيهات وتحذيرات، وجاءت في وقت تمرّ فيه الأمة بأحرَج مواقِفها وأصعب ظروفها وأشدِّ خطوبها، تتلقَّى الطعَنات الغادرةَ والهجمات الماكرةَ من حاسديها ومُعاديها، ولا تزال المجازر المفزعةُ والفظائع المفجِعة والجرائمُ المروِّعة تَصبُّ على إخواننا في غزة، تدميراً وحِصاراً، وقتلاً للنساء والصِّغار، ظلمٌ صارخ وعدوان سافِر، يمارَسُ أمام نظَر العالَم وسمعِه ومؤسَّساتِه وهيئاته. فشعبُ فلسطينَ المجاهدُ عن حقِّه المدافِع عن أرضه تتواصَى قوى الظلمِ والطغيان على منعِه من السِّلاح، حتى لا يجدوا إلاّ الحجارة يدافعون بها عن أنفسِهم، بينما يُمدُّ المعتدي المحتل بأفتكِ الأسلحة وأخطرِها وأعنَفها وأضرِّها. جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله تعالى - لتبين أن تلك الممارساتِ لن تحقِّق للعالم سكونًا وسلامًا، ولن تجلبَ للعالم أمنًا وأمانًا، فالعُنفُ يتفجَّر والأمن يتلاشى، وطغاةُ البشَر وجبابرتُه اليوم يقاتلون تشفِّيًا وانتقامًا لإرواءِ غليل حِقدهم وإطفاءِ نارِ غضَبِهم، يُفنون آلافَ البشر، يسحقون القرى، ويمحُون المدُن، لا ضميرَ يؤنِّبهم، ولا قانونَ يردعُهم، ولا عقوبة تمنعهم. وأضاف: جاءت كلمة خادم الحرمين لتبين أن العالم لم يعد يسمع إلا دويَّ المدافع وضجيجَ القَصف وعنوانَ الحقد والعُنف، وأن الباغي ستحوط به يدُ المهلَكة، يحفِزُه إلى مَصرعه جنونُه بقوّته، ويعجِّله إلى حتفِه غرّةُ تَيهه، ويدفعُه إلى مهلكِه خَمرةُ كِبره، وسيكون سمعةً رادعة ومثلةً وازعة وعِظةً مانعة لكلّ القوى الظاهرة الجائرة كما كانت للقوى الظالمة البائدة، وسيجرُّ الظالم أذيالَ الخيبة مُهانًا، ويندحِر بالهزيمة مقهورًا مُدانًا، ولن يظلَّ الظالم قويًّا إلى الأبد، ولن يظلَّ المظلوم ضعيفاً إلى الأبد. جاءت كلمة خادم الحرمين لتبين أن أعداءَ الملّة لا يألون جهدًا في محاولةِ تفريق الكلمةِ وتمزيق الصفّ، صدعًا للأُمّة، وقطعًا للعُروة، يغرون قريشًا بتميم وزيدًا بعمرو وبعضًا ببعض، ليُحكِموا السيطرةَ ويفرِضوا الهيمنة، ومتى تفرّقتِ الأهواء وتبايَنتِ الآراء وتناثرتِ القلوب واختلفتِ الألسن وقع الخطرُ بأكمَله وجثمَ العدوُّ بكلكلِه
جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله تعالى - لتحذر من خطر منهج الجماعات التكفيرية ومنظماتها الإرهابية التي شوهت صورة الإسلام وارتكبت الفظائع والفجائع باسم الإسلام والدين والإسلام بريء من إرهابهم وجرائمهم، أظهروا مكنونَ الشِّقاق، وشهَروا سيوفَ الفتنة، وجاهروا بالمحادّة والمضادّة، بعقيدةٍ مدخولة وأفهامٍ كليلةٍ وأبصارٍ عليلة، توّهت بهم الآراءُ المُغوية في مهامِه مضِلّة وسُبُل مختلِفة، فكفّروا وروّعوا وأرعبوا وقتلوا وفجَّروا وخانوا وغدَروا، فلا عن المعاهَدين كَفّوا، ولا عن المسلمين عَفُّوا، رمَوا أنفسَهم في أتّون الانتحار بدعوَى الاستشهاد ودَرَكاتِ الخروج بدعوَى الجهاد. هَمَجٌ رعَاع يتبعون كلَّ ناعِق ويسيرون خلفَ كلِّ ناهِق، يقابلون الحُجَج باللَّجج والقواعِدَ بالأغاليط والمحكمات بشُبهٍ ساقِطة، لا تزيدُهم إلاّ شكًّا وحيرةً واضطرابًا، قومٌ باغون، من جادل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدمِ الإسلام، فراشُ نار وحُدثاء أغرار وسفهاءُ أشرار، خالفوا ما درجَ عليه السلفُ وانتهجه بعدَهم صالحو الخلَف، وفارقوا ما نقلته الكافّةُ عن الكافّة والضّافَّة عن الضاّفَّة والجماعة عن الجماعة، وفي صحيح مسلم يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: «ومن خرج مِن أمّتي على أمتي يضرِب بَرَّها وفاجرها ولا يتحاشَى من مؤمِنها ولا يفي لذي عهدٍ عهدَه فليس منِّي».
جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله تعالى - لتحذر من خطر الفتنة المحدقة بالأمة، ولتبين أن من الخير لكلِّ ذي لُبٍّ وعقلٍ أن لا يبرِمَ أمرًا ولا يُمضي عزمًا إلا بمشورةِ ذي دينٍ صالح ورأيٍ ناصح وعقلٍ راجح؛ لأنّ المشورةَ حِصنٌ من الندامةِ وأمانٌ من الملامة، ومن استبدَّ برأيه عمِيت عليه المراشِد وضلَّ في أوضار الغلوّ والتطرُّف والشذوذ.
خادم الحرمين الشريفين قائد عربي مسلم مخلص لأمته حريص على حاضرها ومستقبلها، فنسأل الله تعالى أن يوقظ بكلمته العقول الغاوية والنفوس الضالة والجماعات الشاذة، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.