صدر قرار مجلس الوزراء الموقر يوم الاثنين الموافق 23 رمضان المبارك والذي نشر في جميع الصحف ومن بينها (الجزيرة) والذي تم الإعلان فيه عن الموافقة السامية بدخول المؤسسات الأجنبية العريقة للاستثمار في سوق الأسهم السعودية.
لقد تعرض سوق الأسهم المحلي لهزة قوية ونكسة طويلة بدأت منذ فبراير من العام 2006م ونزل مؤشره من 21 ألف نقطة إلى 4000 نقطة وخسر أكثر من مليوني مواطن كافة أموالهم ومدخراتهم التي تقدر بالمليارات، وخسروا مع هذا الهبوط المرير كل ما جمعوه طوال عمرهم، وكان لهذه الكارثة (ضحايا) بالآلاف من المتضررين أكثر من غيرهم منهم من توفاه الله بسبب جلطات المخ والأزمات القلبية بعد أن شاهد سعر سهمه ينزل من (3000 ريال) إلى (50) ريالاً! ومنهم من أصيب (بالهلوسة) ولا زال يعالج في المصحات النفسية. أما الفئة الثالثة فهم سيئو الحظ الذين لا زالوا يدفعون ثمن هبوط السوق المؤلم داخل (القضبان) لسنوات عديدة وأعني بهؤلاء من أخذ تسهيلات بنكية وسلفاً تقدر بمئات الملايين هذا غير مجازفة البعض باستغلال أموال بعض المساهمات العقارية والدخول بها في هذا السوق الذي تحول وفي بضعة أشهر إلى (أثراً بعد عين)!
إن الحديث عن سوق الأسهم وما حدث له في السنوات الفارطة يحتاج إلى صفحات بل إلى مجلدات لرصد ما مر به من انتكاسة لا يصدقها عقل إنسان حيث لم يتعرض سوق آخر في المنطقة أو في العالم أجمع إلى ما تعرض له سوق الأسهم السعودي من انهيار قضى على الأخضر واليابس وحول معظم المتعاملين فيه إلى (طفارى)، بل ربما وصل بعضهم إلى خط الفقر..!!
صحيح أن (المؤشر) تعدل قليلاً وعاد إلى 9000 نقطة بعد سبات طويل وانتظار أطول ولكن معظم شركات السوق لم تعد ولا إلى 30% من أسعارها السابقة، وما رفع المؤشر هما شركتان لا ثالث لهما وهما سابك التي صعدت من 36 ريالا إلى 127 ريالا تقريباً وبنك الراجحي الذي صعد من 42 ريالا إلى 80 ريالا وربما ساهمت (موبايلي) والاتصالات السعودية في رفع المؤشر نوعاً ما بصعودهما من خانة الثلاثينات إلى الـ80 والـ70 ريالاً على التوالي أما معظم الشركات فلا زالت على أسعارها أو كما يقول المثل الشعبي (على طمام المرحوم)!
أسألكم بالله عن (العالقين) في شركات مثل دار الأركان بسعر 80 ريالا وهي الآن بـ 14 ريالا وكيان من 50 ريالا وسعرها الآن 15.5 ريالا وزين من 25 ريالا إلى 10 ريالات وغير هذه الأسهم العشرات التي لا زالت تشكل (صفراً) من الخسائر التي تكبدها المتعاملون في هذا السوق منذ ثماني سنوات ونيف!
لقد تفاعل السوق منذ اليوم الأول بعد قرار مجلس الوزراء بدخول المؤسسات الأجنبية وصعد إلى خانة (10.000) نقطة كتفاعل ربما يكون نفسيا حيث صعدت سابك من 115 ريالا إلى 129 في ثلاثة أيام والراجحي أيضاً صعد 7 ريالات وبعض البنوك صعدت أيضاً.
أما معظم الأسهم فقد تراجعت ما عدا جبل عمر ومعادن وهما السهمان المرشحان للاستثمار من طرف المؤسسات الأجنبية التي من المتوقع دخولها في النصف الأول من العام 2015م.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل السوق السعودية في غضون الأشهر القليلة القادمة وقبل دخول هذه المؤسسات العالمية مرشحة للصعود؟ وهل هو (أي السوق) مقبل على طفرة بعد عثرته الطويلة؟ وهل ستصعد الأسهم (النائمة) التي لم تتحرك ولم تواكب الصعود الأخير الذي تجاوز 500 نقطة؟ وهل سيرضى المتعاملون في السوق أن يسلموا أسهمهم إلى الأجانب بهذه الأسعار الرخيصة؟
الأيام والأسابيع بل الأشهر القادمة ستميط اللثام عن واقع السوق والذي تفاعل (نفسياً) في بعض أسهمه الكبيرة مع القرار الوزاري في آخر ثلاثة أيام من التداول في شهر رمضان وقبل إجازة العيد المقررة للسوق!
لقد كان التداول طوال شهر رمضان لا يتجاوز الخمسة مليارات وبعد القرار وفي آخر ثلاثة أيام منه وصل التداول إلى ثلاثة عشر مليارا والسؤال الأهم: أين كانت هذه (المليارات) ولماذا لم تدخل إلى السوق إلا بعد القرار؟ وهل كانت مجمدة في المحافظ والبنوك؟!
إنني أتوقع والعلم عند الله أن الذين (ركَّعوا) السوق طوال هذه السنوات سيندمون إذا لم يعيدوا الأسهم السعودية كافة إلى أسعارها (المستحقة) بعد ثماني سنوات من انهيارها (وتجفيفها) وأقول لهم وبكل صراحة أن يستفيد المواطن في الفترة القليلة القادمة من السوق ويعوض جزءاً من خسائره الكبيرة خيراً من أن يستحوذ عليها الأجنبي أو المؤسسات الأجنبية بهذه الأسعار، والحديث هنا عن الأسهم في كافة قطاعات السوق وبلا استثناء، بعد أن وصلت إلى أسعار لا تصدق في خانة (العشرات) بعد أن كانت في خانة المئات والآلاف.
لقد صعد مؤشر «داوجونز» من 6000 نقطة إلى 17000 نقطة، وصعد مؤشرا قطر والإمارات ممثلَين في دبي وأبوظبي 400 %، ومؤشرنا متجمد لا يتحرك رغم قوة الاقتصاد السعودي ومتانته طوال سنوات الهبوط المستمرة حتى اليوم.
أكتب هنا وفي هذه الإجازة المباركة وقبل افتتاح السوق بعد العيد لعل وعسى أن يعيد كبار المستثمرين النظر في سوقهم قبل أن يستحوذ عليه غيرهم، فالكرة الآن في مرماهم فقد مل الجميع من سياسة (التطفيش) وتجفيف الأسهم التي استمرت سنوات طويلة بسبب بعض (الهوامير) الذين يتلاعبون بالسوق كيفما يريدون (اللهم هل بلغت اللهم فاشهد) والله المستعان من قبل ومن بعد.